15-فبراير-2017

من حلقة شربل خليل الأخيرة على شاشة الجديد

هدأت زوبعة "الجديد" في مواجهة مناصري حركة "أمل". أو العكس. عاد المعترضون أدراجهم سيرًا على الأقدام إلى بربور والبربير وغيرهما من الأحياء البيروتية القريبة، أو على الدراجات النارية نحو الضاحية أو في الفانات والسيارات باتجاه مناطق ومدن أبعد. وعلى الشاشات مدّ توالي الأحداث بسرعة وسائل الإعلام بأخبار أخرى. أخبار "أكثر حماوة" في بلد كل ما فيه يغلي وإن بدا بطيئًا في تحرّكه ونضوجه كملف "قانون الانتخاب".

رغم الصيت التاريخي للحريات في لبنان إلا أن على  وسائل الإعلام مراعاة "التابوات"المكرسة وهذا ما يثبته إعلام "المزرعة اللبنانية"

لكن ماذا عن ما حصل، والذي سيُطوى بفعل الحفاظ على "خطوط الرجعة" وثقوب الذاكرة التي من كثر ما تزدحم تُفرغ نفسها بنفسها تلقائيًا. مع ذلك فلنعد شريط الأحداث إلى أوّله، بدءًا من تطويق قناة "الجديد" والاعتداء عليها وعلى القوى الأمنية التي تحمي المبنى بالحجارة، مرورًا بتداعي "المعترضين" من العاصمة بيروت وضواحيها وإشارة مواقع التواصل الإجتماعي إلى "زحف" سيارات "الغاضبين" من البقاع والجنوب، وصولًا إلى بثّ القناة مقطعًا ضمن برنامج ساخر قيل إنه أساء إلى رئيس المجلس الشيعي الأعلى الإمام المغيّب موسى الصدر.

اقرأ/ي أيضًا: نشرات أخبار "الجديد" اللبنانية.. السقوط المدّوي؟

ولنعد تذكّر "صيغة" العيش المشترك "الواقعية" في لبنان: الشارع للأقوى، ويضحك أولًا وأخيرًا من يملك السلاح ويضعه فوق الطاولة أو تحتها (لا فرق).. المهم أنه يملك السلاح بدءًا من خرطوش المسدس وصولًا إلى الصواريخ العابرة للحدود ليس جنوبًا فحسب بل شرقًا أيضًا. وعلى هذا الأساس، تُرسم الخطوط الحمر وفق المعادلات النظرية والتطبيقية لـ "التعايش" بين اللبنانيين، والإعلام لن يكون بمنأى عن الواقع السياسي والأمني. ورغم "الصيت" التاريخي للحريات، على كل وسائل الإعلام مراعاة "التابوات" وعدم مساس ما كُرّس كرمز أو استحدث كحالة استثنائية منزّهة ولا تُمسّ.

ما تقدّم، لا يعدو كونه تذكير بسيط، فهل يُسوّغ ما قام به مناصرو "حركة أمل" (قيل إن التحرك عفوي من محبي الصدر) إزاء "سكتش" ساخر في برنامج "دمى كراسي"، الذي تناول على طريقته مسألة تغييب الإمام الصدر؟. نُعيد رسم المشهد: البرنامج ومخرجه شربل خليل، معروفان بعنصريتهما وحرصهما الدائم على تجاوز المحظور سواء عُرفيًا أم أخلاقيًا. فلا النازحون السوريون أو اللاجئون الفلسطينيون سلموا من التعليقات الحاقدة والسّامة ولا الساسة على اختلاف صفوفهم خرجوا عن قاعدة "سخرية" خليل. فلولا استفزازاته لما عُرف كمخرج أو ذاع لأعماله صيت أصلًا، خصوصًا وأن ما يُفترض به إضحاك المشاهدين ضمن برامجه هو لسُخفه، مثيرٌ للشفقة ولعنصريته، مثيرٌ للغثيان.

بالصورة الأكبر، "الجديد" هي وسط الاصطفافات السياسية في لبنان الشاشة الأكثر استفزازًا. وهي في "ضربها تارةً على الحافر وتارةً على المسمار" مع حفاظها على خط "ممانع" دائم، يُمجّد قتلة الشعب السوري ويدّعي في الآن عينه الحرص على فلسطين، تجد لنفسها معادين من هنا ومن هناك. دون أن تتحوّل المعاداة بالضرورة إلى اعتداء، الأمر الذي توقف عنده ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ذكروا أن "أنصار تحالف 14 آذار، ورغم الحرب المفتوحة على هذا النهج منذ سنوات من قبل المحطة، لم يقدِموا يوماً على أي اعتداء لا عليها ولا على غيرها".

"الجديد" هي  الشاشة الأكثر استفزازًا في لبنان وهي تراوح في المواقف مع حفاظها على خط "ممانع" يُمجّد قتلة الشعب السوري

في المقلب الآخر، لحركة "أمل" مناصرون تحرص القيادة على اعتبارهم خارج التنظيم لعدم قدرتها (أو إرادتها) على ضبطهم أو تبني تحركهم. هؤلاء يوصفون بـ"الزعران" ويفتعلون المشاكل إذا ظلّت الأجواء هادئة أكثر من المعتاد. وبحكم تجمعهم المنظم ولو خارج "التنظيم" فهم حاضرون دوماً للنزول على الأرض. ويتداعون سريعاً عند أي إشكال. عبر الهاتف والواتساب ومؤخراً التجييش على مواقع التواصل الاجتماعي. تماماً كما حصل عند الاعتداء على مبنى قناة "الجديد"، حيث جاؤوا بعتادهم من صور وأعلام لـ "ردع" القناة عن ما اعتبروه "تماديًا" وتجاوزًا للحدود ومسًّا هذه المرّة بالقائد المؤسس لـ"حركة المحرومين". وكما فعلوا قبل أشهر في إشكالهم مع متظاهري الحراك المدني تحت عنوان "إلا نبيه بري". 

والتحرك الذي تمّ على وقع شعارات "لبيك يا موسى الصدر"، تخلّلته محاولة اقتحام القناة وتهشيم زجاجها بسبب رشقها بالحجارة، كما واكبته اتصالات سياسية عملت على تفريق الحشود وحماية "الجديد"، التي كان شهد مدخلها محاولة إحراق قبل نحو خمسة أعوام. مع أهمية الإشارة إلى حجب قناة "الجديد" عن عدة أحياء في الضاحية كردة فعل على التطورات، وهو أمر ليس بجديد على منطقة يعزلها عرّابوها عن الصوت الآخر، الذي كان أقصى قناة "المستقبل" التابعة لتيار الحريري عن شاشات الضاحية منذ ما يزيد عن عقد من الزمن.

بين شعار الحريات في بلد التعددية، وبين واقع المهادنة والاستفزاز في دولة الأحزاب والطوائف، على من يقع اللوم في ما تقدّم: على الفعل أم على ردة الفعل؟.. رجال السياسة سارعوا إلى استنكار الاعتداء على "الجديد"، كما نجح التواصل مع قيادة حركة "أمل" في تفريق الغاضبين. وحده رئيس المجلس الوطني للإعلام عبدالهادي محفوظ وجد للمعتدين توصيفاً وتبريراً بعبارة "غضب شعبي".

اقرأ/ي أيضًا:

سقوط الـ"otv" اللبنانية: إذلال مواطن في مقلب تافه

"نقشت".. حفلة تسليع للمرأة اللبنانية