02-أكتوبر-2018

يأتي تصعيد النظام الموريتاني ضد الإسلام السياسي في سياق تحالفه مع المحور الإماراتي السعودي (Getty)

بشكل مفاجئ، أصدرت السلطات الموريتانية قرارًا بإغلاق مركز تكوين العلماء وسحب رخصة جامعة عبد الله بن ياسين، وكلتا المؤسستين يرأسهما الشيخ محمد الحسن ولد الدّدو الرمز الإسلامي المعروف، الذي يعتبره الكثيرون مرجعًا لتيار الإسلام السياسي الموريتاني.

شهدت الفترة الرئاسية الأولى لحكم محمد ولد عبد العزيز تقاربًا استثنائيًا مع الإسلاميين، وخاصة مع رمزهم الشيخ محمد الحسن ولد الددو، لكن هذه العلاقة سرعان ما انفرطت

سبقت قرار الإغلاق إرهاصات عدّة، تمثّل بعضها في خروج دعوات من داخل النظام الموريتاني تطالب بحلّ كل ما له صلة بتيار الإسلام السياسي من مؤسسات إعلامية وثقافية ودعوية وعلمية وخيرية ومالية وسياسية، وذلك عقب انتخابات أيلول/سبتمبر2018 النيابية والمحلية، التي حلّ الإسلاميون فيها ثانيًا.

انخرط الرئيس الموريتاني في تلك الحملة على تيار الإسلام السياسي من خلال تحميله، لما أسماه "الدين السياسي" مسؤولية الدّمار الذي شهدته بعض دول الربيع العربي، مصرّحًا أن ثمّة إجراءات تم الشروع بها من أجل تجنيب موريتانيا مصيرًا مشابها.

ويبدو أن تلك الإجراءات التي أشار إليها الرئيس الموريتاني، في مقابلته الأخيرة مع الإعلام المحلّي، موجهة بالخصوص ضدّ الإسلاميين من التيار المحسوب على الإخوان المسلمين، الذين حقّقوا مكاسب سياسية وانتخابية مهمة عقب نيلهم حرية العمل السياسي والدعوي سنة 2007، بعد وصول سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إلى سدّة الحكم في البلاد، كأوّل رئيس مدني منتخب.

اقرأ/ي أيضًا: انتخابات 2018.. رهان موريتانيا على مصيرها

في غمرة الدعوات المطالبة بتصفية وجود تيار الإسلام السياسي في موريتانيا، خرج رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعروف بـ"تواصل"، محمد محمود ولد سيّدي، في مؤتمر إعلامي قام فيه بالرد على تهديدات الرئيس الموريتاني، محاولًا إبقاء تلك التهديدات في نطاق المناكفة السياسية بين الرئيس الموريتاني ومعارضته، بهدف المساومة على قبول مأمورية رئاسية ثالثة وتمريرها دون صدام يذكر.

لكنّ موجة الرد لم تتوقف على الوجوه السياسية لتيار الإسلام السياسي الموريتاني، بل اقتحمها الشيخ محمد الحسن الددو في خطبة الجمعة الموالية، التي حذّر فيها من استهداف الدعوة والعاملين لها، مجدّدًا الطعن في شرعية معظم الحكّام في المنطقة العربية، الأمر الذي قابلته السلطات الموريتانية فورا بغلق مركز تكوين العلماء وسحب رخصة جامعة عبد الله بن ياسين الحرّة، بتهمة ممارسة العمل السياسي من جهة ونشر ثقافة الغلو والتطرف من جهة أخرى، وهي تهم غير مُعلنة بشكل رسمي، لحد اللحظة.

في خلفيات الأزمة.. من التقارب إلى التنافر

شهدت الفترة الرئاسية الأولى لحكم محمد ولد عبد العزيز تقاربًا استثنائيًا مع الإسلاميين، وخاصة مع رمزهم الشيخ محمد الحسن ولد الددو، لكن العلاقة المميزة التي ربطت النظام الموريتاني بمعارضته الإسلامية سرعان ما انفرطت، وتحوّلت إلى مواجهة قوية كانت ذروتها مع أحداث الربيع العربي، عندما قرّرت أحزاب المعارضة الموريتانية، وفي مقدمتها التيار الإسلامي، النزول إلى الشارع ورفع شعار المطالبة بإسقاط النظام.

مع تراجع موجة الربيع العربي، وإخفاق المعارضة الموريتانية في إسقاط النظام شعبيًا، غيّر النظام الموريتاني سياسته من سياسة دفاعية إلى سياسة هجومية، فبدأ بحصار المعارضة الموريتانية، واستهدف مصادر تمويلها، وحدّ من حرية نشاطها السياسي، دون أن يصل به الأمر إلى حلّ أي من أحزابها، ولعلّ السبب وراء ذلك هو حاجته إلى مشاركتها في انتخابات 2013 و2014 التي كانت حينها على الأبواب.

قاطعت معظم أحزاب المعارضة انتخابات 2013 و2014، وكانت الأنظار متوجهة صوب قرار حزب تواصل، الذي كان مترددًا بشأن المقاطعة. وبالفعل أعلن الحزب موقفه بالمشاركة في انتخابات 2013 البرلمانية والبلدية، معتبرًا أن المقاطعة ليست خيارًا بالنسبة للأحزاب السياسية، مُبقيًا بذلك على شعرة معاوية بينه وبين نظام ولد عبد العزيز.

