30-أكتوبر-2018

غرافيتي لشكسبير

ما الردّ الذي كان يمكن أن يحصل عليه شكسبير، أو بروست، أو أيّ من الكتاب العظماء، لو كان يعيش بيننا؟ ويتعامل مع ناشري زماننا؟

ما الجواب المحتمل أن يحصل عليه شكسبير لو كان يعيش في زماننا وأرسل أحد كتبه إلى دار نشر؟

هذه الفكرة قادت الكاتب والصحفي الإيطالي ريكاردو بوزي إلى تأليف عمله المتخيّل الطريف والذكي "عزيزي الكاتب" (دار نينوى للدراسات والنشر)، ترجمه إلى العربية الشاعر اللبنانيّ محمد ناصر الدين. الكتاب الصادر عن "دار هيليوم آكت سود"، نهاية السنة المنصرمة، يضمُّ بين طيَّاته عددًا من رسائل رفض الناشرين، الافتراضية، للأعمال الأدبية العظيمة والتاريخية.

اقرأ/ي أيضًا: سارة بوكسر: هاملت.. أمير الخنازير

صِيغت الرسائل داخل الكتاب بحيث تتجاوز كونها مجرّد رسائل عادية، مكتوبة وفقًا لشروط وقواعد الجهة المُرسِلة، أي قواعد الناشرين التقليدية. إنّها رسائل، من حيث المظهر وشكل الكتابة، تفيضُ بالكليشيهات الجاهزة، ووصفات التسويق المعروفة والمبتذلة، وردَّات الفعل المتوقّعة أيضًا. لكنّها، باطنيًا، تُزيح كلّ ما ذُكر جانبًا، مُفسحةً المجال لأفكار ورسائل ومفاهيم يُحاول ريكاردو بوزي استنطاقها، وإيصالها للقارئ بأسلوبٍ يميلُ إلى السخرية والفكاهة، ويبعث على الابتسام، وعبر هذا الأسلوب نفسه، يجد القارئ بين الفينة والأخرى نقدًا مبطَّنًا لمنطق العولمة، ذلك الذي بات مُتحكِّمًا بمفاصل حياة البشر اليومية، دون أن يكون مكتفيًا بالوقوف عند هذا الحد.

ما يشدُ الانتباه في كتاب ريكاردو بوزي هذا، هو أنّ الرسائل المُتخيَّلة ليست مُرسلة إلى شخصياتٍ أدبية مُتخيلة بدورِها. بل وعلى العكس تمامًا، اختار بوزي أن تكون هذه الشخصيات غير افتراضية إطلاقًا؛ شخصيات واقعية بتجارب عدّة وخبرات ملموسة ومُعاشة قبلًا. وأيضًا، لها حضور أدبي عالمي وواسع، وشهرة تجاوزت الحدود، وحواجز اللغات. شخصيات مثل هوميروس، والمسرحي الإيرلنديّ صمويل بيكيت، والإنجليزيّ وليم شكسبير، والبلجيكيّ جورج سيمنون، وفرجينيا وولف، والفرنسيّ مرسيل بروست، وشارل شولتز، وسيغموند فرويد، وغيره.

[[{"fid":"103879","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"عزيزي الكاتب","field_file_image_title_text[und][0][value]":"عزيزي الكاتب"},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"عزيزي الكاتب","field_file_image_title_text[und][0][value]":"عزيزي الكاتب"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"عزيزي الكاتب","title":"عزيزي الكاتب","height":307,"width":200,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

