07-يونيو-2018

غلاف الكتاب

يُمكننا، إلى حدّ بعيد، وصف كتاب "حياة الكتابة: مقالات مترجمة عن الكتابة" (دار مسكيلياني، 2018) إعداد وترجمة عبد الله الزماي، بأنّه رحلة استكشافية في كواليس صناعة الأدب. ههنا إذًا 9 روائيين يزيحون اللثام عن حياة خفية توارت خلف أعمالهم الأدبية، وذلك من خلال استعادتهم لبعض المحطّات الأساسية فيها.

تضع إيزابيل الليندي بين يدي قرّاءها أسرارًا تتكشّف عمّا هو خلف أعمالها الأدبية التي كُتبت لأنها مُنحت طفولة تعيسة

تحت عنوان "كُتبي رفاقي العقلاء والمجانين في مجتمع محافظ"، تعترف الروائية التركية ألف شافاق (1971) بأنّها دخلت إلى عالم الأدب من باب الأجواء الرتيبة والمملة التي كانت تقضيها بمفردها لساعاتٍ طويلة عندما كانت طفلة. أي أنّ أعمالها الأدبية التي أنجزتها كانت ثمار وحدتها، وتجوّلها المستمر واليوميّ فيما تُسمّيه "أرض القصص"، أي عالم الأدب. وتعتبر صاحبة "قواعد العشق الأربعون" أنّ هذه الأرض/ العالم هي الوحيدة غير الخاضعة لقيود المجتمع، وتصفها بأنّها الأرض التي ينبض فيها كل شيء بالحياة، عدا عن أنّها الأرض التي لدى أشيائها دائمًا ما يستحق أن يُروى.

اقرأ/ي أيضًا: في مطبخ الكتابة

الصورة التي كوّنتها ألف شافاق عن نفسها، هي صورة الطفلة المنشغلة بكلّ شيء عداها. هكذا، سوف تتحوّل المفكّرة التي ابتاعتها لها والدتها من مساحة لتدوين يومياتها إلى مسرح تدور عليه حياة أناس لا وجود لهم، وأشياء لم تحدث نهائيًا، متجاوزةً حدود الواقع إلى الخيال، لتصير رواية القصص هي شغفها الوحيد في حياتها.

الكتابة عند الروائية التشيلية إيزابيل الليندي (1942) هي "العثور على الكنوز المخبأة، وإعطاء الأحداث البالية بريقًا، وإنعاش الروح المتعبة بالخيال، وخلق حقيقة معيّنة من أكاذيب كثيرة". بهذا اختزلت صاحبة "صورة عتيقة" تجربتها الأدبية التي نهض جزءًا منها، بل أجزاءً منها، على ثلاثية الوجع والفقد والذاكرة. وتحت عنوان "شهرزاد أميركا اللاتينية"، تُميط صاحبة "ما وراء الشتاء" اللثام عن عددٍ من الأسرار المُتعلّقة بحياتها الأدبية بالدرجة الأولى، والمتشابكة على نحوٍ عميق مع حياتها الشخصية أيضًا.

سوف نكتشف أنّ السبب وراء وفرة الأطفال الذين تخلّى عنهم آباؤهم في أعمال الليندي، هو تخلّي والدها عنها في صغرها. وأنّها كتبت روايتها الأولى "بيت الأرواح" كرسالة إلى جدّها الذي توفيّ دون أن تستطيع حضور جنازته، بعد مغادرتها تشيلي إثر الانقلاب العسكري. عدا عن أنّها فقدت القدرة على الكتابة بعد إنهائها لرواية "باولا" التي كتبتها بعد وفاة ابنتها. هكذا تضع إيزابيل الليندي بين يدي قرّاءها أسرارًا تتكشّف عمّا هو خلف أعمالها الأدبية التي كُتبت لأنّ صاحبتها، وكما جاء على لسانها، مُنحت طفولة تعيسة وعائلة غريبة. وتاليًا، جاءت الكتابة لا كنوع من الردّ المؤجّل وحسب، إنّما وسيلةً مكّنت صاحبة "دفتر مايا" من اكتشاف نفسها الجامحة والمتوهّجة.

