04-نوفمبر-2017

تتفيه الجرائم ضد اللاجئين والمهاجرين زاد من هذه المأساة الإنسانية (spiegel)

لأوّل مرة قد تتخذ المحكمة الجنائية الدولية خطوة إيجابية نحو التحقيق والمحاسبة على الجرائم والانتهاكات ضد اللاجئين والمهاجرين حول العالم، انطلاقًا من تقرير بالغ الأهمية سُلّم للجمعية العامة للأمم المتحدة مُؤخرًا. ونشرت صحيفة شبيغل الإلكترونية الألمانية تقريرًا حول فظائع الجرائم ضد اللاجئين والمهاجرين، وعن التقرير الذي قد يكون بدايةً لفتح تحقيق من قبل الجنائية الدولية في هذه الجرائم؛ ننقله لكم مترجمًا في السطور التالية.


حول العالم، يقبع اللاجئون في المعسكرات والمُخيمات، يعانون من سُوء المعاملة، مُساَقين في أغلب الأحيان إلى حافة المجاعة حيث يموت العديدون منهم نتيجةً لذلك. لكن آن أوان مُحاسبة هذه الجرائم أخيرًا من قِبل المحكمة الجنائية الدولية.

قُدّم تقرير هام للأمم المتحدة، قد يكون بدايةً لفتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا في الجرائم ضد اللاجئين

وقدَّمت المُقرِّرة الخاصة لجرائم الإعدام دون محاكمة والإعدام التعسُفي والعشوائي، أجنس كالامارد، تقريرًا هامًا جديدًا للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة، التقرير الذي ورد مُعنوَنًا بـ"الموت غير القانوني للاجئين والمهاجرين"، يُعَد بالفعل اهتمامًا غير عادي بالنسبة لاختصاصاتها، ففي السنوات الأخيرة ركز مكتبها بشكل حصري تقريبًا على مكافحة الإرهاب خِصيصًا الموت جراء هجمات الطائرات بدون طيار.

اقرأ/ي أيضًا: أوروبا القلقة على اتحادها من اللاجئين

كما توضِّح أجنس كالامارد، فإن اهتمام التقرير ينصب على الجريمة الدولية التي "تجعلها تفاهتها في أعين العديدين، مأساة حرِجة ومُقلِقة، والخلاف حولها درامي ونعتقد أنه تاريخي كذلك على الأقل إذا أخذنا تقارير هيئات الأمم المتحدة بعين الاعتبار"، حسبما قالت.

وتشرح كالامارد التطبيقات أو الآثار العملية، قائلة: "على المحكمة الدولية أن تأخذ بعين الاعتبار التحقيقات الأولية في الجرائم الوحشية ضد اللاجئين والمهاجرين، حيث تُوجَد دلائل معقولة على أن هذه الجرائم قد اُرتكِبت بالفعل، وأن المتطلبات القضائية للمحكمة قد تحققت"، ما يعتبر خارجًا عن المألوف في هذا الأمر، أن تقترح هيئة في الأمم المتحدة على المحكمة الدولية القضايا التي يجب عليها أن تأخذها في الاعتبار، لكن هذا تحديدًا ما فعلته كالامارد.

وفي ظِل تداعيات العسكرة المتزايدة للحدود، أصبحت توصيات كالامارد عاجلة. لكن دون بعض السياقات قد يُساء فهم هذه التوصيات. فقد بزغ وظهرَ سلك القانون الجنائي الدولي على إثر التوحش والاعتداء. هذا المثال الذي مازال يأسر المُخيلة الشعبية، هي بالطبع كارثة الحرب العالمية الثانية؛ الحرب العدوانية كانت في القلب من التهم القضائية للمحكمة العسكرية الدولية، التي أقامتها قوات الحلفاء المُنتصِرة. على ما يبدو فإن وُجود الحرب كان ضروريًا لتمرير الأحكام ضد مُرتكِبي جرائم العُنف الجماعي.

تغير سلوك المحكمة الجنائية الدولية بشكل تدريجي ليتجاوز التركيز على الحرب باعتبارها الركيزة الأساسية للمشروعية الدولية، فقد نوَّعت المحكمة الجنائية الدولية من اختصاصاتها، ولم تعُد مُرتبِطة بالمبدأ القانوني للجرائم ضد الإنسانية المُرتبِطة بالحرب وفقط، والذي أقرّته محاكمات نورمبرغ. فعلى سبيل المثال، الاتهام المُوجَّه إلى الچنرال أوغستو بينوشيه في 1998، ربطت المحاكمات الجنائية بمحاولة المجتمع التصالُح مع ماضيه الاستبدادي.

