08-مارس-2018

وضعية الحقوق والحريات في مصر هي الأسوأ منذ سنوات (أحمد أسعد/ APA)

صدر بالأمس، الأربعاء السابع من آذار/مارس 2018، بيان عن المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين، في الدورة الـ37 لمجلس حقوق الإنسان، حول التطورات الأخيرة في ملف حقوق الإنسان عالميًا. وقد جاء بطبيعة الحال على ذكر وضعية حقوق الإنسان في مصر.

أصدر المفوض السامي لحقوق الإنسان بيانًا تحدث فيه عن التدهور الشديد لحقوق الإنسان في مصر، خاصة على ضوء الانتخابات الرئاسية المرتقبة

وقال زيد بن رعد في بيانه: "في مصر يساورني شعور بالقلق إزاء طبيعة مناخ التخويف السائد في سياق الانتخابات الرئاسية المنعقدة هذا الشهر"، ثم أشار إلى "الضغوطات" التي تعرض لها المرشحون المحتملون للانسحاب في السباق الانتخابي أو اعتقال بعضهم، كما الحال مع سامي عنان الذي اعتقل بعد إعلانه الترشح للرئاسيات في مواجهة الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.

اقرأ/ي أيضًا: السيسي ينافس نفسه.. الجيش يعتقل عنان بتهمة الترشح أمام الجنرال

وتحدث بيان زيد بن رعد كذلك عن "إسكات وسائل الإعلام المستقلة" وحجب أكثر من 400 موقع إلكتروني ما بين إعلامي وحقوقي وحتى مواقع تجاوز الحجب، كما لفت إلى الاستهداف المتواصل للحقوقيين والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني والسياسيين المعارضين، وذكر كذلك القمع الذي يتعرض له أنصار جماعة الإخوان المسلمين. 

لم ينسَ زيد بن رعد، أن يُشير مُؤخرًا إلى التقارير التي تتحدث عن التعذيب في السجون المصرية وأماكن الاحتجاز، قبل أن يختم حديثه عن مصر بقوله، إن "المصريين لديهم تطلعات مشروعة للعيش في بلد حر وديمقراطي. وأحثّ على إظهار احترام أكبر لحرياتهم وحقوقهم الأساسية".

لكن بيان المفوض السامي لحقوق الإنسان، لم يُعجب السلطات المصرية، أو بالأحرى أثار حفيظتها، وهي التي باتت تتعامل مع التقارير الحقوقية بحساسية شديدة، وتواجهها بلهجة عدائية إما بالمنع أو الاعتقال، وإن لم تستطع فبالحجب كما الحال مع موقع منظمة هيومن رايتس ووتش، بعد تقرير المنظمة حول التعذيب في مصر، تحت عنوان "أشياء لا تصدق"، الصادر العام الماضي.

وجاء الرد الرسمي سريعًا من مصر، عن طريق وزارة الخارجية التي أصدرت بيانًا، نشرته على صفحتها الرسمية بفيسبوك، استنكرت فيه "بشدة" ما جاء في بيان المفوض السامي لحقوق الإنسان. ووصفت الخارجية ما ذكره زيد بن رعد في بيانه عن مصر، بـ"الادعاءات الواهية".

وكالعادة اعتبرت الخارجية المصرية أن بيان زيد بن رعد يستهدف النيل من مصر، وفيما يخص جزئية "حالة التخويف السائد في سياق الانتخابات الرئاسية المرتقبة"، اعتبر بيان الخارجية أن ذلك يُعد استهدافًا لمصداقية ونزاهة الانتخابات!

المثير في بيان الخارجية، بالإضافة إلى وصف العملية الانتخابية بالمصداقية والنزاهة، هو أنه وصف المجتمع المدني المصري بـ"الشريك الأساسي في عملية التحول والتطوير التي تشهدها مصر"، بالتجاهل على الأقل لقانون الجمعيات الأهلية المعاب، والذي انتقده القاصي والداني من النشطاء الحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني.

وأخيرًا دعت الخارجية في بيانها إلى "الكف عن مهاجمة الدولة المصرية دون وجه حق"، و"الالتفات إلى حجم التقدم المُحرز على صعيد التحول الديمقراطي، وحرص الدولة على إرساء قاعدة حقوقية واسعة وفقًا للدستور، واستنادًا إلى قناعة راسخة بأهمة الارتقاء بمفاهيم حقوق الإنسان"!

"الادعاءات المغلوطة" ليست كذلك

لو ثمّة مقياس موضوعي لحالة حقوق الإنسان في مصر عام 2017، فعلى الأرجح سيشير إليه باعتباره العام الذي شهد أسوأ تدهور لوضعية الحقوق والحريات في البلاد.