كازو إيشيغورو، الروائي البريطانيّ ذو الأصول اليابانية، والحائز على جائزة نوبل 2017، يحكي لقرّائه عن الأجواء التي صاحبت كتابته لرواية "بقايا اليوم"، والتي أنجز مسودّتها الأولى خلال أربع أسابيع فقط. وهنا يقول صاحب "عندما كنّا يتامى" إنّ ما حقّقه من نجاح ترك تأثيرًا سلبيًا عليه لجهة الوقت الذي فقد القدرة على السيطرة عليه، وبالتالي تدنّي مستوى إنتاجيته، ما دفعه وزوجته للبحث عن مخرج من هذه الأزمة.

هكذا ألغى كازو إيشيغورو جدول مواعيده لمدّة أربعة أسابيع، وتفرّغ بشكلٍ كلّي للكتابة. يقول إنّه كان يجلس إلى طاولة المطبخ ويبدأ بالكتابة منذ التاسعة صباحًا وحتّى العاشرة والنصف ليلًا. وهكذا إلى أن انتهى من روايته، مبدئيًا، في ظرف أربعة أسابيع فقط من العمل المستمر والعزلة التامّة.

على الجانب الآخر، يروي لنا الروائي اليابانيّ الشهير هاروكي موراكامي (1949) جزءًا مهمًا من حياته الشخصية، والمرتبط دون شك بحياته الأدبية. وعلى هذا النحو، نتعرّف إلى شاب نسف نمط الحياة السائد للفرد في اليابان، إذ إنّ صاحب "كافكا على الشاطئ"، وعلى عكس ما هو سائد، تزوّج أولًا، ثم شرع في البحث عن عمل ثانيًا، وتخرّج أخيرًا. ما وضعه إزاء حياة صعبة وشاقّة، فرضت عليه ساعات طويلة من العمل ليدخّر ما يمكّنه من افتتاح مقهى صغير يجعله بعيدًا عن مأساة العمل الوظيفيّ.

أمّا عن فكرة كتابة رواية، يقول صاحب "الغابة النرويجية" إنّها راودته أثناء حضوره مباراة بيسبول. المباراة التي انتصر فيها الفريق الذي يشجّعه موراكامي، عكس ما كان متوقعًا، غيّرت من مسار حياته. سوف يبدأ بكتابة روايته الأولى في الساعات القليلة التي تسبق الفجر، أي بعد عودته من المقهى الذي يديره. وعلى هذا المنوال، أنجز موراكامي روايته "أسمع الريح تُغنّي" ليدخل بعدها في حالة من الشكّ وعدم الثقة بما أنجزه، لا سيما وأنّه لم يكن آنذاك على علم بالكيفية التي تُكتب بها الرواية، إذ كان يعتمد على التخمين فقط.

انتهى كازو إيشيغورو من كتابة روايته في ظرف أربعة أسابيع من العمل المستمر والعزلة التامّة

هكذا أعاد صاحب "جنوب الحدود، غرب الشمس" كتابة روايته مجدّدًا، ولكن هذه المرّة باللغة الإنجليزية التي مكّنته من التعبير عن أفكاره ومشاعره بمجموعة محدودة من الكلمات، على عكس اللغة اليابانية المعقّدة. ويذكر هاروكي موراكامي أنّ الأسلوب المميز الذي تتّسم به أعماله في اليابان، جاء نتيجة نقله لرواياته من اللغة الإنجليزية إلى اليابانية بنفسه.

اقرأ/ي أيضًا: اكتب روايتك الآن.. 7 مصادر لتعلم الكتابة الروائية

لا يضعنا كتاب "حياة الكتابة" إزاء أسرار أو اعترافات خطيرة لهؤلاء الروائيين وغيرهم، بل يضعنا إزاء أحاديث يرويها الروائيون أنفسهم عن نفسهم وتجربتهم مع الأدب والكتابة والحياة. وبالتالي، نحن إزاء كتاب يُقرأ لغرض التسلية والتعرّف أكثر إلى هؤلاء الكتّاب فقط.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وحش "الكلام الفارغ".. أو لماذا صرت أخاف من الكتابة

إيلينا فيرانتي: "الكتابة موجودة دائمًا.. ملحّة دائمًا"