02-يوليو-2017

تلقى محمد فهمي ربع مليون دولار من الإمارات ليقاضي قناة الجزيرة (بريندان سميالوسكي/ أ.ف.ب)

منذ بداية أزمة العلاقات الخليجية، والدول المقاطعة لقطر تضغط في اتجاه إغلاق قناة الجزيرة، تحت ذريعة دعمها لـ"جماعات إرهابية"، و"بثّها أخبارًا تحريضية". ويبدو أن إحدى تلك الحملات كانت الدعوى القضائية التي رفعها الصحفي سابقًا بقناة الجزيرة، محمد فهمي، والذي كان معتقلًا في مصر، يُطالب فيها بتعويض مالي قدره 100 مليون دولار، باتهامها بـ"الإهمال وانتهاك بنود العمل".

محمد فهمي.. صحفي يدعم سجّانيه!

كان محمد فهمي، الذي يحمل الجنسية الكندية، قد تعرض للاعتقال من قبل السلطات المصرية في القضية اتي تُعرف إعلاميًا باسم "خلية الماريوت". وضمت القضية 20 إعلاميًا يعملون لحساب قناة الجزيرة، كانوا يتخذون من فندق الماريوت الواقع بمنطقة الزمالك في القاهرة، مقرًا لعملهم.  

ووجهت السلطات المصرية اتهامات للصحفيين بالقضية -والذين كان من بينهم أسترالي وبريطانيان وهولندية- تضمنت "بث أخبار كاذبة  تشوه سمعة البلاد"، بالإضافة إلى "استخدام أجهزة بث دون ترخيص". حينها وصفت الجزيرة، والعديد من المنظمات الحقوقية، القضية، واعتقال الصحفيين، بالانتهاك لحرية الإعلام، في حين أصدر القضاء حكمًا بالسجن على الصحفيين لثلاث سنوات، وترحيل الصحفي الأسترالي بيتر غريست إلى بلاده.

بدلًا من أن يوجه فهمي سهام النقد للسلطات المصرية التي سلبته حريته، قرر في المقابل محاكمة قناة الجزيرة!

وممن كانوا ضمن هيئة الدفاع عن محمد فمهي وزملائه، أمل كلوني، زوجة الممثل الأمريكي الشهير جورج كلوني. انطلقت أمل كلوني في الدفاع عن محمد فهمي من كونه يحمل الجنسبة الكندية، في محاولة للاستفادة من التعديل التشريعي الذي أجراه عبدالفتاح السيسي، والذي يتيح للمتهمين الأجانب في أي قضية محلية، الترحيل إلى بلادهم، شريطة ألا يكونو مزدوجي الجنسية، وبالفعل تنازل فهمي عن الجنسية المصرية في 25 كانون الأول/ديسمبر 2014، ليطلق سراحه.

اقرأ/ي أيضًا: خفايا السعي المحموم لإنهاء "كابوس" الجزيرة والإعلام الممول قطريًا

لكن في 29 كانون الأول/ديسمبر العام الماضى، قدم محمد فهمي من خلال محاميه، طلبًا إلى وزارة الداخلية المصرية، ومصلحة الهجرة والجنسية، لاسترداد جنسيته المصرية. وبعد أيام قليلة من تقديمه للطلب، قال وزير العدل آنذاك، أحمد الزند، إن محمد فهمي لن يحصل على الجنسية المصرية مرة اُخرى، لأنه تنازل عنها للحصول على العفو الرئاسي وترحيله لكندا التي يحمل جنسيتها، مُضيفًا: "من أعطى ظهره لمصر ليست بحاجة إليه".

وبعد نحو خمسة أشهر، نشرت الجريدة الرسمية، قرار وزير الداخلية المصري، مجدي عبدالغفار، رقم 1988 لسنة 2016، الصادر في خمسة أيار/مايو، برد الجنسية المصرية لـ13 شخصًا، كانوا قد فقدوها لازدواج جنسيتهم، من بينهم محمد فهمي.

لكن محمد فهمي، وبدلًا من أن يوجه سهام النقد للسلطات المصرية التي اعتقلته وعاقبته لأنه صحفي؛ قرر الانضمام إلى مجموعة الإعلاميين والقانونيين الذين دشنوا حملة "محاكمة الجزيرة"، وكان من بينهم صحفيون يعملون في الجزيرة.

وفي مؤتمر صحفي عُقد في واشنطن، اتهم محمد فهمي، قناة الجزيرة ودولة قطر، بـ"التآمر مع  المتطرفين الإسلاميين"، لينضم بذلك صراحة إلى طابور ملفقي الاتهامات جزافًا على قطر، حتى أنه أشاد بالحصار المفروض على قطر.

هل حصل محمد فهمي على "رشوة" من الإمارات؟

نشرت صحيفة نيويورك تايمز، تقريرًا كشفت فيه عن تلقي محمد فهمي دعمًا ماليًا ولوجيستيًا من الإمارات، للمضي قدمًا في إجراءات رفع قضية على قناة الجزيرة يطالب فيها بتعويض قدره 100 مليون دولار.

