20-يوليو-2018

يعيد محمد بن سلمان السعودية إلى عصور الظلام (Getty)

 حظي ولي العهد السعودي، وصاحب السلطة الفعلية في المملكة، محمد بن سلمان، بدعاية خاصة من قبل إعلام العلاقات العامة الممول، في الوطن العربي أو في الغرب، باعتباره الرجل التنويري، الذي سينقل المملكة من عصور الظلام إلى عصور التحديث. لم يحدث أي من ذلك طبعًا، وعلى العكس، فإن الدلائل تشير إلى أن السعودية وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة من القمع والتضييق على الحريات. ويوضح عبد الله العوض، في هذا المقال المترجم عن صحيفة واشنطن بوست، كيف أن ولي العهد المثير للجدل، تخلى حتى عن الوعود بالديمقراطية، كما فعل أسلافه، في حين أنه يتباهى بإيجابيات السلطة المطلقة ومنافعها، ويعيد إنتاج المملكة ضمن زمن الإمبراطوريات القروسطية الذي لم تبتعد عنه كثيرًا منذ نشأتها.


 منذ تأسيس النظام الحالي في المملكة العربية السعودية في ثلاثينيات القرن الماضي، قدم مجموعة من الملوك وأولياء العهد وعودًا وحاولوا تنفيذ نوع ما من آليات الديمقراطية. ومع ذلك، يبدو أن ولي العهد الحالي، محمد بن سلمان، والذي يُعد زعيمًا للملكة، عازم على إعادة البلاد إلى قواعد ما قبل الحداثة التي شهدتها المملكة العربية السعودية. فلقد أيّد الملكية المُطلقة بمزيد من الشدة والحزم أكثر من كل أسلافه.

في حوار أجراه مع مجلة ذا أتلانتيك  صرح محمد بن سلمان قائلًا: "لا يمثل نظام الملكية المُطلقة أي تهديد على أي بلد"

وفي حوار أجراه مع مجلة ذا أتلانتيك the Atlantic، صرح محمد بن سلمان قائلًا: "لا يمثل نظام الملكية المُطلقة أي تهديد على أي بلد". وأضاف أنه "لولا الملكية المُطلقة، لما كانت الولايات المتحدة. ساعد نظام الملكية المطلقة في فرنسا على إنشاء الولايات المتحدة وذلك عن طريق تقديم الدعم لها. ولا يعد نظام الملكية المطلقة عدوًا للولايات المتحدة، بل يعد حليفًا لها لفترة طويلة جدًا".

فشل محمد بن سلمان في ملاحظة أن المستعمرات كانت تثور ضد نظام الملكية المطلقة أيضًا. وبموجب هذا الإعلان، تبنى محمد بن سلمان تمامًا وضع ما قبل الحداثة الذي تخلى عنه كل أسلافه تقريبًا، ومن بينهم جده، الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة. ومن خلال الحضِّ على نظام الملكية المُطلقة والتخلي حتى عن الوعود بالديمقراطية، أصبح نهج محمد بن سلمان نحو الملكية أقدم من النهج الذي سلكه جده.

اقرأ/ي أيضًا: تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهوّرة".. الحكاية من أولها

في عام 1924، عندما غزا الملك عبدالعزيز الحجاز، واحدة من أهم المناطق في شبه الجزيرة العربية حيث تقع مكة، وعد بمجلس منتخب وسياسات تشاركية قائمة على العقيدة الإسلامية متمثلة في التشاور والحرية المطلقة. وندد الملك عبدالعزيز بالانتخابات المزورة والبرلمان الصوري فضلًا عن عدم الوفاء بالوعود التي قُدمت للشعب. ففي المجلس المنتخب الذي اقترحه، يحق للأعضاء المنتخبين فحص ومراجعة الإجراء التنفيذي، والتصديق على الميزانية واقتراح التشريعات. وفي عام 1926، صاغ الملك عبدالعزيز وثيقة تشبه الدستور مثلت الإطار النظري لتحقيق درجة من المساءلة وتقاسم السلطة.

لم تتحقق هذا المبادرة نحو الدستورية في نهاية المطاف، لكن الأمل والإطار النظري للديمقراطية لا يزالان قائمان. في عهد الملك سعود، أول ملك بين أبناء عبدالعزيز، جرى تنفيذ المقترح المتعلق بتحويل النظام إلى نظام الملكية الدستورية. ونشر الأمير طلال بن عبدالعزيز كتاب "رسالة إلى مواطن" تضمن العناصر الأساسية لنظام الملكية الدستورية المُقترح الذي كان من المُقرر تطبيقه بحلول عام 1960. وينص هذا الدستور المُقترح، على حماية حقوق الإنسان والحريات العامة. كما يحمي أيضًا الحق في تأسيس الاتحادات والنقابات، وهو الحق الذي لم يحظ إطلاقًا بأي حماية أو دمج في أي تشريع لاحق للملكة العربية السعودية. وعندما جرى تنصيب الملك فيصل رسميًا في عام 1964، جرى إلغاء المشروع الدستوري.

