18-ديسمبر-2016

في تشييع أحد شهداء ثورة الياسمين في تالة (2011/AGP)

في الذكرى السادسة لانطلاق الثورة التونسيّة يوم 17 ديسمبر/كانون الأوّل 2010، عرضت دار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة التونسية الشريط الوثائقيّ "تالة عصيان أبدي" لمخرجه عادل بكري. ويؤرّخ الشريط إلى الأحداث التي شهدتها مدينة تالة (الوسط الغربي) منذ انطلاق الثورة وصولًا إلى مشاركة أبنائها في اعتصام القصبة الأوّل وانتخابات المجلس التأسيسيّ.

يؤرّخ شريط "تالة عصيان أبدي" إلى الأحداث التي شهدتها تالة منذ انطلاق الثورة وصولًا إلى انتخابات المجلس التأسيسي

في بداية الثورة، قطع الممثّل والمخرج التونسيّ عادل بكري إقامته بإيطاليا وعاد إلى مدينته الأم تالة لتصوير ما يحدث فيها من تحركات. وقد غيّر البكري مساره المهنيّ في المهجر حيث تعلّم التمثيل والإخراج ونال فيهما شهادات. ويقول إن فيلمه هو في المقام الأوّل "تكريم لشهداء تالة". وقد سقط في المدينة ستة شهداء برصاص الأمن في الفترة الممتدة بين 8 و18 كانون الثاني/يناير 2011، هم مروان الجملي، محمد عمري، أحمد بولعابي، وجدي السائحي، غسان شنيتي، وأحمد ياسين الرطيبي.

اقرأ/ي أيضًا: وفاة محمد الحنشي.. انتكاسة أخرى للثورة التونسية

ويمكن تلخيص الجزء الأوّل من الشريط بجملة وردت فيه هي "تالة تعرف الثورة والثورة تعرف تالة". حيث لا يتوقّف سرد الأحداث على الثورة التونسيّة الأخيرة، بل يمتد إلى انتفاضة الفلاحين في القصرين وتالة بين عامي 1906/1907 وانتفاضة على بن غذاهم التي اندلعت عام 1864 وصولاً إلى الانتفاضات المتعددة في الفترة الأمازيغيّة للمدينة. وبالنظر إلى التمردات العديدة التي عرفتها تالة سابقًا والتي لم تتحقق جلّ مطالبها، يتردد عادل البكري في نعت الأحداث بالثورة ويكتفي بإطلاق صفة "الانتفاضة" عليها ما لم تتحقق أهدافها.

كما اعتمد المخرج على لغة شعريّة بديلًا عن السرد في تعليقه على مشاهد الشريط. حيث ألقى بموازاة صور المنتفضين وهم بصدد التظاهر أو تشيّيع الشهداء قصائد في مدحهم. كما استعان بقصائد لشعراء تونسيّين منشقّين على غرار قصائد الشاعر بلقاسم اليعقوبي، الذي استشهد أيضًا في سجون النظام السابق، ومقاطع غنائيّة ملتزمة. وإلى جانب مدح الثوّار، ذمّ بكري رجال النظام من الاستقلال إلى فترة بن علي، حيث يقول "يأتي كلّ عشرين سنة نرجسيّ يدّعي أنّه المنقذ والمجاهد والرسول والمحرّر والزعيم"، وترفض تالة التي يصوّرها جميع الأدعياء وتتشبث بالمقاومة.

يمكن تلخيص الجزء الأوّل من شريط "تالة عصيان أبدي" بجملة وردت فيه هي "تالة تعرف الثورة والثورة تعرف تالة"

ويخصّص المخرج أغلب الجزء الثاني من الوثائقيّ لشهادات عائلات الشهداء. وتحاول الأمهات والأخوات والآباء توضيح ما حصل، فيرفضون أوصافًا من قبيل "ثورة الجائعين". تتحدّث أخت شهيد فتقول "لسنا جوعى، نحن نعمل إذا ما وجدنا عملًا، ونرفض تفقيرنا وهضم حقوقنا وموارد جهتنا". وتُجمع الشهادات على أنّ الشهداء ضحّوا بأنفسهم من أجل أن تعرف مدينتهم وبلادهم مستقبلًا أفضل.

اقرأ/ي أيضًا: موجات الثورة التونسية العميقة

وتأتي فحوى الشهادات في مقابل سرديّة، تروّجها جهات وشخصيات متضررة من الثورة، مفادها أنّ أغلب الشهداء قتلوا وهم بصدد السرقة والنهب. حيث تُظهر كلمات العائلات إلى جانب الصوّر التي يعرضها الشريط الحيف الذي تعرضت له تالة، مثلما هو حال أغلب مدن تونس. إذ تغيب التنمية عن المدينة بشكل ملحوظ، كما تعرضت في العقود السابقة غاباتها إلى التخريب، وشهدت تلوّثًا بيئيًّا متفاقمًا مصدره الغازات المنبعثة من بعض المصانع.

وتضم مدينة تالة ما يقارب عن 35 ألف ساكن، وتبعد حوالي 250 كيلومتر عن العاصمة، كما تعرف منطقتها بأنها الأكثر ارتفاعًا في تونس عن سطح البحر، حيث يصل ارتفاعها إلى 1044 متر ما يجعلها منطقة شبه معزولة.

وتتزامن الاحتفالات بالذكرى السادسة لاندلاع الثورة التونسيّة، التي أقيمت بمحافظة سيدي بوزيد وبعض المناطق الداخليّة في تونس، مع عرض تلفزيّ مباشر لشهادات المتضرّرين من بطش الأنظمة منذ عام 1955 إلى حدود عام 2013، تؤمّنه "هيئة الحقيقة والكرامة" في سياق مجريات العدالة الانتقاليّة.

وتأتي الشهادات كجزء من برنامج للتعريف بمختلف الانتهاكات التي عاشها تونسيون على امتداد تاريخ دولة الاستقلال. حيث عرضت جلسات استماع مباشرة الشهر الماضي خلّفت صدمة وتضامنًا شعبيًّا واسعًا مع الضحايا، فيما قاطعها رئيس الجمهوريّة، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس نواب الشعب.

اقرأ/ي أيضًا: 

برهان القاسمي.. الثورة التونسية تأكل أبناءها؟

ثورة تونس بعد 5 سنوات.. تخنقها الرداءة والتهافت‎