30-أغسطس-2017

زاوية من خمارة أبي جورج (فيسبوك)

لماذا يبدو استذكار خمارة اليوم في حديث عن الثقافة فعلَ تغنٍّ بأيام خلت؟ ولماذا يكون الحديث عن الساقي جوزيف فيه بعض التحسر على حالة ثقافية سورية بامتياز؟

رغم اعتماد دمشق كعاصمة إدارية للدولة إلا أن حلب هي عاصمتها الاقتصادية

بالأمس كان الخبر الأهم عن استثمار جديد في البلاد المنكوبة، واعتبر أحد أهم بدايات إعادة الإعمار وعودة الروح لاقتصاد أكلته الحرب. المستثمرون سوريون والمشرفون والمهندسون من دولة التشيك الصديقة، وأما المنجز فهو معمل لإنتاج البيرة بالنكهة التشيكية الشهيرة "بلزن" في مدينة طرطوس الساحلية، وكل أدوات الإنتاج تشيكية حتى الشعير ولصاقات العبوات.

اقرأ/ي أيضًا: خمارة جبرا.. وحول القاع الدمشقي

لماذا هذا المشروع الآن؟ أمن أجل عشاق البيرة الذين حرموا من الماركتين الشهيرتين "الشرق" و"بردى" بعد أن تم تدميرهما، الأول في حلب، والثاني في ريف دمشق، ولذلك سيتم التعويض عن مستوردات البيرة اللبنانية بأخرى من إنتاج محلي بأيدٍ صديقة.

تنافس بطعم البيرة

دمشق وحلب حاضرتان كبيرتان في كامل بلاد الشام، وأهم مدينتين سوريتين، وبالرغم من اعتماد دمشق كعاصمة إدارية للدولة إلا أن حلب هي عاصمتها الاقتصادية، والمدينة التي تنافس دمشق تاريخيًا وثقافيًا وحضاريًا، وهذا ما كان مثار حوارات ونقاشات ومقالات كثيرة تحسب الفضل لأيٍ من المدنتين على تاريخ البلاد خصوصاً في القرن الأخير الذي شهد ولادة سوريا بخريطتها الحالية.

كذلك تتنافس المدينتان في مطبخهما، وأيضًا في مشروباتهما، ولذلك كانت بيرة بردى دمشقية قصيرة بنكهة خاصة، والشرق طويلة بنكهة حلب، ولهما عشاقهما، ولكن عشاق البيرة خصوصًا في العاصمة يرون أن "بردى" ذات مذاق ألذ كونها منقوعة بماء النهر المقدس.

خمارات ثقافية

قليلة هي المحال في قلب العاصمة التي تقدم المشروبات الروحية خالصة، أي ما يعرف بالخمارات، فهي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وبعضها في أحياء بعيدة عن قلب المدينة ولكن أشهرها ثلاث: "فريدي" و"دمشق" و"أبو جورج".

أبو عصام صاحب "خمارة أبو جورج"

خمارة دمشق التي كانت بالقرب من "سينما دمشق" الشهيرة بجوار بردى، بقلب العاصمة، أغلقت في بداية التسعينات من القرن الماضي، وخمارة "أبو جورج الشامي" في منطقة باب شرقي أحد أشهر أبواب المدينة القديمة، أما "فريدي" فلها موقعها في قلوب طبقة الثقافة والفن في سوريا، وموقعها الجغرافي في جوار مقهى الروضة الشهير، وهما يشكلان مكانًا للمهتمين بشؤون الصحافة والثقافة وشاهدان على سجالات يومية.

من "فريدي" إلى "مقهى الروضة"، يتنقل جيل من المثقفين السوريين والعرب، بين اللوثة والصحو، هنا "عرق الريان"، وهناك أشهى قهوة دمشقية تعيد الرأس إلى صوابه، أو على الأقل بعض الرزانة للخارجين من عند جوزيف مخمورين ومخنوقين باللعنات، وهم يرددون أن أكبر الثورات ومنظريها خرجوا من الخمارات، ومن بقي حيًا منهم صعق بالحقيقة أن أغلب اليسار بشاعريته وهواجسه عن الثورة والتغيير كان خارجها، وأن الجوامع كانت أقدر وأقوى على تجميع الملتاثين بالهتاف.

من "فريدي" إلى "مقهى الروضة"، يتنقل جيل من المثقفين السوريين والعرب

فريدي.. كأس عرق

"فريدي" كان يقدم في بداية التسعينات كل المشروبات الروحية.. "بيرة بردى"، و"جن العنبري"، والكونياك... وكلها تعتبر من المشروبات رخيصة الثمن وذات المفعول السحري القوي، ولكنه لا يقدم العرق إلا صباحًا وحتى الحادية عشرة فقط وبالأقداح، وكان جوزيف صاحبه الذي ورثه عن أهله مكانًا ومهنة كما يقال هو من يقدم لزبائنه من الشعراء والروائيين والصحفيين طلباتهم المخمورة، ويفض المشاجرات ويشرب معهم.

اقرأ/ي أيضًا: عن الأماكن وبروتكولات الفقد

إغلاق الخمارة في نهاية التسعينات ترك فراغًا كبيرًا لدى مرتادي "شارع العابد" بذكرياته، وفألًا سيئًا... فمن هنا تشرب وهنا تشتري الجريدة وبالقرب منهما تحتسي قهوتك، وليس بعيدًا "فلافل بيسان"، و"مكتبة ميسلون"، والأخرى تم إغلاقها منذ سنوات قليلة لتنتهي حقبة من شوارع كانت تعج بأقدام أجيال ساهمت في لوحة الثقافة السورية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دمشق التي لي

دمشق.. فنادق المرجة آخر شهود مرحلة لن تعود