02-أكتوبر-2016

لانغستن هيوز (1902- 1967)

هنا ترجمة إحدى قصص الكاتب والشاعر والمسرحي الأمريكي لانغستن هيوز (1902-1967)


كانت امرأة ضخمة، وتحمل حقيبة يدوية كبيرة تحوي كل شيء ما عدا المطرقة والمسامير. كان للحقيبة حزام طويل يتدلّى من فوق كتف المرأة. كانت حوالي الحادية عشرة ليلًا، وكانت تمشي وحيدةً عندما ركض خلفها صبيٌّ وحاول اختطاف حقيبتها. انقطع الحزام عندما سحبه الصبيّ من الخلف. لكنّ وزنَ الصبيّ ووزنَ الحقيبة معًا جعلاه يفقد اعتداله، فبدلًا من أن يأخذ الحقيبة بسرعة كما كان يأمل، سقط على ظهره فوق الرصيف وارتفعت قدماه للأعلى. 

استدارت المرأة الضخمة ببساطة وركلته مباشرة على مؤخرته التي يغطيها بنطاله الجينز الأزرق، ثم انحنت وسحبت الصبي من مقدمة قميصه وهزّته حتى اصطكت أسنانه. 

بعد ذلك قالت المرأة: "التقط حقيبتي أيها الصبي وأعطِنيها".
ظلّت ممسكة به، لكنها انحنت لتسمح له بالتقاط حقيبتها. ثم قالت: "ألا تخجل من نفسك؟".
قال الصبيّ الممسوك بشدّة من مقدمة قميصه: "بلى يا سيدتي".
قالت المرأة: "ماذا كنت تريد أن تصنع بها؟".
قال الصبيّ: "لم أقصد فعل شيء".
قالت: "أيها الكذّاب!".
مرّ في تلك الأثناء شخصان أو ثلاثة، توقفوا والتفتوا ناظرين، ووقف بعضهم يتفرّج.

سألته المرأة: "إن أفلتك فهل ستهرب؟"
قال الصبيّ: "نعم يا سيدتي".
قالت المرأة: "إذن لن أفلتك". ولم تُطلق سراحه.
همس الصبيّ: "سيدتي، أنا آسف".
"أممم، وجهك متّسخ. إنني عازمة على غسل وجهك. أليس هناك في البيت من يقول لك اغسل وجهك؟"
قال الصبيّ: "نعم يا سيدتي".
"إذن سنغسله هذا المساء"، قالت المرأة الضخمة وهي تهمّ بالمشي ساحبةً وراءها الصبيّ المذعور. 
بدا في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة. كان هزيلًا وهشًّا، يرتدي حذاء تنس وبنطال جينز أزرق.
قالت المرأة: "ينبغي أن تكون ابني، سأعلّمك الصحيح من الخطأ. على الأقل سأقوم بفعل جيّد الآن بأن أجعلك تغسل وجهك، هل أنت جائع؟".
قال الصبيّ المسحوب: "كلا يا سيدتي، أريد فقط أن تطلقي سراحي".
سألت المرأة: "هل أزعجتك عندما كنت أمشي في تلك الناحية؟".
"كلا يا سيدتي".
قالت المرأة: "لكنك جعلت نفسك في مواجهتي، إن كنت تعتقد أن المواجهة لن تستمر كثيرًا فيجدر بك أن تفكر ثانيةً. عندما أنتهي منك يا سيدي ستتذكّر السيدة لُويلا بيْتس واشِنغتن جونز".

أخذ العرق يتصبّب من وجه الصبيّ وبدأ يتقدّم بصعوبة. توقّفت السيدة جونز، هزّته أمامها هزًّا عنيفًا، ووضعت ذراعها حول رقبته وواصلت جرَّه في الشارع. عندما وصلت إلى باب المنزل، سحبت الصبي إلى ردهة في الداخل، ثم إلى غرفة كبيرة مجهّزة بمطبخ صغير في الجزء الخلفي من المنزل. أشعلت الضوء وتركت الباب مفتوحًا. استطاع الصبيّ أن يسمع مستأجري غرف آخرين يضحكون ويتحادثون في المنزل الكبير. كانت أبواب بعض الغرف مفتوحة أيضًا، فعرف أنه والمرأة ليسا وحدهما. ظلّت المرأة ممسكةً بِخِناقه في وسط الغرفة.

