25-مايو-2017

تستعد كافة الفصائل المتقاتلة في سوريا لحرب شرسة للسيطرة على البادية (Getty)

دخلت البادية السورية مرحلة جديدة من المعارك الدائرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يسيطر على مساحات شاسعة منها، بعد تسابق النظام السوري مدعومًا بالميليشيات الأجنبية من طرف، والفصائل السورية التي تتلقى دعمًا من الجيشين الأمريكي والبريطاني قرب الحدود الأردنية  السورية، نظرًا لما تمثله السيطرة على المنطقة من فتحٍ للطريق، بالتقدم نحو مدينة "البوكمال" في ريف دير الزور، وهي أحد أهم معاقل قيادات التنظيم الفارّين من العراق إثر الهزائم المتتالية له هناك.

صراع النفوذ في البادية السورية

قبل نحو ثلاثة أيام أعلن جيش "أحرار العشائر" في بيان مشترك مع فصائل الجيش السوري الحر، إطلاق عملية "بركان البادية" ضد الميليشيات الإيرانية في المنطقة، والتي سبقها بأيام قليلة استهداف مقاتلات التحالف الدولي رتلًا عسكريًا يضم مقاتلين من قوات الأسد والميليشيات العراقية متوجهة لقاعدة عسكرية تتلقى فيها المعارضة السورية تدريبات عسكرية من القوات الأمريكية والبريطانية، شمال غرب "التنف" قرب الحدود الأردنية.

استطاع داعش خلال السنوات الماضية بسط سيطرته على مساحات شاسعة من البادية السورية، فتح فيها ممرات آمنة بين سوريا والعراق

واستطاع داعش على مدار الأعوام الثلاثة الماضي أن يبسط سيطرته على مساحات واسعة من البادية السورية، تمكن فيها من إحكام قبضته على بلدات في ريف دمشق الغربي وصولًا إلى أقصى شرق سوريا، استطاع فيها أن يفتح ممرًا أمنًا لمقاتليه بين سوريا والعراق، قبل أن تبدأ معركة الموصل، وبعدها عمليتي درع الفرات بقيادة القوات التركية ومعها قوات من الجيش السوري الحر، وغضب الفرات بقيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من التحالف الدولي، ما أدى لتقليص مناطق نفوذه بشكل كبير، وجعله محاصرًا ضمن هذه المساحة الجغرافية.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا لن تنتهي "داعش" بعد الموصل؟

وفي محاولة لتخفيف الضغوطات العسكرية على مقاتليه تبنى داعش، يوم الثلاثاء الماضي، التفجيرين الذين ضربا منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، وحي الزهراء في مدينة حمص، حيثُ أسفر التفجير الثاني عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة العشرات بجروح، رغم أن المدينتين تشهدان انتشارًا مكثفًا لقوات الأسد والميليشيات الأجنبية الموالية له، والتي تسيطر بشكل كامل على منطقة السيدة زينب بحجة حماية "المراقد المقدسة"، إضافة لانتشار القوات الروسية فيهما.

واللافت في التفجيرين أنهما جاءا بالتزامن مع الحديث المرتبط بإخلاء التنظيم لمقراته في ثلاثة مناطق بجنوب دمشق، دون أن تضح تفاصيل الأخبار المتداولة حول طبيعة الاتفاق المبرم مع النظام السوري،  كون التنظيم يفرض تضييقًا إعلاميًا على مناطق سيطرته. 

وكانت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، قد نشرت في أيار/مايو 2016، وثائق تؤكد تعاون النظام السوري مع داعش، إضافة للوثائق التي حصلت عليها القوات العراقية في إحدى مقرات التنظيم بالموصل، والتي تُظهر جدول دفعات مالية بين الطرفين، ما يطرح سؤالًا عما إذا هناك بالفعل تعاون عسكري بين داعش والنظام السوري، أم أنها مجرد شائعات؟

وثيقة نشرتها صحيفة ديلي ميل البريطانية تشير إلى اتصال بين داعش والنظام السوري
وثيقة نشرتها صحيفة ديلي ميل البريطانية تشير إلى اتصال بين داعش والنظام السوري

البادية السورية هدف إيران القادم

تدرك إيران جيدًا أهمية السيطرة على البادية السورية لأن هذه السيطرة تسمح لها بالتحكم في طريق "دمشق – بغداد"، لكنها اصطدمت مؤخرًا بالدعم الذي تلقته فصائل الجيش الحر المتمركزة قرب الحدود الأردنية، استعدادًا لبدء عملية عسكرية واسعة النطاق، تتقدم فيها اتجاه مدينة "البوكمال"، ومنها يمكنها الاستمرار اتجاه مدن وبلدات ريف دير الزور تمهيدًا لعزل داعش.