في عام 1975، أكّد الأمير فهد، ولي العهد حينها، على الأساس الديمقراطي للإسلام، وعندما أصبح ملكًا في عام 1982، وعد بإقامة مجلس يشبه البرلمان وإقامة انتخابات شعبية. ولم يحدث ذلك أبدًا. وجدد عبدالله، شقيق الملك فهد، الذي كان وليًا للعهد آنذاك، وعود الديمقراطية والملكية الدستورية في عام 2003، بعد أن وقّع عدد من المفكرين والنشطاء من جميع الأطراف المتواجدة في الساحة السياسية عريضة موجهة إليه بعنوان "رؤية لحاضر الوطن ومستقبله". طالبت العريضة بالانتخابات وفصل السلطات وضمان حقوق الإنسان ووضع حد للاعتقالات التعسفية في المملكة. وعندما التقى ممثلو المجموعة مع ولي العهد، عبدالله، علّق على عريضتهم قائلًا، "رؤيتكم رؤيتي، ومشروعكم مشروعي".

وتلتها العديد من العرائض الأخرى. وقدّم العالم  سلمان الوضاح (الذي زُجّ به في السجن منذ أيلول/ سبتمبر الماضي) وبعض أصدقائه، العريضة الأكثر شعبية وهي "نحو دولة الحقوق والمؤسسات"، ووقع عليها آلاف المواطنين، بما فيهم أنا فضلًا عن العديد من أفراد أسرتي. وشكلت العريضة ذروة النشاط الشعبي في المملكة العربية السعودية من أجل الملكية الدستورية والديمقراطية في المملكة العربية السعودية. ومن المحتمل أن الظاهرة، التي يُشار إليها عادة باسم الربيع العربي، شكّلت عاملًا محفزًا لشعبية العريضة. لكن في هذه المرة، لم يقدم الملك عبدالله، الذي تولى العرش، أي وعد بالديمقراطية.

 لم يعِد محمد بن سلمان، البالغ من العمر اثنين وثلاثين عامًا، بأي شيء سوى بفترة طويلة من الحكم في ظل نظام الملكية المُطلقة 

 لم يعِد محمد بن سلمان، البالغ من العمر اثنين وثلاثين عامًا، بأي شيء سوى بفترة طويلة من الحكم في ظل نظام الملكية المُطلقة وقبضة أقوى على السلطة. وفي حين أنه وعد ساخرًا بمستقبل اقتصادي مشرق مجسدًا في مبادرة مدينة القرن الحادي والعشرين، مدينة نيوم Neom، فقد وعد أيضًا بالانحسار الديني، عائدًا إلى الظروف التي أدت إلى أكثر الهجمات الإرهابية شهرة في عام 1979.

اقرأ/ي أيضًا: حزمة أوامر العاهل السعودي.. خطة محمد بن سلمان للسيطرة على كل شيء

لم يكن الملوك وأولياء العهد السابقين متحمسين لتبني الديمقراطية، وربما أنهم لم يتحركوا بصدق نحوها، لكن مناورتهم بقبول الديمقراطية باعتبارها غاية نهائية سمحت بحدوث بعض التفاعلات الإيجابية بين الشعب والملوك. فمن خلال مثل هذه التفاعلات، كانت هناك دائمًا فرصة عظيمة لإبرام عقد اجتماعي هادف بين الشعب والعائلة المالكة من أجل تأسيس مستقبل أكثر استقرارًا وديمقراطية.

يبرز تغير الطريقة التي يفكر بها محمد بن سلمان فيما يتعلق بتبني السلطة المطلقة الأبدية، تحولًا كبيرًا فيما يتعلق بوعود الديمقراطية في الماضي، والتي بعثت بعض الأمل في المستقبل، حتى على الرغم من عدم تحقيق أي منها على الإطلاق. وقد نالت الإدارة السعودية الجديدة صدى إيجابيًا  بفضل خطاباتها المستقبلية والمتطورة، بما فيها الحديث عن المدينة المأهولة بالروبوتات، والسماح للنساء بقيادة السيارات. لكن لا تنخدع،  فنحن نشهد عودة إلى ماضي المملكة العربية السعودية. وبتخلي  ولي العهد عن الوعد بالديمقراطية، ربما يكون بالفعل في طريقه لإعادة المملكة العربية السعودية إلى القرون الوسطى بشكلٍ أكبر من أي وقت مضى.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"التدخل السافر".. سياسة بن سلمان لجر السعودية نحو الهاوية

اعتقالات بالجملة في السعودية.. هل يشعل طيش ابن سلمان حراك "15 سبتمبر"؟