06-يونيو-2017

لإسرائيل يد طولى في الحملة الخليجية على قطر (ليور مزراحي/Getty)

ما الذي تريده السعودية وما الذي ترتب له أبوظبي؟ ولماذا تتواصل مع إسرائيل بنعومة تكاد تجعل "تطبيع العلاقات" لا شيء إلى جانب حالة الحميمية التي تتعامل الدولتان بها؟ ما الذي يجري وراء الكواليس وعبر الخطوط الساخنة في الشرق الأوسط الذي تتربع فيه إسرائيل ولا تريد الخروج منه؟ وإذا ما ابتعدت قليلًا، تركت أورامًا لا تغادر الجسد بسهولة، فأهلًا بأبوظبي والسعودية أورامًا للشرق الأوسط الجديد.

صحف تل أبيب تروج أكاذيب السعودية وأبوظبي

احتفت صحف تل أبيب، على نحوٍ غير مسبوق، بالقطيعة التي أعلنتها ثلاث دول خليجية وتابعوها في المنطقة، مع قطر. فقد اهتمت صحف ووسائل إعلام عبرية بما حدث، وأبرزته عبر في تغطياتها الأولى، فقالت صحيفة يديعوت أحرونوت، إن "ما يصيب قطر عملية ترويض لدولة متمرّدة تلعب عدّة ألعاب مزدوجة، تشارك مع السعودية في حرب اليمن، وفي التصعيد ضد إيران، والنظام السوري، بينما تتعاون معهما في الخفاء"، بحسب الصحيفة التي انتهجت في تغطيتها نهج الدول المقاطعة. وهذا أمر لا عجب فيه، أي سلوك يديعوت أحرونوت، وهذا لسيطرة الملياردير ورجل الإعلام الصهيوني شيلدون أديلسون عليها وتورط هذا الأخير بالترتيبات مع يوسف العتيبة ضد قطر من واشنطن وفق تسريبات الرسائل الالكترونية الشهيرة للعتيبة، كما أن الصحيفة نفسها متورطة بملفات فساد وكذب لصالح بنيامين نتنياهو وهي منظورة أمام القضاء.

استخدمت صحف اليمين الإسرائيلي نفس اللغة التحريضية ونفس الاتهامات التي استخدمتها الدول المقاطعة لقطر

وأضافت الصحيفة العبرية في تحليل عسكري، مستغلَّة "ألفاظًا تحريضية": "قطر كانت تحول دعمًا ماليًا لحركة حماس في قطاع غزة، عبر قناتين، الأولى علنية لإعادة إعمار قطاع غزة، والثانية عبر قادة الجناح العسكري لحماس"، مُشيرةً إلى أنّ اتهامات الدول المقاطعة لقطر، حقائق تتهرب منها قطر، لكن الصحيفة تجاهلت أنّ قطر لا تخفي دعمها لحماس كحركة مقاومة فلسطينية ضد الاحتلال، وأنه بسبب هذا الدعم المعلن الواضح للجميع، تتعرض قطر للاتهام بدعم الإرهاب من طرف من يعتبرون المقاومة الفلسطينية إرهابًا.

اقرأ/ي أيضًا: قطع العلاقات مع قطر.. كل شيء عن مؤامرة أبوظبي

بدأ التحريض الإسرائيليّ، وحملة التواصل مع عدّة دول عربية لإثارتها ضد الدوحة، منذ منح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضوءًا أخضر للانقضاض على حماس، خلال قمة الرياض، حين وصفها بالحركة "الإرهابية"، فاستلمت تل أبيب طرف الخيط، وبدأت التحريض ضد الدول المساندة للحركة، وتأتي قطر في المرتبة الأولى، فهي الدولة العربية الوحيدة التي حاولت فتح قنوات حوار جادة بين إسرائيل وحماس.

