22-أبريل-2017

هجوم بسيارة مفخخة شمال سيناء في 2015 (أ.ف.ب)

لا تهدأ الأوضاع في شمال سيناء بالضرورة، فرغم خضوع المنطقة للسيطرة المصرية وخروج القوات الإسرائيلية من سيناء بعد حرب 1973، إلا أن المنطقة لا تعتبر فعليًا تحت سيطرة الدولة، بسبب القيود التي فرضتها اتفاقية كامب ديفيد، وتنامي وتعاظم قوة الجماعات الإرهابية المسلحة في المنطقة وفشل التصدي لها، بالإضافة للمشاكل التاريخية بين السكان الأصليين للمنطقة والدولة المصرية، وهذا ما سوف نستعرضه في السطور التالية محاولين الإجابة عن الخاطرة التي تسأل عن إمكانية تدخل إسرائيل العسكري في أراضي سيناء المصرية، بدعوى حمايتها لأمنها القومي.

أرض مصرية وأهالٍ بلا هوية

تتعامل الدولة منذ عقود مع بدو سيناء، بل حتى الأهالي الساكنين في الأماكن الحضرية، على أنهم غير مصريين من الأساس؛ فهم محرومون من وظائف معينة، ومحرومون من الانضمام للشرطة والقوات المسلحة كضباط، فضلًا عن المعتاد من تلفيق التهم والتهجير القسري في بعض الحالات.

لا تعتبر سيناء خاضعة للسيطرة الفعلية للدولة، بسبب قيود اتفاقية كامب ديفيد وتنامي وجود الجماعات الإرهابية المسلحة

هناك تراكمات تاريخية لسوء العلاقة بين السلطة المصرية والأهالي في سيناء، يأتي على رأس هذه التراكمات خروج المنطقة من الخطة التنموية للدولة، التي وعد الأهالي بها منذ حرب 6 أكتوبر 1973، إلا أن هذه الخطط التنموية كانت مجرد شعارات كاذبة رسخت لدى أهالي سيناء فكرة أنهم خارج حسابات الدولة المصرية، وبدؤوا التعامل على هذا الأساس، فلا مشاريع قومية ولا مصانع ولا شركات، ولا حتى بنية تحتية قادرة على تلبية احتياجات السكان، حتى أن الأماكن التي جرى الاهتمام بها للسياحة، في النهاية لم تصُب تنميتها في صالح الأهالي.

اقرأ/ي أيضًا: سيناء.. الأسئلة المحرمة

هذه العلاقة المعقدة أوجدت شرخًا كبيرًا في العلاقة بين "السيناوية" والدولة، بل حتى المصريين أنفسهم، فليس غريبًا أن تسمع كلمة "المصاروة" على لسان أهالي سيناء، فهم يعتبرون المصريين يتبعون دولة لا تعترف بهم من الأساس، فهناك "مصاروة" وهناك "سيناوية"!

الأمر الآخر هو تعامل الجهات الأمنية مع كل من ولد في شمال سيناء على أنه إرهابي أو خائن مُحتمل للوطن، ويظهر هذا في التعنت الأمني، بخاصة في الكمائن عند إظهار أحد الأشخاص بطاقة هويته ليكتشف الضابط أنه من أهل الشمال. 

"ألترا صوت" قابل اثنين من شمال سيناء، كانا محتجزين في إحدى أقسام الشرطة بجنوب سيناء، وعند سؤالهما عن السبب قال أحدهما: تهمتنا أننا من شمال سيناء"، مُضيفًا بسخرية: "إحنا بلد الإرهابيين!". سبب وجودهما في الجنوب هو العمل كالعادة، إما في السياحة أو مشاريع إنشائية مرتبطة بالسياحة غالبًا. سألناهما إذا كان قد اشتبه بهما لسبب كتعاطي كحوليات أو مخدرات على الطريق، فأجابا: "لا، فقط بطاقة الهوية هي تهمتنا، كوننا من أهالي شمال سيناء".

ويعيش أهالي سيناء ما بين مطرقة العسكر وسندان داعش، ومع ذلك يُؤكد كبار رجال قبائل شمال سيناء على استعدادهم الوقوف مع الدولة في حربها على داعش، إلا أن الأزمة في تعامل الجيش مع أهالي سيناء كإرهابيين، ومن الجهة الأُخرى إذا وقع أحدهم في قبضة داعش فسيُنتقمُ منه انتقامًا مروعًا.

إذن، لطالما تعرض أهل الشمال لإقصاء وتهميش وربما انتهاكات، إما بدعوى محاربة الإرهاب أو مكافحة تجارة السلاح والمخدرات، فضلًا عن تهم التخوين المستمرة، ليصل الحال في النهاية إلى علاقة متصدعة بين أهالي شمال سيناء والدولة المصرية، وأراضٍ تخضع للسيطرة المصرية من الناحية النظرية، وأهالٍ بلا هوية من الناحية الفعلية.

