16-يوليو-2017

سنان حسين/ العراق

  • إلى سعدي يوسف

غبش

ثمة سكون، ظلام يملؤك، تقف في منتصف الغرفة، وسط الشتاء، صمت، لا شيء غيرك في هذا الوجود، واقف في مساحة الكون، صمت يلتف حولك، تتنفس بصعوبة، يبدأ خيط أبيض يظهر منك، ربما لأنك تتنفس، تشعر بألفة مع هذا الدخان الأبيض، تداعبه قليلًا، إنه وقت الغبش، لون أزرق باهت، يلون سقف الغرفة، يتسرب وئيدًا، يزحف مثقلًا إليك، يبدأ بملامسة وجهك، الدخان يغدو أزرق شاحبًا، لا تعرف أن كان خلف الغرفة، حديقة مثلًا، أو شجيرة تُهسهس، أنك تستشعر هذا الوجود ولا تراه، ما زال الصمتُ يرن في أذنيك تتمة قصيدة، تنطلق منك الأحرف مع الدخان المتصاعد منك، تكتب شيئًا عن الفجر، عن الضوء الأزرق وهو يظهر من خلف جدار الغرفة، يلامس وجهك، يلامس صمتك الأبدي، من داخلك، تسمع صوت سعدي وهو يكمل القصيدة بدلًا عنك، صوته المترجرج وهو يقول: "لا شيء في الغَبش/ لا رفة جنح/ لا مقصلة لهذا السكون". تغلق عينيك مطولًا، عميقًا، ربما تضيع وسط لون الفجر الأزرق.

 

بين الجدران

تهبط درجات السُلم القاسية، كلما وضعت قدميك، تنثار رنة، مثل قطرات ماء تنز من صنبور، كنت قد سمعته وأنت صاح، يبدو أن لا أحد في الوجود غيرك، تهبط من عليتكَ، لكي تبحث عن ما خلقت، الجدران مطلية بلون أبيض، تشعر بأنها ستسحقك، في غرفة تنفتح على السلم، تقف امرأة بيضاء مترهلة، تصنع فطائر بلون بشرتها، ربما من جلدها الأبيض، توبخك، تقول بأنك ستسرق بناتها الأربع، تتذكر بأن واحدة منهن ماتت، لكنك لم تفكر في أن تسرق، تضع الفطائر في فمك، تميع مثل الشمع بين أسنانك العاجية، يتغير جلدكَ، تصبح شخصًا آخر، تاجر، ربما سندباد، قد أتيت من بلاد بعيدة، تلبس الحرير، وتمشي بابتسامة مريرة، تعبر الغرفة، تقف في وسط الباحة.

 

عند الباب، وسط الليل

تقف عند باب حديدي كبير، تنظر الى طوله، تتلمسهُ، تشعر بأنه خلاصك من هذا الحلم، لكن الليل يهبط بوحشته، ظلام يبتلعك، تقول بأنك ستكمل القصيدة، سيكون هذا الجزء عن الليل، يخطف شبحًا في ذاكرتك، شبحًا لشخص قد مات في الاقتتال الطائفي، ربما ستكتب عن الليل، عن رحلتك السماوية، أو تفتح الباب لتنهي الحلم، تغلق عينيك، نجوم وشهب وكواكب تسبح في جفنك المثقل من الكوابيس، تستمع بالرؤية، تتذكر طفولتك، عندما كنت تغلق جفنك، وتسبح أنت في الفضاء، يرجعُ سعدي ليكمل قصيدته، أو قصيدتك، لا تعرف، لا تعرف من أنت، لكن صوت سعدي يقطع الليل يتذكر من قُتل، الأرواح وهي تائهةٌ وسط هذا الظلام يصرخ صوت في صدرك "الليلُ/ حيث تتيه الأرواح المقتولة/ الثياب المنقوعة بدم أحمر لزج/ حيث تئن وتتعذب". الليل يثقل عليك، تتلمس الطريق، الباب، تمسك قبضتيه الكبيرتين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صرخات غير مبررة

الذين يأخذون أصابعي