15-أبريل-2018

لم تستهدف أي من الأطراف الدولية حتى اليوم إسقاط الأسد فعليًا (رويترز)

فجر الـ14 من نيسان/أبريل، استهدفت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بـ110 صواريخ، عدة مواقع عسكرية تابعة للنظام السوري، قالت الدول المهاجمة إنها مواقع مرتبطة بالأسلحة الكيميائية لنظام الأسد. وقد جاءت الضربة، رسميًا، ردًا على الهجوم الكيميائي الذي نفذته قوات الأسد على مدينة دوما بالغوطة الشرقية، قبلها بأيام قليلة.

تشير استطلاعات الرأي البريطانية إلى أن ربع البريطانيين فقط يؤيدون قرار المشاركة في الضربة الصاروخية ضد النظام السوري

صراع العروش

رسميًا، تقول واشنطن ولندن وباريس، إن الضربة الصاروخية جاءت ردًا على الهجوم الكيميائي الذي نفذته قوات الأسد على دوما، ومن أجل "تأسيس رادع قوي ضد تصنيع الأسلحة الكيميائية وانتشارها واستخدامها".

اقرأ/ي أيضًا: ضربة حفظ ماء وجه ترامب وماي.. لماذا تسكت موسكو على قصف مواقع الأسد؟ 

وكان "عجز روسيا عن الوفاء بوعودها" الخاصة بلجم الأسد عن استخدام السلاح الكيميائي؛ من بين الأسباب المعلنة للضربة الصاروخية الغربية، التي صباح اليوم التالي لها، ظهر بشار الأسد متأنقًا، وهو يدخل القصر الرئاسي بدمشق، وممسكًا بيده حقيبة سوداء، فيما بدت إشارة إلى أنه يمارس مهامه بصورة طبيعية. 

وكالعادة، استثمر الأسد في الهجوم الذي لم يكن من بين أهدافه "تغيير النظام"، كما جاء على لسان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، في المؤتمر الصحفي الذي تلا الضربة الصاروخية، إذ قالتها صراحة: "أقدمنا على هذا العمل العسكري مع حلفائنا لاستهداف الأسلحة الكيميائية للنظام"، مضيفةً: "وضرباتنا مع حلفائنا ذات طبيعة محددة، ولمدة معينة، ولا تستهدف تغيير النظام. وقرار الضربات يصب في مصلحتنا القومية". ثم عادت وأكدت: "الضربة ليس لها علاقة بالحرب الأهلية، ولا نتدخل لتغيير النظام السوري".

وقد بدا أن استخدام ماي لتعبير "المصلحة القومية"، إشارةً منها إلى أنّ من بين ما أرادت بريطانيا إيصاله بمشاركتها في الهجوم الصاروخي على مواقع النظام السوري، هو الرد على محاولة الاغتيال بالتسميم الكيميائي، للجاسوس الروسي سيرغي سكريبال، في لندن، والتي تتهم بريطانيا روسيا بالضلوع فيها.

ومع هشاشة الوضع السياسي لماي، وجدت رئيسة وزراء ما بعد البريكست، نفسها تحت ضغط كبير للرد على ما يُعد اختراقًا سياسيًا وأمنيًا روسي لبريطانيا. لكن مع ذلك، تشير استطلاعات الرأي البريطانية، إلى أن ربع البريطانيين فقط يؤيديون قرار ماي بضرب الأهداف العسكرية السورية. وقد زاد ذلك الأمر سوءًا على ماي! 

ويبدو أن ماي استفادت من توقيت الضربة الصاروخية ضد مواقع النظام السوري، والذي تصادف أنها جاءت قبل يومين من عودة المشرعين البريطانيين من عطلتهم. وصحيح أنها ليست مرغمة على التشاور مع البرلمان قبل المشاركة في هذه الضربة، إلا أنها لو فعلت لكانت على الأرجح قد فقدت الإجماع على الضربة بسهولة.

وبعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهي أزمة لا تزال ماي تعاني آثارها للآن سياسيًا. يبدو في عمق الدوافع البريطانية للمشاركة في الضربة الصاروخية، الإشارة لأنها حليف مهم ومؤثر للولايات المتحدة، في وقت يضمحل فيه نفوذها الدولي. كما أنها، وفقًا لنيويورك تايمز الأمريكية، قد تأمل من وراء هذه المشاركة، تعزيز العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، بعد أن تغلق مزايا السوق الأوروبية في وجهها بإتمام الخروج من الاتحاد الأوروبي.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فلا يبدو أن من بين أهدافها من وراء الضربة، الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا. فقد صرح رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، جوزيف دانفورد، في مؤتمر صحفي مع وزير الدفاع الأمريكي جيمس باتيس، بأنه كان ثمة تنسيق مع موسكو بخصوص الضربة الصاروخية من أجل "تجنب وقوع مواجهات بين روسيا والدول الثلاث التي شنت الغارات".

يبدو أن الولايات المتحدة تحاول إقامة توازنٍ ما للهيمنة الروسية في دمشق، محاولةً أن تعيد مسار مباحثات أستانا مرة أخرى إلى مسار مباحثات جنيف، وأن تكون واشنطن على المقود، بينما تجلس روسيا وحلفاؤها في الخلف. لذلك تبدو القصة في مجملها محاولة لإعادة توزيع نفوذ أنظمة استعمارية في الداخل السوري، بعيدًا عن "سوريا المفيدة" في نسختها الروسية، التي تنطلق من قاعدة حميميم.