الوضع الأمني في سيناء منذ ثورة يناير

يمكن التأريخ للبداية من آب/أغسطس 2012، حيث كانت الأجواء شبه هادئة، وللتو استلمت جماعة الإخوان المسلمين الحكم في مصر بعد وصول مرشح حزبها، محمد مرسي، إلى كرسي الرئاسة. لم تمر إلا أيام قليلة على حكمه حتى وقع هجوم إرهابي على إحدى الأكمنة في مدينة رفح المصرية، بالتزامن مع وقت الإفطار، فيما عرف إعلاميًا بمذبحة رفح الأولى التي أسفرت عن مقتل 16 ضابطًا وجنديًا مصريًا.

وتبنى تنظيم أنصار بيت المقدس الحادث، وهو التنظيم الذي سيبايع داعش لاحقًا، ليعرف باسم "ولاية سيناء". نجح التنظيم في هذا الهجوم بالاستيلاء على مدرعتين تابعتين للجيش المصري، بالإضافة إلى عدد من البنادق الآلية وصناديق الذخيرة، ثم حاولوا اقتحام الحدود المصرية مع إسرائيل، إلا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي تصدى لهم، مُعلنًا مقتل 8 منهم. 

اقرأ/ي أيضًا: العسكر والإرهاب.. ثنائية هدر الإنسان المصري

نتيجة لهذا الحادث أُقيل مدير المخابرات العامة مراد موافي وعُيّن بدلًا عنه اللواء محمد شحاتة، وعلى إثره وطأت أقدام جنود الصاعقة المصرية هذه المنطقة لأول مرة منذ اتفاقية كامب ديفيد، بالإضافة إلى عدد من الدبابات وطائرات الأباتشي، ما خلق حالة توتر في العلاقات بين مصر وإسرائيل، بسبب ما اعتبرته الأخيرة انتهاكًا للاتفاقية. وطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، السلطات المصرية أن تتوقف عن إرسال مزيد من القوات العسكرية إلى أراضي سيناء دون تنسيق مسبق مع السلطات الإسرائيلية، مُطالبًا بسحب ما أُدخل من الأسلحة الثقيلة.

في 2014 صرح مسؤول عسكري إسرائيلي بأن الجيش المصري غير قادر على مواجهة الإرهاب في سيناء، مهددًا بالتدخل العسكري فيها

لم تنتهِ الأمور عند هذا الحد، وبخاصة بعد الثالث من تموز/يوليو 2013 وعزل الرئيس محمد مرسي، وحتى 14 آب/أغسطس من نفس العام عند فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة وما أسفر عنه من قتل مئات المعتصمين، ليأتي رد الفعل سريعًا بعدها بخمسة أيام فقط، متمثلًا فيما عرف بمذبحة رفح الثانية، التي استهدفت جنودًا مصريين، وأسفرت عن مقتل 25 منهم، والتي تبناها تنظيم أنصار بيت المقدس.

إسرائيل تهدد بالتدخل العسكري

في كانون الثاني/يناير 2014، صرح داني دانون نائب وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، بأن القوات المسلحة المصرية غير قادرة على مواجهة الجماعات الإرهابية في سيناء، مُهددًا بالتدخل العسكري على الأرض المصرية، وبأن إسرائيل ستحاسب كل من يخطط في تنفيذ اعتداء ضدها، وإن كان على أراضي دولة أُخرى.

وبعد أقل من عام على مذبحة رفح الثانية، جائت المذبحة الثالثة في 28 حزيران/يونيو 2014، بعد أيام قليلة من تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية، حيث نصب تنظيم أنصار بيت المقدس كمينًا وهميًا، واطّلعوا على بطاقات المواطنين ليجدوا بينهم أربعة مجندين كانوا قادمين من معسكر أمن مركزي قريب من المنطقة التي نُصب فيها الكمين الوهمي، وفي طريقهم لقضاء إجازتهم، فقاموا بإنزالهم وإطلاق النيران عليهم ثم لاذوا بالفرار.

وفي الشهر التالي تموز/يوليو 2014، نظم التنظيم عرضًا عسكريًا في مدينة الشيخ زويد بقلب سيناء، حمل عناصره فيه الأسلحة المتوسطة والثقيلة، مرتدين ملابس سوداء وملوحين برايات سوداء. وفي تشرين الثاني/نوفمبر من نفس العام، أعلن أنصار بيت المقدس مبايعة أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، وتغيير اسم التنظيم إلى "ولاية سيناء"، لتبدأ مرحلة جديدة أكثر دموية في سيناء.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

القبائل السيناوية.. عصيان مدني ضد الداخلية المصرية

"فيزا" دخول سيناء.. للمصريين فقط!