وذكرت صحف إسرائيل تحليلات ومعلومات تدفع في الاتجاه المعاكس لنوايا قطر، إلا أنها أكَّدت، في نفس الوقت، أن السعودية وأبوظبي كانتا وراء القطيعة العربية، وأنهما تسعيان منذ فترة لإقناع الإدارة الأميركية بأن قطر "تلعب لعبة مزدوجة آن الأوان لإنهائها"، وهو ما ذكرته صحيفة معاريف.

سعودي يقدّم موقف إسرائيل من المقاطعة عبر شاشة إسرائيلية

على القناة الإسرائيلية الثانية، ظهر السعودي عبد الحميد الحكيم، مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في جدة، وصاحب الرأي القائل بأن الإسرائيليين "شعب يعشق السلام"، قائلًا إن "قرار مقاطعة قطر مهم من أجل السلام، وأعرف أن إسرائيل تتفهَّم ذلك".

جاء تصريح الحكيم، عبر سكايب، بعد هجوم قاس شنَّه على قطر، متحدثًا عن الإرهاب، فيما تجاهل "وكر الإرهابيين" الذي خرج منه، وخرج منه رؤوس الإرهاب في العالم، وهذه المرة ظهر فيها ضيف سعودي، مقرب من الحكم، على قناة إسرائيلية، معلنًا ما هو أكثر من التطبيع.

وبتحريضه على قطر، قدّم المحلل السعودي لأول رد فعل إسرائيلي رسمي، إذ اعتبر وزير جيش الاحتلال، أفيغدور ليبرمان، أن قرار قطع العلاقات مع قطر "فرصة ممتازة لتوحيد الجهود مع إسرائيل"، فيما نقلت وسائل إعلام إسرائيلي عن ليبرمان قوله: "حتى الدول العربية بدأت تدرك أن الإرهاب هو الأزمة، وهذه فرصة للتعاون".

وأشار ليبرمان إلى تنسيق إسرائيلي خليجي مُشترك، ربما يكون بوساطة مصرية، ضد الدوحة، لقطع يدها الممسكة بيد إسرائيل أن تقتحم المنطقة العربية. وبدا ذلك واضحًا في تصريح ليبرمان بأنّ "القرار الخليجي يُمكّن إسرائيل، في حقيقة الأمر، من مد يدها للتعاون في المعركة ضد الإرهاب".

المقاطعة تمهّد لتقارب إسرائيلي مع سلمان وبن زايد

بتتبع الخط الزمني للعلاقات القطرية الإسرائيلية، يتضح كيف أن الدوحة تمثل حجر عقبة في طريق توسع المشروع العبري في المنطقة، لعدة اعتبارات. ونضع لكم هنا الخط الزمني الذي يوضح ذلك:

  • في عام 2008 استضافت قطر مؤتمرًا عربيًا إسلاميًا لمناقشة الصراع في غزة. وتضمّن دعوة إلى إنهاء وقطع العلاقات مع تل أبيب، وعلى إثره أُغلق المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة، واستقر دعم قطر لغزة واستضافتها قادة من حركة حماس.
  • في عام 2012 دعت الدوحة لتحقيق دولي في كل العمليات الإسرائيلية بالقدس المحتلة منذ عام 1967، والتي تهدف إلى طمس الهوية العربية والإسلامية. وتسبَّبت هذه الخطوة في ضرر كبير لتل أبيب.
  • في عام 2012 أيضًا، زار الأمير الوالد حمد بن خليفة آل ثاني، قطاع غزة المحاصر، وهي أول زيارة من نوعها لزعيم عربي منذ الحصار الإسرائيلي، ما سبَّب غضبًا داخليًا في إسرائيل، لأنه كسر الطوق المفروض، مانحًا حماس شرعية من خارج القطاع كانت بحاجةٍ إليها، علمًا أن الأمير الوالد كان قد زار غزة وياسر عرفات فيها أواخر عقد التسعينات.
  • وصفت إسرائيل قطر، بالعدو اللدود، بعيد تجميد العلاقات التجارية بين البلدين، في أعقاب عملية الرصاص المصبوب على غزة في 2008.
  • عام 2014 وخلال ارتفاع حدّة الحرب على غزة، هاجم ليبرمان وكان وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، قطر، قائلًا إنها "عمود فقري للإرهاب في العالم"، رغم أنّ جيشه المحتل كان يضرب غزة ويبيد أطفالها!