هكذا، يصير السؤال الذي لا ينفكّ يطارد القارئ، قبل أن يتوغّل عميقًا في صفحات الكتاب شيئًا فشيئًا: كيف تعامل هوميروس، مؤلّف الملحمتين الشهيرتين، مع رسالة الرفض التي وصلته من الناشر؟ أو هل تمكّن بروست من النوم بعد أن تلقّى رسالة الرفض؟ كيف عبّر هؤلاء الأدباء، مجتمعين معًا، على غضبهم من رسائل رفض الناشرين؟ ما هو مقدار ما اختبروه من خيبة وانكسار وحزن؟ وغيرها من الأسئلة التي تُطرحٍ بين سطرٍ وآخر في الكتاب، إن كان ذلك بشكلٍ مُباشر أو موارب. ومن شأن هذه الأسئلة أيضًا أن تفتح باب المُخيِّلة عند القارئ على مصراعيه، فيتحوّل القارئ هنا، من قارئ للكتاب، إلى شريكٍ في تأليفه وإنجازه، مُكمِّلًا القطعة المفقودة منه، أو ما تُرك مفقودًا عمدًا، ليكمّله القارئ بسيناريوهاتٍ متعدّدة يقلّبها في مخيِّلته وفقًا لمزاجه الشخصيّ، وتوقعاته المختلفة. وبناءً على ذلك، يتحوّل الكتاب إلى مساحة واسعة ورحبة للخيال، وترويضه في ذهن القرّاء.

ماذا لو أنّ الناشر اقترح على صموئيل بيكيت أن تكون نهاية أحد أعماله شبيهةً بالنهايات التي تُباع في أكشاك الصحف؟

اقرأ/ي أيضًا: رسائل أوستر وكوتزي.. طعم الصداقة الإلكترونية

الكتاب، وكما جاء على لسان من ترجمه إلى اللغة العربية، محمد ناصر الدين، يطرح أسئلة متعدّدة، لها علاقة مباشرة، ومرتبطة ارتباطًا شديدًا، بين حال الأدب اليوم، وما كان علبه قبلًا. هذه الأسئلة تأتي على شكل: ماذا لو كان الشاعر الإغريقيّ هوميروس يعيش في عالمنا، وأرسل بملحَمَتيه إلى المؤسّسة التي تتكفّل بطباعة وتسويق أعمال الروائي الأمريكيّ دان بروان؟ هل كانت "الإلياذة" أو "الأوديسة" ستوضعان على واجهات متاجر الكتب الشهيرة؟ وقائمة الأكثر مبيعًا؟ ماذا لو أنّ الناشر اقترح على صموئيل بيكيت أن تكون نهاية أحد أعماله شبيهةً بالنهايات التي تُباع في أكشاك الصحف في المطارات وغيرها، من أدبٍ لا يستفزُّ ذكاء القارئ، وتجيء النهاية مُحكمةً بسيناريوهات يمكن التنبؤ مسبقًا بنهايتها منذ أوّل كلمة من الفصل الأول؟ الأمر ذاته ينطبق على كافكا وغوستاف فلوبير وعددًا من الأدباء.


من الكتاب

الالياذة

عزيزي هوميروس

ليتك تسدي لي خدمة. ادخل الى أي متجر لبيع الكتب، واقعيًا كان أو افتراضيًا، وتوجه الى جناح السياسة. ستجد كمًّا هائلًا من الكتب تتناول الحروب التي تمزق الشرق الأوسط. لن تعوزك الفطنة لتلتفت إلى أن هذه الكتب توثق بأفضل المستندات وبدقة عظيمة لهذه النزاعات الصعبة، لكن ليس بواسطة قصيدة ملحمية. لا بد من وجود سبب لهذا الأمر. وبينما أنت في المكتبة، يمكنك أيضًا زيارة جناح الكتب العملية والبحث عن كتاب لكبح الغضب. سيكون بالتأكيد مفيدًا لبطلك آخيل (أظن أن عليه أيضًا خفض جرعات المخدر، نظرًا للطريقة المشينة التي يعامل بها هكتور، والحنان المفرط الذي يقابل به بريام، وهو والد هكتور ذاته. كل هذا بتأثير الكوكايين). ملاحظة: إن اسمكم ظريف، ومعروف جدًا في الـ simpson، من أنت بالحقيقة؟

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

من أين أبدأ مع هاروكي موراكامي؟

تشارلز ديكنز.. من أين نبدأ؟