29-سبتمبر-2015

لا تنفصل ثيمة الموت عن دلالة أي من البورتريهات

(أنت على الأرض، لا يوجد علاج لذلك / صموئيل بيكيت)

تحيل لوحات الرسامة اللبنانية ديانا حلبي (مواليد صيدا، لبنان، 1990)، بشكل بديهي، إلى تشوّهات الكائن البشريّ النفسيّة. إنها تشتغل على تظهير داخل هذا الكائن المأزوم في لوحاتها من خلال بوتريهاته الوجه تحديدًا، أو الشغل على جعل الوجوه المقدّمة والأجساد علامات استفهام دائمة بوجه المتلقي.

تشتغل  اللبنانية ديانا حلبي على تظهير داخل هذا الكائن المأزوم في لوحاتها من خلال بوتريهاته الوجه تحديدًا

حلبي التي أقامت معرضين في العام المنصرم، لا تبدو في أغلب لوحاتها مهجوسة بالاحجام الدقيقة أو المساحات الطبيعية التي من المفترض أن تشغلها الوجوه والاجساد. التركيز في شغلها يكون مركّزا على قدرة الوجه بتفصيلاته وتعرجاته على تظهير ملامح تعكس عند الرائي شعورًا عميقًا بانكسارات هذا الكائن. انكسارات ليست مزمنة بل دائمة. إنها الملامح المنكسرة والحزينة والعاجزة إذ تندرج في نسق من الألوان الداكنة والباهتة (بنيّ/ رماديّ/ الاسود) بحيث لا تخرج في أي من اللوحات عن تقديم أحوال الكائن وأوضاعه الجسدية ضمن نسق تشكيليّ لا مجال فيه إلا لتأويل هذا الوجود القهريّ من جهة السلب. إنه، بتعبير واحد، احتجاج على الوجود في ذاته. 

اقرأ/ ي أيضًا: عبد الرزاق شبلوط.. الأشياء كما هي

ليس الجسد في لوحات حلبي هو تلك المساحة المحفوظة بالتوازي الخلّاق للخطوط أو بفتنة الأحجام وتناسقها أو حتى بعريها، بل يقترب الجسد من كونه استكمالًا للعجز والانكسار الذي تحيل عليه الوجوه الكالحة. إنه تارة ظَهر منتفخ غير متناسق ويحدودب حتى يبدو كأنه متصل عضويًّا بالرأس وطورًا تراه علامة حجريّة مقوّسة تعكس قسوة الواقع ولا يمكن تأويلها إلى ضمن نسق الدلالات الأولى، أو تراه أحيانًا كتلة صلبة يقبع الرأس فوقها كشاهدة قبر، أو علامة تظل بحاجة إلى تفسير.

وحيث تتداخل الأجساد بوجوهها، في بعض اللوحات، ضمن حيوزات تبدو مغايرة عن مزاج اللوحات الأصلي، أو ضمن خلفيات مكانية مختلفة للجسد، لا يكون هذا التداخل في العمق، إلا مدرجًا في نفس التوجه الشعوريّ الذي يظهّر عبثًا سورياليًا في مزج غير مألوف. (مثلًا جسد الكائن ذاته يتناول الطعام في المرحاض).

اقرأ/ ي أيضًا: منذر جوابرة.. عودة إلى دفتر الانتفاضة

لا تنفصل ثيمة الموت عن دلالة أي من البورتريهات، حتى حين لا تقدم اللوحة هذه الثيمة الموت بشكل مباشر، إذ نرى مثلًا في أحد الأعمال وجوهًا مكدسة كالجماجم، لا تختلف ملامح هذه الوجوه عن ملامح الوجوه الحية في باقي اللوحات إذ نرى فيها أحياء/ أموات، وجوها توحدها الملامح. إنها ذات العيون المتفجّعة كأنها جنازات جماعية.