بدورها استلمت صحيفة "جيروزاليم بوست" طرف الخيط، بنشرها مقالًا بعنوان "5 أسباب تجعل إسرائيل معنية بالأزمة القطرية"، ذكرت فيه أنّ "التمهيد للتقارب بين إسرائيل من جهة، والسعودية ودول الخليج الأخرى ومصر من جهة أخرى، هو المكسب الأول لكل الأطراف". يتضح إذن أنها مؤامرة عربية عبرية على قطر.

بمزيد من التوضيح، قالت الصحيفة العبرية، إن "الأزمة تساهم في تعزيز مواقع إسرائيل في المنطقة بشكل عام، ومواقع الحكومة الإسرائيلية الحالية بشكل خاص". هذه إذن مصلحة تل أبيب من وجهة نظر إسرائيلية. ففي رقبة من نعلق الجرس؟ تُشير العصا الآن إلى دور ترتب له من وقت طويل، أبوظبي والرياض مع تل أبيب، بدأت به هذه المؤامرة.

أبوظبي تبحث عن حضن الولايات المتحدة

دعونا نركّز على "التمهيد للتقارب بين إسرائيل وعقدتيْ الخليج، السعودية والإمارات"، السبب الأبرز الذي يجعل إسرائيل معنية بالأزمة القطرية، وفق "جيروزاليم بوست". لماذا تطلّ الإمارات برأسها الآن لتصنع أزمة؟ منذ زمن تحاول الدولة، التي تتكون من سبع إمارات، أن تصل إلى واشنطن، ومن أجل ذلك قدمت أكثر من مرة فروض الولاء والطاعة.

تريد الإمارات الوصول لواشنطن منذ وقت بعيد، يتضح ذلك من تصريح العتيبة لصحيفة أمريكية: "نحن أخلص أصدقائكم في ذلك الجزء من العالم"

نحن الآن في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2014. يجلس سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة -المُثار حول تسريبات بريده الإلكتروني فضائح واسعة- على كرسي أمام مراسل صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، يجيب عن سؤال بشأن اعتبار الإمارات، الآن، "أسبرطة الصغيرة"، لكنه يخرج من سياق السؤال ليوجَّه رسائله إلى رأس الدولة في أمريكا، متخليًا عن دبلوماسيته. قال: "نحن مختلفون عن جيراننا، نحن أخلص أصدقائكم في ذلك الجزء من العالم".

تريد الإمارات أن تصل إلى واشنطن منذ وقت بعيد، ترتكب حماقات، توقع بين العرب وبعضهم، تدير مؤامرات كما جرى في مصر ضد أول رئيس مدني منتخب، كذلك ما جرى، فقد دفعت السعودية إلى حافة الصراع، الذي طال الدوحة. كل هذا من أجل أن تصل لأحضان الولايات المتحدة وفق توصيات مستشارها الآثم والمتورط في احتلال العراق توني بلير.

ما الذي تريده الإمارات والسعودية إذن؟

يمكن أن نلخّص ذلك في نقاط:

1. تقحم الإمارات نفسها في مقامرة لإخلاء قاعدة العديد الجوية الأمريكية من قطر، ونقلها لإحدى إماراتها، طمعًا في نوع من الحماية والقرب من الولايات المتحدة، خاصة بعد نمو العلاقات الأمريكية الإماراتية، عقب وصول ترامب إلى سدة الحكم، بخاصة وأنه تربط يوسف العتيبة، صاحب التسريبات، علاقات قوية مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره، ففي مقال لمجلة بوليتيكو، قالت إنّ كوشنر على اتصال دائم بالعتيبة عبر الهاتف والبريد الإلكتروني.