في نفس الوقت، كان تأسيس المحكمة الجنائية الدولية زاخرًا بالفُرص، ولم يكُن الدعم الذي حظيت به مرتبطًا بجرائم الإبادة الجماعية فقط، ولكن بهدف تحقيق عدالة كونية عالمية، إذ لا ترتبط الجرائم ضد الإنسانية بالضرورة بالحرب في اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية.

وتضم هذه الاختصاصات جرائم مثل الفصل العنصري، وهو نظام حُكم وليس وسيلة حرب، وأيضًا الأفعال غير المشروعة المُرتكَبة مثل الهجمات المنظمة أو المتكاثرة ضد السكان المدنيين، كما تضم مجموعة من المُمارسات التي قد تحدث في أوقات السِلم: التعذيب وهو الفعل الذي يُمارَس غالبًا في سياقات إنفاذ القانون، والاحتجاز دون ضمانات إجرائية أو في ظروف مُهيِنة، والاضطهاد وهو الحِرمان الشديد من الحُقوق الأساسية من خلال التمييز والترحيل غير المشروع.

وفي حين استطاع القانون الجنائي الدولي تجاوز مركزية الحرب، إلا أن الحرب والعسكرة بزعم البعض، انتشرت في العديد من مناحي الحياة المدنية. ولا نهائية الحرب التي يُشيِر إليها المُعلِّقون كثيرًا هذه الأونة، لا تعني فقط زمن الحرب، بل تعكس أيضًا الطُرق العديدة التي تمدّدت بها الحرب إلى مالانهاية.

إنها الطُرق التي استطاعت بها الحرب أن تكون جُزءًا من إيقاع حياتنا اليومي. فالموت غير المشروع للاجئين والمهاجرين هو جانبٌ واحد فقط من هذا التوسع، مع تزايد مُعدلات عدم المساواة، وظُهور تكنولوچيا النقل والاتصالات الجديدة والكارثة البيئية المتكشفة، فإن السكان الأكثر تعرُضًا لهذه الآثار السلبية يهاجرون إلى حيث سُبُل الحياة المتوفرة في الشمال العالمي. وقد بدأ سكان هذا الشمال يشعرون بالتهديد المتزايد من قِبل جُموع الفقراء (غالبًا ما يكونون من ذوي البشرة السمراء وملونين) أكثر من الهجمات المسلحة.

تمددت الحرب واستطاعت أن تكون جزءًا من إيقاع حياتنا اليومي، ولعل مثال ذلك الموت غير المشروع الذي يتعرض له اللاجئون والمهاجرون

وبدأت عسكرة الحدود في الانتشار سريعًا ضد المهاجرين على الحدود المُزيَّفة التي تفصل بين العالمين المتطور وما يُسمى بالعالم الثالث. على الأقل منذ 2009، بدأت الوكالة التابعة للاتحاد الأوروبي، فرونتكس، بنشر وسائل السيطرة على الحدود في اليونان. وصعَّدت فرونتكس من وسائل المراقبة، وأدخلت استخدام الطائرات بدون طيار، وأماكن الاحتجاز خارج الحدود التي حكمت عليها محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بأنها غير إنسانية.

اقرأ/ي أيضًا: اللجوء السوري في الإعلام الغربي.. تباين وتخوف

ومن جانبها، عزَّزت أستراليا من أمن حدودها البحرية عبر عملية بحرية يقودها چنرال كبير. وفي إجراءٍ مُثيِر للسُخرية، قدّمت أستراليا زوارق دون نوافذ، وغير قابِلة للغرق بزعمها؛ لدفع اللاجئين مجددًا إلى الشواطئ الأجنبية. وفي 2015 سعت الدول الأوروبية -ونجحت في ذلك- في إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لاستخدام القوة ضد المُهرِّبين في البحر الأبيض المتوسط، وهو إجراء غير اعتيادي يُشير بوضوح إلى العسكرة المتزايدة لوسائل مراقبة الحدود.

في جوانب أُخرى من حياتنا، سارت العسكرة جنبًا إلى جنب مع الخصخصة، فقد أبرمت أستراليا اتفاقات مع ناورو وبابوا في غينيا الجديدة، واستخدمت شركات خاصة مثل "G4S"، وفيرروفيال، لاستضافة وتشغيل معسكرات احتجاز غير إنسانية. في المقابل، استخدم الاتحاد الأوروبي مؤخرًا المليشيا الليبية لضمان عدم عبور اللاجئين للبحر الأبيض المتوسط.