قالت: "ما اسمك؟"
أجاب الصبيّ: "روجر".
"إذن يا روجر، اذهب إلى تلك المغسلة واغسل وجهك". قالت المرأة وعندئذ أفلتته أخيرًا. نظر روجر نحو الباب، ثم نحو المرأة، ثم نحو الباب وذهب إلى المغسلة.
قالت المرأة: "اترك الماء يتدفّق حتى يصير دافئًا، هاكَ منشفة نظيفة".
سأل الصبيّ وهو ينحني على المغسلة: "هل ستأخذينني إلى السجن؟".
قالت المرأة: "ليس بهيئتك هذه، لن آخذك إلى أي مكان. كنت أحاول الوصول إلى منزلي وأُعدّ لقمةً آكلها وأتيت أنت واختطفت حافظتي! لعلّك لم تتناول عشاءك أيضًا، أصبح الوقت متأخرًا، هل تناولت عشاءك؟".
قال الصبيّ: "لا أحد في البيت".
قالت المرأة: "سنأكل إذن، أظن أنك جائع أو كنت جائعًا حتى تحاول اختطاف حافظتي".
قال الصبيّ: "كنت أريد حذاءً سويديًّا أزرق".
قالت السيدة لُويلا بيْتس واشِنغتن جونز: "حسنٌ، ما كان ينبغي أن تختطف حافظتي لتحصل على حذاء سويدي أزرق، كان يمكنك أن تسألني".
"سيدتي؟"، نظر إليها الصبيّ والماء يقطر من وجهه. كانت هناك فترة توقّف طويلة، فترة طويلة جدًّا. بعد أن جفّف وجهه ولم يعرف أيّ شيء آخر يفعله جفّف وجهه ثانية ثم التفت متعجّبًا ممَّا سيحدث لاحقًا. فُتِح الباب. كان يمكنه الاندفاع إلى الردهة. كان يمكنه أن يركض ويركض ويركض ويركض ويركض!

كانت المرأة جالسة على الأريكة. قالت بعد حين: "كنت صغيرة ذات يوم وأردت أشياء لم يمكنني الحصول عليها".
كانت هناك فترة توقّف طويلة أخرى. فتح الصبيّ فمه، ثم قطّب وجهه، لكنه لم يكن يعرف أنه قطّب وجهه. قالت المرأة: "اممم! ظننتَ أنني كنت سأقول: ولكن، أليس كذلك؟ اعتقدتَ أنني كنت سأقول: لكنني لم أختطف حافظات نقود الناس. حسنٌ، لم أكن لأقول ذلك". توقُّف. صمت. 

"لقد أتيتُ أفعالًا أنا أيضًا لن أخبرك بها يا بُنيّ، ولن أُخبر بها حتى الرَّبّ إن كان لا يعرف عنها بعد. استرِح حتى أعدّ شيئًا نأكله. يمكنك أن تُمرّر ذلك المشط على شعرك حتى تبدو حسن المظهر". كان هناك موقد غاز صغير وثلاجة صغيرة خلف ستارة في زاوية أخرى من الغرفة. نهضت السيدة جونز واتجهت إلى خلف الستارة. لم تراقب المرأةُ الصبيّ لترى إن كان سيهرب في تلك اللحظة، كما لم تراقب حافظتها التي تركتها على الأريكة. لكن الصبيّ حرص على الجلوس عند أبعد مكان في الغرفة حيث اعتقد أنه يمكنها رؤيته بسهولة من زاوية عينها لو شاءت. لم يكن واثقًا من ثقة المرأة به، ولم يكن يرغب أن لا يُوثَق به.

سأل الصبيّ: "هل تريدين أن أذهب إلى المتجر، ربما لجلب حليب أو أيّ شيء آخر؟".
قالت المرأة: "لا أعتقد ذلك. إلا إن كنت تريد حليبًا حُلوًا. كنت سأصنع شراب الكاكاو من هذا الحليب المعلّب".
قال الصبيّ: "لا بأس في ذلك".

سخّنت بعض الفاصولياء ولحم الخنزير الذي لديها في الثلاجة الصغيرة، وصنعت شراب الكاكاو، وأعدّت المائدة. لم تسأل المرأةُ الصبيّ عن سكنه أو عائلته أو أيّ شيء آخر قد يسبّب له حرجًا. بدلًا من ذلك، راحت تحدّثه، بينما كانا يأكلان، عن عملها في صالون تجميل في فندق يفتح أبوابه حتى وقت متأخر، وعن طبيعة عملها، وعن أنواع النساء الداخلات إلى الصالون والخارجات منه؛ ذوات شعر أشقر وأحمر وبنيّ. ثم قطعت له من كعكها ذي العشرة سنتات. قالت: "كُل المزيد يا بنيّ".

عندما فرغا من الطعام نهضت وقالت: "والآن، هاك، خذ هذه الدولارات العشرة وابتع لنفسك حذاء سويديًّا أزرق. وفي المرّة القادمة، لا ترتكب خطأ الاستيلاء على حافظة نقودي أو حافظة أي شخص آخر، لأن الحذاء الذي تحصل عليه بطريقة شريرة كهذه سيحرق قدميك. عليّ أن آخذ قسطًا من الراحة الآن. ولكن من الآن فصاعدًّا يا بنيّ أتمنى أن تكون مؤدّبًا".

قادته إلى الردهة ثم إلى الباب وفتحته. قالت وهي تراقب الشارع: "ليلة سعيدة! كُن مؤدّبًا يا بُنيّ!". 

أراد الصبيّ أن يقول شيئًا آخر للسيدة لُويلا بيْتس واشِنغتن جونز، غير "شكرًا لكِ يا سيدتي"، ولكن، ومع أن شفتيه تحرّكتا، لم يتمكّن حتى من قول ذلك وهو يستدير ناحية الشرفة الصغيرة الفارغة وينظر للأعلى إلى المرأة الضخمة الواقفة عند الباب. ثم أغلقت الباب. 

اقرأ/ي أيضًا:

المغتربون لـ ف. ج. زيبالد

مشاهدات امرأة من تحت الأنقاض