حقّق الإسلاميون مكاسب مهمّة في انتخابات 2013 لعل أهمها دخولهم البرلمان بـ16 نائبًا، وحصولهم على عدد معتبر من البلديات والمستشارين البلديين، متربعين بذلك على صدارة أحزاب المعارضة المشاركة. لكن تلك المكاسب لم تمنع الحزب من التعرّض للاستهداف.

في الثاني من تموز/يوليو 2014، أقدم نظام ولد عبد العزيز على إغلاق جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم، التي كان يرأس مكتبها التنفيذي آنذاك محمد محمود ولد سيدي، الرئيس الحالي لحزب تواصل، بدعوى تهديدها للاستقرار ونهوضها بأجندة سياسية تتعارض مع طبيعتها الأهلية والثقافية.

وفي الأثناء أقدمت السلطات الموريتانية على إغلاق مركز النور الصحي ومعهد تعليم البنات المحسوبين على التيار الإسلامي.

خفّت حدّة التصعيد بفعل عدد من الوساطات، وتخلى حزب تواصل عن استراتيجية النزول إلى الشارع، وفي المقابل توقّف النظام الموريتاني عن سياسة تصفية المؤسسات المحسوبة على التيار الإسلامي مع الإبقاء على مستوى من السجال الحاد في الخطاب، وصل في بعض الأحيان من طرف النظام إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد مصادر تمويل الحزب وبوجه خاص ضد رجال الأعمال الداعمين له، وقد نجحت تلك الإستراتيجية في إفقاد الحزب أحد أبرز داعميه الماليين، وهو سيدي محمد ولد السييدي.

انحياز النظام الموريتاني للمحور السعودي الإماراتي

لا يمكن فهم استهداف تيار الإسلام السياسي المحسوب على الإخوان المسلمين في موريتانيا، بمعزل عن سياسة المحاور القائمة في المنطقة بعد الشرخ الذي أحدثه الربيع العربي فيها. وعلى الرغم من أن النظام الموريتاني لم يبد موقفًا واضحًا من موجة الاحتجاجات التي أطاحت ببعض أنظمة المنطقة في ثورات الربيع العربي، إلا أنه أضمر موقفًا معارضًا للربيع العربي تبين من خلال إبقائه العلاقات مع نظام الأسد، وانحيازه مؤخرًا للإمارات والسعودية في حصارهما لقطر، حيث بادر إلى قطع العلاقات مع قطر في سابقة من نوعها في تاريخ الدبلوماسية الموريتانية، التي ظلّت متحفّظة دائمًا فيما يخص الصراعات البينية العربية خاصة في منطقة الخليج.

اقرأ/ي أيضًا: هل تحتاج موريتانيا إلى تعديلات دستورية؟

يفسر وقوف النظام في موريتانيا حاليًا إلى جانب المحور الإماراتي السعودي، استهداف تيار الإسلام السياسي في البلاد، وإن كانت بعض أجنحة النظام الموريتاني تحاول إبقاء تأثير ذلك التحالف عند مستوى السياسة الخارجية، وهو ما يُفسّر التردّد الحاصل وعدم الحسم في معركة النظام مع الإسلاميين، مع العلم أن هناك في أوساط النظام الموريتاني من يدعون إلى اجتثاث الإسلاميين وتصفية جميع مؤسساتهم الدعوية والإعلامية والسياسية.

تبدو الاستراتيجية الوحيدة المتاحة أمام النظام الموريتاني بخصوص الإسلاميين، هي تجنب المواجهة المباشرة والاكتفاء بمقايضة المكاسب السياسية 

آفاق الأزمة الرّاهنة

يحاول النظام الموريتاني منع تيار الإسلام السياسي من التوسع، وقطع الطريق أمام تجذّره الشعبي، لكن المؤشرات تدلّ على أن التيار في نمو متسارع، وأن قاعدته الشعبية تأتي ثانيًا بعد قاعدة النظام عدديًا. وبالتالي فإن أيّ مسعى للتخلص من التيار عبر الاجتثاث ستكون كُلفته الأمنية باهظة، ولا يخفى على أيّ متابع أن موريتانيا لا تتحمّل تبعات سيناريو الاجتثاث.

تبدو الإستراتيجية الوحيدة المتاحة أمام النظام الموريتاني، بحسب مراقبين، هي تجنب المواجهة المباشرة والاكتفاء بمقايضة المكاسب السياسية للتيار بدفعه إلى مزيد من المدنية، خاصة وأنّ ردود فعل الإسلاميين بقيت عند مستوى التنديد مفضّلين حسم القضايا الخلافية مع النظام في أروقة القضاء وعبر الوساطات، متجنبين عملية تسييسها. فهل يكون ذلك بداية لفصل الدعوي عن السياسي تأسّيّا بتجربة النهضة في تونس؟ وهل يقبل النظام الموريتاني صيغة الحل تلك؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

موريتانيا.. الراب في مواجهة النظام

استمرار اعتقال محمد ولد غده.. رسالة النظام الموريتاني لتهديد المعارضة