ورغم نفي محمد فهمي أي علاقة له بأي مستشارين سعوديين أو إماراتيين، أو أي علاقة بينه وبين سفير أبوظبي في واشنطن يوسف العتيبة؛ إلا أنه اعترف في اتصال هاتفي مع نيويورك تايمز، واجهته فيه الصحيفة بمعلوماتها، بتلقيه أموالًا من العتيبة لتمويل إجراءات مقاضاة قطر، واصفًا الأموال بأنها "دين" سوف يردّه على حد تعبيره، مُبررًا سبب لجوئه ليوسف عتيبة، بأن علاقة صداقة تجمعهما منذ أيام الدراسة في مصر.

أشارت نيويورك تايمز إلى تحقيقات تتهم فهمي بالتورط في العمل كجاسوس لحساب إيطاليا لنحو عقدين، بداية من 1997

وكشفت الصحيفة عن أن مراسلات عبر البريد الإلكتروني بين محمد فهمي والعتيبة تكشف المستور في الأمر، والذي من بينه أن العتيبة عرض على محمد فهمي أن تقوم قناتا سكاي نيوز والعربية، بتغطية المؤتمر الذي أعلن فيه رفع الدعوى على قناة الجزيرة بعد خروجه الذي قضى فيه نحو عام.

اقرأ/ي أيضًا: أبوظبي على لسان سفيرها في موسكو: حرية الصحافة والتعبير ليست لنا

بعد ذلك المؤتمر، أرسل محمد فهمي للعتيبة عبر البريد الإلكتروني، قائلًا: "أعتزم مواصلة الضغط من خلال وسائل الإعلام". وفي نفس البريد الإلكتروني طلب فهمي من العتيبة 250 ألف دولار أمريكي، على أن يُعيد المبلغ بهامش فائدة، في حال نجحت القضية التي يطالب فيها بتعويض قيمته 100 مليون دولار أمريكي!

أيّام قليلة، ثم أرسل محمد فهمي رسالة أُخرى، تُؤكد وصول المال إليه: "المال موجود"، واعدًا في نفس الرسالة بأن يقدم تقارير مرحلية بجديد القضية لأبوظبي، ومُشيرًا إلى أنّ "فريقه" سيبدأ العمل على حملة إعلامية، ما يعني أن فهمي لا يعمل بمفرده، وإنما بفريق، نحو هدف واحد، وهو السعي حثيثًا لـ"إدانة الجزيرة" بأي شيء ممكن!

الغريب في الأمر كان استمرار نفي محمد فهمي لوسائل الإعلام، حصوله على أي دعم مالي من العتيبة، رغم أن الصحيفة أكدت أن محمد فهمي، أرسل للعتيبة، معلومات عن حسابه البنكي الشخصي.

اعتمدت الإمارات على المؤامرات الإعلامية كوسيلة للضغط وتحقيقًا لأجندتها، واعتمدت في ذلك كثيرًا على رجلها في واشنطن يوسف العتيبة

على إثر تلك التسريبات من البريد الإلكتروني لمحمد فهمي، أُجريت تحقيقات حوله، تضمّنت كل ما يُمكن عنه. وأشارت التحقيقات، وفقًا لنيويورك تايمز، إلى أنّ محمد فهمي ربما يكون قد عمل لنحو عقدين جاسوسًا لحساب إيطاليا حين كان طالبًا في مدينة فانكوفر بكندا، مشيرة إلى تدوينات بخط اليد مصدرها المخابرات الإسرائيلية تصف عشرات المشاهدات في روما والمرافق الدبلوماسية الإيطالية في باريس والقاهرة والمغرب.

حلفاء اشترتهم الإمارات

لطالما اعتمدت الإمارات المؤامرات الإعلامية كوسيلة للضغط ولشراء الحلفاء، وذلك بفضل رجلها في واشنطن، يوسف العتيبة، الذي لا يتوانى عن شراء الولاءات والأصوات والأقلام في الولايات المتحدة، في مراكز أبحاث وصحف كبيرة، ترويجًا للأجندة الإماراتية في المنطقة، وكل ما يخدم مصالحها، مثل دعم فهمي في مقاضاته للجزيرة، أو الترويج المكثف لمشروع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

اقرأ/ي أيضًا: تسريبات العتيبة.. إرهاب أبوظبي "الدبلوماسي" برعاية إسرائيلية

ومن أبرز الصحفيين الذين اشتراهم رجل أبوظبي في واشنطن، هو صفي واشنطن بوست، ديفيد إيغناتيوس، وهناك كذلك الباحث بلال صعب، والمركز الذي يعمل فيه مؤسسة المركز الأطلنطي (Atlantic Council)، وغيرهما.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإمارات بين محاربة الإخوان وفوبيا الثورات

كيف خلقت الإمارات مجتمعًا ثقافيًا مواليًا لأجندتها؟