22-يونيو-2018

بعد ثلاث سنواتٍ على صدور مجموعته الشِّعرية "من غصن إلى آخر يتنقّل القصف" (المؤسّسة العربية للدراسات والنشر)، يصدر الشاعر السوريّ ريبر يوسف مجموعة جديدة بعنوان "قريبًا تنهض الجدّة" (دار العين للنشر، 2018)، لتكون الرابعة في رصيده.

"قريبًا تنهض الجدّة" مجموعة شعرية لريبر يوسف تحاول التأكيد على الفعل المضارع لمحاربة الموت

المجموعة التي أُنجزت بدايات سنة 2018، جاءت موزّعة على 90 صفحة، واحتل الحديث عن الجدّة مساحتها كاملةً، ذلك أنّها كُتبت أساسًا لهذا الغرض. هكذا، يسرد ريبر يوسف في نصوصه ما تفعلهُ الجدّة، فنجدها تارةً ترمي دلوًا في الماء، وتارةً أخرى تسأل عن "سيّارةٍ تغمّق الشمس ظلالهم البعيدة". أو تسنّ سكينها بعناية، أو تصعد سُلّمًا خشبيًا عبر "تلاوات مبطّنة تطيّن سقف الغرفة".

اقرأ/ي أيضًا: ريبر يوسف.. حكمة الولد وطيش العجوز

في حديثنا معه، قال ريبر يوسف لـ "ألترا صوت" إنّ ما دفعهُ لنشر مجموعته "قريبًا تنهض الجدّة" بهذه السرعة هو الخوف من الموت الذي بات هاجسًا أوّلًا، ووفاءً للجدّة ثانيًا. ويُضيف: "كُتبت المجموعة كاملةً من أجل جدّتي وعنها. هي من قامت بتربيتي منذ بلغت من العمر سنةً واحدة، وكان لها فضل كبير في تلقيني عددًا من العلوم المختلفة شفهيًا، ذلك أنّها كانت لا تُجيد القراءة والكتابة باللغة العربية. ناهيك عن أنّها كانت دائمًا ما تروي لي حكايات قبل النوم، بين حكايات عن العائلة، عائلتها، وأخرى تراثية وخيالية. يُمكنك القول إنّني كنت صفحةً بيضاء تدوّن فيها الجدّة كلّ ما يخطر في بالها".

يشير محدّثنا إلى أنّ نصوص المجموعة كاملةً كُتبت باستعمال الفعل المضارع، وأنّه لا يوجد نصوص كُتبت بالماضي. ذلك أنّ الكتابة عن الماضي وبه يعزّزان من حقيقة وفاة جدّته التي يرفض تصديقها. وتاليًا، تأتي النصوص هنا كما لو أنّها ردّ على حقيقة وفاة الجدّة. كأنّ ما هو مكتوب يحدث الآن مباشرةً.

يردف ريبر يوسف قائلًا: "جاءت نصوص المجموعة خاليةً من التشبيه والاستعارات والصفات، لأنّ المجموعة أقرب ما تكون إلى كتابٍ سرديٍّ، وهنا فضّلت استخدام لغة الناس، اللغة السردية البسيطة، ليكون النص قريبًا من الصوت العادي للناس". ويذكر ريبر يوسف، صاحب "حَجلًا أعبرُ الحقل" أنّه ابتعد عن بدء نصوصه بالأفعال، مُفسِّرًا الأمر بقوله أنّ الشاعر لا يملك القدرة على التغيير. ويرى أنّ الإصرار على بدء النص بفعل، يجعل من الشاعر قويًا، والقوي، بحسب تعبيره، لا يمكن أن يكون شاعرًا. لأنّ الإنسان المعزول والمنعزل والمكسور هو من يكتب الشعر".

يختم ريبر يوسف حديثه قائلًا إنّه عنونَ نصوص المجموعة بالأرقام الكردية، وفقًا للطريقة التي كانت تلفظها بها جدّته، وذلك بقصد إشراك الجدّة في إنجاز المجموعة.

"قريبا تنهض الجدة" جمجموعة شعرية خاليةً من الاستعارات والتشابيه، لتكون أقرب إلى كتابٍ سرديٍّ

اقرأ/ي أيضًا: كولنار علي.. العنقاء وقصائد أخرى

يُذكر أنّ ريبر يوسف كاتب وشاعر سوري-كردي من مواليد مدينة الحسكة سنة 1981. أصدر 4 مجموعات شعرية، وله كتاب قيد الطباعة تحت عنوان "مرايا دولة الدكتاتور". بالإضافة إلى عدّة أفلام قصيرة ومشاريع في التصوير الفوتوغرافي.


من الكتاب

بخفّة تمرّر قطعة المعدن خاصّتها على سيقان السنابل المبتورة،

ألتمس حيرة الشكل إذ تهرس القشّ،

يتفتّت الضوء وتغدو كل قطعة بحجم منقار صغير،

يخطفها السؤال بعناية صوب عشّ سري في نفْسي،

الجدّةُ تصعد السلّم الخشبي،

عبر تلاوات مبطّنة تطيّن سقف الغرفة،

في مأمن يستلقي الشعاع على الطين الممزوج بالتبن،

بعد لحظات،

ستسعَّر ببعضها النار أسفل القمح،

فقاعات لا تهدأ البتّة في الحلّة الكبيرة،

نظرات ممسوسين جاحظة في مكمن الحدس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تالا حديد.. الشاعرية وحدها لا تكفي

جان دوست.. نسّاج الحكايا وموثّق الألم