ولم يفوّت قادة ميليشيا الحشد الشعبي العراقي أي لقاء صحفي دون التأكيد على أن وجهتهم القادمة بعد القضاء على داعش في العراق ستكون سوريا، كان أخر ذلك حديث نائب رئيس ميليشيا الحشد، أبو مهدي المهندس، مع صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله، والذي قال فيه إنه "من حقنا الطبيعي والقطعي مواجهة الإرهاب في سوريا"، وهو ما لو تمّ، لسمح لإيران ببسط سيطرتها بشكل كامل على الحدود السورية العراقية.

ورغم محاولات النظام السوري فرض قواته كعنصر مشارك في عملية الرقة، بعد سيطرته، أمس الأربعاء، على خمسة قرى على الأقل جنوب مدينة "مسكنة" بريف حلب الشرقي، بالإضافة لسيطرته على مواقع جديدة قرب قرية "القريتين" بريف حمص الشرقي، بعد معارك مع تنظيم الدولة؛ فإن التحالف الدولي لا يزال يرفض بشدة أن تكون قوات الأسد مشاركة في أي عملية ينفذها ضد التنظيم، وهو ما جعله يُسيّر رتلًا عسكريًا في محاولة لعزل مقاتلي المعارضة قرب الحدود الأردنية، والذي رد عليه التحالف الدولي بقصف هذا الرتل العسكري، ما حدا بروسيا لوصف عملية القصف بـ"غير المقبولة".

تكمن أهمية السيطرة على البادية السورية بالنسبة لإيران وحلفائها، في أنها ستسمح لها بالتحكم التام في طريق "دمشق - بغداد"

وفي السابع من أيار/مايو الجاري، أجريت مناورات "الأسد المتأهب" على الأراضي الأردنية، بمشاركة 20 دولة، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا، بهدف التمرن على تنفيذ "عمليات هجومية ودفاعية" في إطار مكافحة الإرهاب، ما عكس تخوف النظام السوري من دخول القوات الأردنية إلى الأراضي السورية من ناحية ريف درعا الغربي، حيثُ يتواجد جيش "خالد بن الوليد" المبايع للتنظيم، علمًا بأن مخيم "الركبان" للاجئين السوريين على الحدود السورية الأردنية، كان قد استهدف بسيارات مفخخة أسفرت عن وقوع عشرات القتلى والجرحى.

وكان جيش "مغاوير الثورة"، وهو أحد فصائل الجيش السوري الحر، أعلن قبل أسبوع عن استلامه أسلحة وآليات من قوات التحالف الدولي، استعدادًا لبدء معركة "البوكمال" 120 كيلومتر شرقي دير الزور، على أن تلقى العملية دعمًا جويًا وبريًا من التحالف، والتي يُرجح أن تبدأ بذات التوقيت لعملية الرقة حتى يتم إنهاك مقاتلي التنظيم من عدة جبهات.

اقرأ/ي أيضًا: معركة الرقة.. واشنطن تخلص أوراق الحرب ضد "داعش"

وعلى ما يبدو فقد حددت الولايات المتحدة خياراتها لمحاربة داعش في سوريا بشكل نهائي، ففي الوقت الذي اعتمدت قسد بقيادة القوات الكردية حليفًا لها في عملية الرقة رغم معارضة أنقرة بشدة لمثل هذا القرار، فإنها اختارت أن تدعم فصائل المعارضة المنضوية ضمن غرفة العمليات المشتركة (موك) في الأردن، وبالتالي فإن الدعم من الممكن أن يكون مبدئيًا قياسًا بحجم المعركة اتجاه "البوكمال"، والتي تتطلب دعمًا كبيرًا نظرًا لأن التنظيم يملك مساحات واسعة يمكنه المناورة فيها، وإبطاء سير مخطط العملية الموضوعة، مالم يكن الدعم كبيرًا من ناحية العدد والعتاد.

وكان التحالف الدولي قد حصل على دعم إضافي بعد إعلان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ينس ستولتنبرغ، مشاركة منظمته جويًا في العمليات العسكرية ضد داعش في العراق وسوريا، وسيقوم الناتو بزيادة الطلعات الجوية للطائرات المدعومة بأنظمة رادار "أواكس" في المجال الجوي التركي لمراقبة النشاط الجوي للتنظيم في العراق وسوريا، دون أن يشارك في أي عمليات قتالية برية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مطالبات سورية بعدم استهداف المدنيين في الرقة

هل سيحارب العالم داعش؟