26-نوفمبر-2016

من مظاهرات الشباب في تونس للمطالبة بملاحقة المتورطين في انتهاكات حقوقية قبل الثورة (Getty)

"المحاسبة استحقاق"، و"حاسب الجلّاد" و"الإفلات من العقاب جريمة" هي عدد من الشعارات التي رفعتها قوى شبابية تونسية في وقفة احتجاجية بالعاصمة يوم أمس للمطالبة بمحاسبة الجلادين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان طيلة حقبة الاستبداد. وقد شارك في هذه الوقفة عشرات الجمعيات المدنية والحقوقية، من بينها جمعية "مانيش مسامح".

يشكك الشباب التونسي في جدية الدولة في دعم العدالة الانتقالية ولعل آخر شواهد ذلك غياب الرؤساء الثلاثة لأول جلسة استماع للضحايا

انتظمت هذه الوقفة بعد أسبوع من تنظيم هيئة الحقيقة والكرامة لأول جلسة استماع علنية لضحايا الاستبداد، والتي كشفت حقبة سوداء من تاريخ تونس. فمثلت الشهادات المعروضة للضحايا وعائلاتهم الذين تعرضوا لانتهاكات من أجهزة الدولة فرصة ليعود ملف محاسبة الجلادين للواجهة، وذلك في ظلّ إفلات العديد منهم من العقاب بعد قرابة ست سنوات من الثورة.

اقرأ/ي أيضًا: شهادات ضحايا الانتهاكات بتونس..قصص الألم والعبر

ومن الشعارات التي رفعها المحتجون، شعار "وين دفنتوهم"، في إشارة لبعض الضحايا الذين قُتلوا تحت التعذيب ولم يقع تسليم جثامينهم لأهاليهم. والمثال الأبرز عن هذه الحالة هو الشهيد كمال المطماطي، الذي قدمت أمه وزوجته شهادتهما في أول جلسة استماع علنية الأسبوع الماضي، وقد عكست هذه الشهادة المؤثرة التي شهدها الملايين على الهواء مباشرة، مدى الإجرام وحجم الانتهاكات في ظل نظامي بورقيبة وبن علي. حيث طلبت والدة الشهيد أن تعرف فقط مكان دفن جثة ابنها لتتمكّن من زيارته والترحّم عليه.

وإضافة للتعاطف مع والدته، زاد في حماسة الرأي العام لمعرفة مكان دفن الشهيد المطماطي، تصريح صحفي لنائب رئيس البرلمان عبد الفتاح مورو، ذكر فيه أن أحد ضباط الأمن أعلمه في وقت سابق أن المطماطي تم رميه بعد قتله في خرسانة إسمنتية لإحدى الجسور في طور التشييد حينها أي في فترة التسعينيات. وهو ما زاد في مطالبات المواطنين لتحرّك الجهات المختصّة في الدولة للتحقق من مكان دفن جثة الشهيد وإعادة الاعتبار له.

وتشكك القوى الشبابية عمومًا في جديّة الدولة التونسية في دعم مسار العدالة الانتقالية، ولعلّ آخر هذه الشواهد هو غياب الرؤساء الثلاثة عن أول جلسة استماع علنية، فيما مثّل دليلًا على غياب الدعم السياسي لهيئة الحقيقة والكرامة، التي تتولى تنفيذ مسار العدالة الانتقالية. كما تتهم هذه القوى الدولة بعدم رغبتها في كشف الحقيقة وذلك من خلال محدودية مساهمتها في تسهيل مهام الهيئة المتخصصة بخصوص الاطلاع على أرشيف الدولة وتحديدًا أرشيف وزارة الداخلية.

اقرأ/ي أيضًا: 17 نوفمبر... تونس تستمع إلى ضحاياها لأول مرة

كما تشكك هذه القوى تحديدًا في التزام الدولة بتطبيق آليات العدالة الانتقالية المنصوص عليها بالقانون ومن أهمها المحاسبة والمساءلة. وفي هذا الجانب، نص قانون العدالة الانتقالية على إرساء دوائر قضائية متخصّصة للبتّ في القضايا المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومن بينها القتل العمد والتعذيب والاختفاء القسري إضافة للفساد المالي. وبعد مرور سنتين ونصف من بعث هيئة الحقيقة والكرامة لم تبدأ بعد هذه الدوائر في نشاطها.

فبعد ست سنوات من الثورة، وفي ظلّ التحالف الحكومي القائم تحت عنوان "التوافق"، تعتبر قوى سياسية قريبة من النظام السابق أن المصالحة تم تحقيقها وذلك في ظلّ تشكيكها في نجاعة مسار العدالة الانتقالية، وتعتبر الحديث عن المساءلة والمحاسبة هو من قبيل إعادة جراح الماضي وخلق في الفتنة في البلاد.

غير أن القوى الشبابية وأحزاب المعارضة تعتبر أنه لا مجال لتحقيق المصالحة دون المرور بجميع آليات العدالة الانتقالية وأهمها كشف الحقيقة ورد الاعتبار للضحايا والمحاسبة والمساءلة. وفي هذا الجانب، تطالب هذه القوى بضرورة التزام الدولة بتطبيق قانون العدالة الانتقالية الذي ينص صراحة على أن "المصالحة لا تعني الإفلات من العقاب وعدم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات".

اقرأ/ي أيضًا:

الحقيقة والكرامة.. تونسيون يواجهون انتهاكات الماضي

هل أتاكم حديث عدالة انتقالية محاصرة؟