2. بدت في تحركات ترامب، الداعمة لسياسات مصر والسعودية، بعدما دفعت الأخيرة ما سُمّي في عدة تحليلات وعلى لسان مراقبين "رشوة حماية" و"جزية"، بلغت حوالي 380 مليار دولار، أن هناك توترًا في الأجواء بين الدوحة وواشنطن، خاصة أن الأمريكي يحمل راية الحرب على الإرهاب ويعتبر حماس منظمة إرهابية، بينما قطر تدعمها كحركة مقاومة وفصيل فلسطيني يدافع عن شعبه. استغلت الإمارات ذلك لتعكير صفو العلاقات في محاولة لنيل أي شيء.

مع ذلك، جدير بالإشارة أن الولايات المتحدة ومنذ بدء الأزمة الخليجية مع قطر، وهي تؤكد على متانة علاقاتها مع قطر، وقوة شراكتهما في التصدي للإرهاب. لكن ترامب من جهته نشر تغريدتين على حسابه بتويتر، الأولى يبدو أنه أراد من ورائها أن ينفي أن لزيارته إلى الرياض أي علاقة بقطع العلاقات مع قطر، إذ قال: "في جولتي الأخيرة بالشرق الأوسط، شددت على ضرورة ألا يستمر تمويل التطرف، فأشار قادة الدول إلى قطر!".

ثم نشر تغريدات اُخرى متتالية، قال فيها: "من الجيد جدًا رؤية أن زيارتي للسعودية بحضور زعماء 50 دولة، تؤتي ثمارها. لقد قالوا إنهم سيتخذون موقفًا حازمًا ضد تمويل التطرف. وكانت كل الإشارات تذهب نحو قطر. ولعلها بداية نهاية رعب الإرهاب".

 

 

3. تبحث الإمارات عن شريك قوي يقف معها في حربها المزعومة ضد إيران، للتحايل على الرياض، فمن غير أمريكا؟ ولذلك قال ديفيد وينبيرغ، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) اليمينية المتشددة، الشهر الماضي، إن "الإمارات متحمسة جدًا حيال طبيعة السياسة الخارجية الجديدة لإدارة الرئيس ترامب فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط"، كما أفاد ديفيد وينبيرغ لصالح مجلة "أرابيان بزنس"، بأن "الإماراتيين كانوا يبحثون عن شريك أمريكي موثوق للوقوف في وجه إيران. في الواقع، ترغب الإمارات في أن تجسد أمريكا أقوالها على أرض الواقع وتحولها إلى أفعال".

ثمة حالة سلام دافئ بين السعودية وإسرائيل برعاية أمريكية، وعندما ارتفعت حدة الصراع بين الدوحة وتل أبيب تحركت السعودية فورًا ضد قطر

4. منذ وقت طويل، تُرتب الإمارات لنقل مركز العمليات الأمريكية لديها، ولذلك تتقرَّب إلى إسرائيل، وبينهما تعاون عسكري تجاوز أكثر من مرحلة، وصولًا إلى المناورات الجوية، على أمل أن تساعدها وتدعمها في علاقتها بأمريكا، ولاكتساب ثقل مُؤثر في المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تستخدم أبوظبي تهمة إسرائيل لتمرير تعاونها معها؟

5. تتبادل السعودية الوفود مع إسرائيل، وعلى رأسها المطبع الأكبر أنور عشقي، فلم يكن غريبًا أن يعلن الموقف الإسرائيلي من "القطيعة العربية" محللٌ سعودي. هناك حالة سلام دافئ بين البلديْن برعاية أمريكية. في الفترة الأخيرة، ارتفعت حدّة الصراع بين الدوحة وتل أبيب، فكان الحلّ الوحيد أن تتحرك دول الخليج ضد قطر، وهو ما جرى بعد زيارة ترامب، فاشتعلت المنطقة ضد الدوحة كرمى لعيون تل أبيب بأيادي أبوظبي والرياض وأبواقهما.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 تقدير موقف: أزمة العلاقات الخليجية القطرية.. في أسباب الحملة ودوافعها

مغردون يرفضون قطع العلاقات مع قطر.. استهجان القرار وانتباه لبهجة إسرائيل به