21-يناير-2017

سيدة مصرية تنظر لأسعار البضائع في السوبر ماركت (Getty)

شهدت سنوات حكم مبارك الأخيرة مشاكل اقتصادية عدة، أرهقت غالبية المصريين، تسببت فيها سياسات حكومات الحزب الوطني الاقتصادية وشلة رجال الأعمال المتحكمين التي ظهرت مع صعود نجم ابن الرئيس، خصوصًا في لجنة السياسات التي ترأسها. والمجموعة الاقتصادية التي عاونته.

لقد تعددت الأزمات التي خلقتها سياسات هذه الحكومات، فمن نواب القروض الذين استولوا على مئات المليارت بتسهيلات من جهات سيادية، ثم هربوا بها تحت حماية نفس الجهات السيادية إلى التعويم الجزئي للجنيه، مرورًا ببرنامج الخصخصة المتسارع، الذي أفقد الدولة قدراتها على التحكم في السوق من ناحية، وشرد آلاف العمال من ناحية أخرى.

تحت حماية الدبابة أتبع الجنرال المنقلب سياسات السوق النيوليبرالية، عن طريق تحرير الخدمات ورفع الدعم بأنواعه ومزيد من الخصخصة

عانى المصريون بشدة، حتى انتشرت بينهم مقولة "اللي معاه يعيش. واللي مش معاه يموت"، الأمر الذي مهد لمشاركة الملايين في ثورة يناير تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، ما أكسبها قوتها الحقيقية بانضمام الملايين الهادرة لها (جمعة الغضب 28 كانون الثاني/يناير 2011) طلبًا لحقوقهم الاقتصادية المشروعة والتي صاغوها بأبسط الكلمات وأعمق الدلالات "عيش".

بعد الانقلاب العسكري وتحت حماية الدبابة أحيا الجنرال المنقلب المعادلة الاقتصادية القديمة-الجديدة باتباع سياسات السوق النيوليبرالية، عن طريق تحرير الخدمات ورفع الدعم بأنواعه ومزيد من الخصخصة وتخفيف الإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم والخدمات الموجهة للمواطن وربط الأسعار بالسوق العالمية، بالإضافة إلى مزيد من الضرائب والأعباء على المواطنين.

اقرأ/ي أيضًا: هل يعود أبو تريكة إلى القاهرة؟

معادلة اقتصادية تبنتها الدولة مفادها "نصف شعب مصر الفقير يموت وينتهي" سواء بالفقر أو المرض أو الجوع أو حوادث الطرق أو مراكب الموت، فكل السياسات الاقتصادية القديمة التي ثار الناس عليها، والتي ينتهج النظام سياسات أشد منها فُجرًا وتعسفًا، هي بالأساس موجهة ضد الطبقات المتوسطة والفقيرة والمعدمة، فهولاء هم من يطالبون بالدعم والعلاج والتعليم الحكوميين هربًا من الجهل والفقر والمرض، وسياسات الحكومة -التي تحللت من مسؤولياتها تجاه المواطنين- تنتهج نهجًا مغايرًا تمامًا لذلك.

في حين يفاجئ السيسي الجميع -خصوصًا أنصاره الذين ضجوا منه بسبب قرارته الاقتصادية وفقط- بقوله في أحد خطاباته: "إن ما تم في مصر خلال سنتين لا يمكن إنجازه إلّا في 20 سنة"، ويقول أيضًا في خطاب آخر: "ماشيين صح"، في إشارة إلى سياساته الاقتصادية. فالجنرال لا يضيع وقته وهو ينفّذ برنامجًا اقتصاديًا غير معلن، فمثلا قرار تعويم الجنيه مفاجئ وصادم لجموع المصريين، بينما يخرج وزير مالية حكومة السيسي ليقول: "إن قرار التعويم مدروس بالدقيقة والثانية"، كما سبق التعويم تخفيض الدعم العيني ورفع الجمارك على كثير من السلع وإصدار قانون جباية جديد باسم القيمة المضافة وتلاه زيادة الجمارك مرة أخرى، ورفع سعر المحروقات، وليس آخرًا رفع سعر الأدوية.

المؤكد أنه عندما يتحدث السيسي فهو يقصد بـ"ماشيين صح" دولة نظامه وأركانها وفقط، فقراراته الاقتصادية مثلت سيفًا على رقاب ملايين من المصريين، وأسقطت أغلبية الطبقة الوسطى في خضم معاناة الطبقة الفقيرة التي تحول أغلبها إلى الطبقة المعدمة التي تتجه نحو الموت بسرعة. بينما أركان دولة السيسي يزدادون ثراءً، فرجال الأعمال يخدمهم تعويم الجنيه، والتجار والصناع الكبار يفيدهم رفع الأسعار، والشرطة والقضاء والجيش تزيد مرتباتهم كل فترة ويُمنحون مزيدًا من المكافآت طلبًا لعونهم أو لسكوتهم.

اقرأ/ي أيضًا: عفو صحي عن مرشد الإخوان السابق مهدي عاكف؟.. ربما

وعليه، نستطيع أن نؤكد أن سياسات النظام الاقتصادية هدفها قتل نصف المصريين الواقعين تحت خط الفقر، حتى تتخفف الحكومة مما تعتبره أعباءً عليها، أما النصف الباقي فهم يحتاجونه في تسيير أعمالهم -في قطاعات مثل البترول والاتصالات- وإدارة اقتصادهم -مثل البنوك والبورصة- وخدمتهم -السياحة والفندقة- وتأمينهم -الداخلية وشركات الأمن الخاصة-.

اقتصاد السيسي ليس للإنفاق على الناس أو تقديم خدمات، أو كما عبر السيسي في التسريبات بقوله "أنا معرفش حاجة اسمها ببلاش"

فالمواطن المُعدم والفقير عليه أن يختار الموت في مستشفيات لا تقدم خدمات صحية حقيقية، أو بالجوع والجهل، أو في حوادث على الطرق السريعة، أو حتى في مركب متهالك في عرض البحر طلبًا للهجرة -تلك المراكب التي تبحر أمام أعين حرس الحدود وخفر السواحل دون اعتراض أو منع-.

الخلاصة، إن اقتصاد دولة الجنرال ليس فيه موازنة للإنفاق على الناس أو تقديم خدمات تعليمية وصحية واجتماعية للمواطنين، أو كما عبر السيسي نفسه في التسريبات التي أذاعتها شبكة رصد بقوله: "أنا معرفش حاجة اسمها ببلاش. عاوز خدمة تدفع تمنها. حتدفع يعني حتدفع"، فهو يسير وفق معادلة "التخلص من نصف شعب مصر الفقير بدفعه إلى الموت"، تلك المعادلة التي عطلتها ثورة يناير ولو مؤقتًا، قبل أن يعيدها الجنرال المنقلب حتى يستطيع أن يحكم هو ونظامه، حتى لو تطلّب ذلك قتل نصف شعب مصر.

اقرأ/ي أيضًا:
كيف سيعالج التاريخ قضية تيران وصنافير
أماني الخياط.. بوق السيسي لإسكات فقراء مصر