19-نوفمبر-2015

سيارات إسعاف تقوم بنقل ضحايا حادثة سقوط الطائرة الروسية في سيناء (Getty)

فور سقوط الطائرة الروسية فوق سماء شبه جزيرة سيناء التي تنشط فيها جماعات جهادية مسلحة، اتجهت أنظار دول العالم إلى كُل شيء على ظهر سيناء إلا الإنسان وحقوقه.

كعادة إخفاق السلطة في كل شيء، فإن السلطات فشلت في مراعاة تدابير الحماية الواردة في القانون الدولي للسكان الذين يواجهون عمليات إخلاء قسري

الحاجة زينب صاحبة الستين عامًا، تروي لباحثين حقوقيين دوليين جزءًا من معاناتهم مع إجراءات التهجير القسري التي يقوم بها الجيش المصري: "والله قطعوا قلبنا على كل تفصيلة في الدار، كل برواز كل حجر كل قطعة إلها تاريخ وحكايات وكيف كنا عايشين على الحلوة والمرة وكيف كافحنا وبنينا حياتنا من الصفر بدون حتى جنيه من هدول اللي جايين الحين يدمروا حياتنا"!

عتمة الصورة

علاء عبد المنصف، المتحدث باسم التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، أكد على أن المتابع للوضع الحقوقي والإنساني في سيناء، يعلم مدى الوضع المتدني لحقوق الإنسان في هذه المنطقة، نظرًا لفرض المؤسسة العسكرية سطوتها هناك، ومنع أي صورة من صور التواصل الإعلامي أو الحقوقي، والتي يشير المتوفر منها إلى انتهاك المؤسسة العسكرية لكافة أنواع حقوق الإنسان، مخالفةً للدستور والقوانين المعنية، بل ومُخالفةً للاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر.

وبالتالي فالصورة مُعتمة في هذه المنطقة، نظرًا لكثرة حالات انتهاك حقوق الإنسان من قبل المؤسسة العسكرية، دون السماح بتغطية الإجراءات التي تتم من قبلها، فضلًا عن تزايد حالات الاضطرابات السياسية هناك، وما يُصاحبها من حالات تمرد وعنف.

كارثة الأرقام

منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، قالت في تقرير نشرته نهاية سبتمبر الماضي أن الجيش المصري قام على مدار العامين الماضيين بهدم جماعي وإخلاء قسري لمنازل نحو ثلاثة آلاف ومائتي عائلة في شبه جزيرة سيناء، ما يُعد انتهاكًا للقانون الدولي.

وكعادة إخفاق السلطة في كل شيء، فإن السلطات فشلت في مراعاة تدابير الحماية الواردة في القانون الدولي للسكان الذين يواجهون عمليات إخلاء قسري، وربما تكون قد انتهكت قوانين الحرب من خلال انعدام التناسب في تدمير آلاف المنازل.

مقتل 1347 شخصًا خارج إطار القانون واعتقال أكثر من 9073 بتهم سياسية، و2833 تحت بند الاشتباه، وحرق 1853 "عشة" يسكنها البدو، وتدمير وحرق منقولات مادية خاصة بالمدنيين تقدّر بـ 1967 قطعة، خلال العامين الماضيين فقط.

هذا ما قاله المرصد المصري للحقوق والحريات في تقريره عن حقوق الإنسان في شمال سيناء.

آخر تلك الانتهاكات ما وقع من تصفيةٍ متعمدة، من قبل مجهولين، لتسعة مواطنين من أسرة واحدة كانوا قد نزحوا من مدينة رفح نتيجة التهجير القسري، حدث ذلك أثناء جلوسهم في فناء منزلهم بحي البطل أحمد عبد العزيز جنوبي العريش في الساعات الأولى من صباح الخميس الماضي، بينهم طفلة لقت مصرعها بفعل قذيفة "آر بي جي".

الزنانة

يكتفي الجيش المصري عادة، بالإعلان عبر متحدثه الرسمي، عن القيام بعمليات هدم منازل، دون حتى الإشارة إلى الخسائر في الأرواح

"الزنانة" كما يسميها أهالي سيناء وهي طائرة حربية بدون طيار، ودائمًا ما يستخدمها سلاح الجو الصهيوني في عملياته داخل سيناء، وكان أول ظهور لها في استهداف إسرائيل أحد عناصر جماعة أنصار بيت المقدس، ويدعى إبراهيم عويضة، في أغسطس 2012.

وبحسب ما تشير إليه كثير من التقارير فإن "الزنانة" حلقت سابقًا فوق مطار العريش وقصفت أهدافًا بقرى شيبانة والمهدية جنوبي رفح، فضلًا عن العراج والجورة بالشيخ زويد.

في المقابل لم يصدر أي بيان رسمي من الجيش المصري، ينفي خرق طائرات من دون طيار إسرائيلية المجال الجوي المصري، وقصف أهداف في سيناء، ويكتفي الجيش عادة، بالإعلان عبر متحدثه الرسمي، عن القيام بعمليات هدم منازل، دون حتى الإشارة إلى الخسائر في الأرواح.

رعب المشاهد

يستثقل الناشط الحقوقي والسياسي هيثم غنيم، حجم مشاهد الدماء التي تملأ رمال سيناء، وتلطّخ أرضية مستشفى العريش التخصصي، ويتساءل في شجون، بعيدًا عن التنظير للوطنية من عدمها، ماذا لو تخيّلنا أن يستيقظ أحدنا فيجد بطن زوجته الحامل قد بُقرت نتيجة القصف العشوائي لقوات الجيش على بيوت المدنيين؟ أو يستيقظ على وقع صاروخ من طائرة عسكرية إسرائيلية، أفقدته ابنته التي طالما حلم بها؟

ماذا، لو عدت لمزرعتك التي أفنيت فيها عمرك فوجدت جرّافات الجيش قد سوّتها بالأرض، وبيتك الذي عِشت فيه طفولتك وأيام فرحك وحزنك نسفته متفجرات الجيش الساعية وراء الشريط العازل؟

لكن في النهاية يعود هيثم ليؤكد أن غدًا سيكون أفضل لأبناء سيناء، حين يحاكم من ارتكبوا الجرائم بحقهم، ساعتها ستعود الأرض لتُثمر بالزيتون كسابق عهدها.

آخر التطورات

نهائيًا خلُصت التحقيقات الروسية حول الطائرة المنكوبة إلى أن عمليةً إرهابية كانت سبب إسقاطها، ليُصدر الرئيس فلاديمير بوتين توجيهاتٍ بإخطار جميع الشركاء الدوليين، ببدء الأجهزة الروسية المختصة البحث عن المجرمين.

وأكدت وزارة الخارجية الروسية أن تحرك موسكو ضد "الإرهاب" سيكون وفقًا لحق الدول في الدفاع عن نفسها، المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

وتنص المادة 51 من الميثاق الأممي على أنه "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي".

ما يعني، بحسب حقوقيين، شرعنة لعمليات مسلحة ستقوم بها القوات المسلحة الروسية في سيناء دون الانتظار لموافقة السلطات المصرية في إطار حق روسيا في الدفاع الشرعي عن النفس.

وهو ما يزيد المواطن السيناوي معاناة جديدة إلى جانب ما يعانيه منذ عامين من جرائم الحرب التي يرتكبها النظام منذ أن بدأ عملياته المسلحة تحت زعم الحرب على الإرهاب، فما سيفعله الروس لن يكون أقلّ مما فعله الجيش المصري على أية حال.

اقرأ/ي أيضًا: 

الطيران فوق عش "داعش"

أسر المقتولين بيد الدولة..عنوان للمعاناة