وأول ما يمكن تناوله هو المناخ العام للانتخابات الرئاسية في مصر، المزمع عقدها خلال الشهر الجاري، والتي أجمعت 14 منظمة حقوقية دولية وإقليمية أنها تقام في أجواء تخلو من الحرية والنزاهة والديمقراطية، حيث بدأت المواجهات الحاسمة مع المرشحين باعتقال سامي عنان عسكريًا، وكذا الحال من قبله مع أحمد قنصوة، ضابط الجيش المتقاعد.

كما وُضع أحمد شفيق، بعد إعلانه الترشح للرئاسيات، وترحيله إلى مصر من قبل السلطات الإماراتية؛ رهن الإقامة الجبرية غير المعلنة في أحد فنادق العاصمة، قبل أن يُعلن على الملأ انسحابه من السباق الانتخابي.

ما جاء في بيان المفوض السامي لحقوق الإنسان، ليس إلا لمحة مختصرة عن واقع شديد السوء للحقوق والحريات في مصر   

أما المرشح الوحيد الذي يواجه السيسي حاليًا في الانتخابات، فهو موسى مصطفى موسى، الذي تقدم بأوراقه لخوض الانتخابات في اللحظات الأخيرة قبل غلق باب الترشح، وأعلن قبل ذلك بساعات نيته للترشح، مع أسئلة كثيرة حول كيفية جمع أعداد التوكيلات المطلوبة (25 ألف توكيل من مختلف المحافظات).

اقرأ/ي أيضًا: "أشياء لا تصدق".. تقارير جديدة تفضح جرائم التعذيب لدى أجهزة الأمن المصرية

وموسى مصطفى موسى، وهو رئيس حزب الغد بعد السيطرة عليه باقتحامه بالبلطجية، حتى عُرف بـ"سارق الأحزاب"، سبق وأطلق حملة "مؤيدون" لدعم السيسي في الانتخابات. حتى أنّه عند إعلانه الترشح وبعد ساعات من ذلك، ظلت صور دعم السيسي على صفحته بفيسبوك.

كما اعتقل النظام المصري رئيس حزب مصر القوية عبدالمنعم أبو الفتوح عقب لقاء أجراه مع قناة العربي في لندن، ومن قبل أُلقي القبض على نائبه محمد القصاص، ومُنعت أسرته من دخول منزله.

أما بالنسبة لوضع الإعلام والصحافة، فقد وثقت منظمة العفو الدولية في تقرير لها، اعتقال 15 صحفيًا مصريًا على الأقل في عام 2017، بتهم تتعلق بكتاباتهم، وأشارت أيضًا إلى حجب ما لا يقل عن 434 موقعًا إلكترونيًا، ما بين مواقع صحفية وإعلامية وأُخرى حقوقية. وموقع "ألترا صوت" من بين المواقع المحجوبة في مصر، وغيره من المواقع الصحفية. 

ومؤخرًا تعرض الزميلين الصحفيين مصطفى الأعصر وحسن البنا للإخفاء القسري لنحو أسبوعين، قبل ظهورهما على ذمة قضية جديدة هي القضية 441 لسنة 2018. كما اعتقل مُؤخرًا الزميل الصحفي معتز ودنان بعد حواره مع هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات. 

وآخر الاعتقالات كان من نصيب الصحفية مي الصباغ أثناء إعداد تحقيقًا مصورًا عن "التروماي"، وهو أشهر وسائل المواصلات الشعبية في الإسكندرية.

ولا يُستثنى المجتمع المدني من التدهور العام، خاصة بعد قانون الجمعيات الأهلية الذي يعطي السلطات التنفيذية، الأمنية منها تحديدًا، صلاحيات واسعة للسيطرة على منظمات المجتمع المدني وعملها وإصداراتها، فيقضي بحل الجمعية/المنظمة والعقوبة بالسجن، في حال نشر بحوث دون إذن حكومي.

المفارقة أن تنتظر السلطات المصرية، بل تطالب، بأن تكون التقارير الدولية على هواها ومشيدة بها مع تغافل كامل لواقع يشهد عليه العالم

إجمالًا، "الادعاءات المغلوطة" بوصف بيان الخارجية المصرية في إشارة لبيان المفوض السامي لحقوق الإنسان؛ ليست كذلك، بل هي جزء بسيط عن واقع حالة الحقوق والحريات في البلاد. وتكمن المفارقة في أن تنتظر السلطات المصرية، بل تطالب، بأن تكون التقارير الدولية على هواها ومشيدة بها، مع تغافل كامل لواقع يشهد عليه العالم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حقوق الإنسان في مصر.. مأسسة الانتهاكات

المفوض السامي لحقوق الإنسان لن يمدد في منصبه: "مهمتي بلا جدوى"