من ناحيةٍ أُخرى تتزايد الاتهامات الموجَّهة إلى وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية باستخدامها وسائل تُشبه التعذيب دعمًا لسياسات الترحيل الحكومية. بعض مُنشآت الاحتجاز لديها كذلك تُديرها شركات خاصة. وتُشير كالامارد إلى ملحوظة مهمة جدًا عندما تقول، إن جُزءًا من هذه الممارسات يُحتسَب ضمن الجرائم الدولية. وتتألف هذه الممارسات من أفعال غير مشروعة بطريقةٍ مُنظمة وواسعة الانتشار لتٌشكِّل هجومًا ضد المهاجرين.

تأثير هذه الممارسات على أكثر سكان العالم ضعفًا وعوزًا هائل، ويمتد من الموت غرقًا إلى انتشار الأمراض العقلية وإيذاء النفس في معسكرات اللاجئين في كل أنحاء العالم. كما تقول المُقرِّرة الخاصة، وهي مُحِّقة في قولها هذا، فإن على المحكمة الدولية أن تتصرف حين ترتكب جرائم بهذا الحجم ضمن نطاق صلاحياتها القضائية. لكن مع ذلك فإن القانون الدولي لا يعترف بوجود جريمة دولية عامة وعالمية مثل التي ربما يشير إليها تقرير كالامارد.

ويتطلب تطبيق القانون الجنائي الدولي، من المُدعين العامين، التحقيق في واقعة أو حالة بعينها، وبهذا يخدم واقعة محدودة بزمانٍ معين باعتبارها مركز الاهتمام. و"في السنوات القليلة الماضية، عملنا على توضيح أهمية مثل هذا التحقيق ومن أين يُمكِن أن ينطلق مثل هذا التحقيق"، كما تقول كالامارد.

توضح كالامارد: "في البداية أجرينا دراسة على اليونان. لاحقًا قُمنا بالبحث في الممارسات الأسترالية وبالطبع قدمنا لمُدعي المحكمة الجنائية الدولية شكوى بارتكاب جريمة دولية مُوجَّهة بالأساس ضد عُملاء في الحكومة الأسترالية"، مُضيفةً: "كان بالإمكان إنجاز هذا العمل فقط من خلال مجموعة كبيرة من المحاميين الدوليين المرموقين اجتمعوا معًا في مؤتمر لكلية القانون بجامعة ستانفورد والشبكة العالمية للعمل القانوني، لكن نحن نعتقد أن السُكان الأغنياء في جميع أنحاء العالم يشنون حربًا ضد كفاح السكان الأكثر فقرًا والذي يخوضونه بأجسادهم".

وشُنَّت هذه الحرب بوسائل إجرامية، خصوصًا في مراكز الاحتجاز الأسترالية خارج الحدود التي كانت هدفًا للشكوى التي قدمتها كالامارد. "إذا اختارت المحكمة الجنائية الدولية واقعة واحدة للتحقيق فيها، فإن المراكز الأسترالية ربما تكون أكثرها كارثية"، تقول كالامارد.

لا يجب أن تظنوا خطأً بأن الجُهُود لتحويل المحكمة الجنائية الدولية من الحرب إلى الهجرة مجرد مُحاولة أُخرى لتوسيع سُلطات محكمة غير كُفْء مُرتبطة بالتمويل. بدلًا من ذلك هي محاولة لتحويل الاهتمامات السياسية في المحكمة وخارجها من النظر إلى الوحوش الذين يرتكبون الفظائع إلى المعاناة المتزايدة التي يتم التطبيع معها. تفاهة هذه الجرائم تحديدًا من وجهة نظرنا هي دليل شناعتها و ضرورة مُحاكمة من يقف خلفها.

المقررة الخاصة لجرائم الإعدام التعسفي: "السكان الأغنياء حول العالم، يشنون حربًا ضد كفاح السكان الأكثر فقرًا"

كما ينبغي ألا ينتهي هذا التحول بالتركيز على الجرائم المرتكبة ضد المهاجرين. ومع ظُهُور نتائج تغيُر المناخ التي ظهرت مؤخرًا في بورتوريكو وكاليفورنيا، فإن معركة الأشخاص الأكثر  تضررًا بالانبعاثات الناجمة عن تغيرُ المناخ بدأت للتو. إن الفشل في معالجة هذه الأولويات الجديدة اليوم سيكون خطرًا للغاية، ويُعزِّز أحلك مسارات القرن الحادي والعشرين وأكثرها شؤمًا.

وفقًا لعالم الاجتماع، زيجمونت باومان، فإن هذه المسارات تستدعي واقعًا يهلك فيه نصف البشرية نصفها الآخر. من ناحيةٍ أُخرى فإن الأولوياتِ الجديدة من بينها أخذ مشاكل الهجرة في الاعتبار تعكس بشكلٍ أفضل الالتزام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وهو معاقبة الجرائم التي تضُر بالمجتمع الدولي ككل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اللجوء ملهمًا

"لاجئ".. لماذا يخافون التسمية؟