لا يُرجح أن الضربة الصاروخية الغربية أثرت عميقًا في القدرة العسكرية للأسد، ولا حتى المتمثلة في مخزونه من الأسلحة الكيميائية

وبالنسبة لفرنسا، فإن هذه الخطوة، أي المشاركة في الضربة الصاروخية، لها تأثير في مساعي إيمانويل ماكرون لتعزيز موقف بلاده كوسيط بين روسيا والقوى الغربية، فقبيل ساعات من بدء الهجمات الصاروخية، كان ماكرون على اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. ووفقًا لتقارير صحفية، فقد أكد ماكرون ومساعدوه اعتزامهم المضي قدمًا في خطة زيارة موسكو نهاية أيار/مايو المقبل.

اقرأ/ي أيضًا: الغارديان: التعويل على الغرب لوقف جرائم الأسد ضربٌ من العبث!

يحاول ماكرون على ما يبدو، موضعة فرنسا في المشهد الدولي، باعتبارها منفذًا للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، بما في ذلك اتفاقية الأسلحة الكيميائية التي وقعتها 192 دولة، خاصة بعد الإهانة العلنية غير الهينة من طرف دونالد ترامب لفرنسا ماكرون بشأن الانسحاب من اتفاقية المناخ، إلى جانب الاحتفاء بمارين لوبان. مع ذلك، يطرح سؤال نفسه، هو: هل قيدت هذه الضربات، قوة الأسد في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه؟

فرح الأسد بتغذية اسطوانة "الممانعة"

كما لم تكن الضربة الغربية، الأولى للولايات المتحدة ضد النظام السوري، لم يكن استخدام نظام الأسد السلاح الكيميائي ضد شعبه في دوما، هو الأول. ويصعب التأكيد فيما إذا سيكون الأخير، خاصة أنه لا يمكن الجزم بأنّ الضربات الصاروخية قد دمرت القدرة العسكرية الكيماوية لنظام الأسد، أو قضت بالكلية على الأسلحة الكيميائية. فقد سبق وقيل إنه تم القضاء على الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد باتفاق دولي، لكنها عادت للظهور في خان شيخون، والآن في دوما.

من جهته، استثمر النظام السوري وحلفاؤه كالعادة، في الضربة الصاروخية الغربية، لتظهره وكأنه جدار للممانعة ضد القوى الغربية الاستعمارية، وما إلى ذلك مما اعتاد نظام الأسد وحلفاؤه استخدامه من تعبيرات. في حين استدعى إعلام النظام السوري تعبير "العدوان الثلاثي" من التاريخ العربي الحديث، بما يحمله من دلالات سياسية وأيديولوجية شعبوية، ليستخدمه في وصف الضربات الصاروخية الأمريكية البريطانية الفرنسية ضد مواقع تابعة له.

وفي حين يعطي استخدام هذا التعبير إيحاءً آخر بالممانعة والمقاومة، يتنافى ذلك الإيحاء مع واقع سوريا، ونظام الأسد فيها، الذي يعيش بدور الموظف تحت إمرة القادة الروس والإيرانيين. 

يمكن القول أن سوريا باتت بلدًا مقسمًا بين قوى إقليمية ودولية، بالمعنى الحرفي للسيطرة العسكرية على الأرض. هناك جنود وقواعد روسية، وإيرانيون، وقواعد أمريكية، وهجمات مستمرة لإسرائيل، وسيطرة تركية فعلية، ومئات الفصائل المسلحة، فلا يبدو منطقيًا أن ثمة مجال للحديث عن "عدوان" أو مقاومة لعدوان، في ظل حالة مماثلة.

في النهاية، يخدم الحظ الدكتاتور السوري، فروسيا في الداخل بنفوذها، تمنع دمشق معقل سوريا المفيدة، والنظام برمته، من السقوط، بينما الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون في الخارج، يتصرفون وفقًا لأجندات تتحرك تبعًا لبوصلة الهيمنة وإثبات الوجود، وفي سياقات لا يمكن إقصاؤها عن الداخل الأمريكي والأوروبي، وما يتضمنان من مشكلات.

 لا يبدو أن الضربات الصاروخية الغربية، ذات صلة بردع حقيقي للهجوم الكيميائي الذي نفذه الأسد على دوما ولا بضحاياه المدنيين

في حين تتجنب هذه القوى مواجهة مباشرة مع حلفاء الأسد وجرائمه المستمرة، إذ إن الهجوم الكيميائي على دوما أتى بأكله، وانسحب جيش الإسلام، وأكمل النظام السوري سيطرته تقريبًا على كامل الغوطة الشرقية. ربما تكون بعض مواقعه العسكرية قد تضررت، لكن يُذكر هنا أنه قام بإخلاء العديد من مواقعه العسكرية من عتادها قبيل الضربة الصاروخية، التي يبدو أنها في النهاية كانت لأغراض ليس لها علاقة وثيقة بالهجوم الكيميائي على دوما وضحاياه المدنيين.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

استعراضات ترامب في سماء سوريا.. رسائل التنصل من الاشتباك!

كيف مولت الأمم المتحدة بشار الأسد؟