01-مايو-2017

الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي (فايز نور الدين/ أ.ف.ب)

بينما كان القائد العسكري في الجيش الوطني مهران القباطي، يُمنع من دخول عدن عبر مطارها، بواسطة قوات موالية للإمارات، أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قرارت مفاجئة بإقالة وزير الدولة وقائد الحزام الأمني الموالي للإمارات هاني بن بريك، وإحالته للتحقيق، كما صدر قرار بإقالة محافظ عدن، عيدروس الزبيدي، والمعروف بولائه للإمارات. 

كانت تلك معادلة مختصرة للمعركة السياسية بين الإمارات وهادي، فضلًا عن كون تلك القرارات تمثل اختبارًا حقيقيًا لفرض شرعية الدولة في المناطق المحررة، قبل فرضها في مناطق سيطرة المليشيات عند تحريرها.

أقال الرئيس اليمني اثنين من رجال نظامه المعروفين بولائهم للإمارات

تتمتع الإمارات بعلاقة وثيقة مع المخلوع علي عبدالله صالح، لم تزعزعها الحرب بشكل كبير كما يبدو. هذه العلاقة أسهمت بشكل كبير في إطالة أمد الحرب، وتوقف تحرير المدن بفعل النفوذ الإماراتي داخل التحالف العربي، المسكوت عنه سعوديًا، في مقابل رئيس ضعيف أتاح المجال للعبث الإماراتي، ولم يكن حازمًا منذ أول لحظة، لمنع تغلغل هذا العبث إلى مفاصل الدولة، بحيث أصبح من الصعب التخلص من هذا العبث خلال فترة قصيرة.

اقرأ/ي أيضًا: الإمارات.. عداء متصاعد للربيع العربي

لا أحد ينكر الدور الكبير الذي لعبته الإمارات ضمن التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، والتضحيات التي قدمها الجيش الإماراتي في أكثر من جبهة، وبسالة جنوده في مواجهة مليشيات الحوثيين، لكنّ ذلك لا يبرر للسلطات الإماراتية استغلال نفوذها ضمن التحالف العربي لتحقيق أجندات خاصة وأهداف توسعية وتصفية حساباتها العابرة للحدود مع الإسلاميين.

عقب تحرير محافظة عدن تسلّمت السلطات الإماراتية الملف الأمني والعسكري في المدينة، وفشلت فشلًا ذريعًا في وقف الهجمات الانتحارية وحماية أرواح المواطنين، وما ترتب علی ذلك من اغتيالات ممنهجة بحق قيادات في المقاومة الشعبية ودعاة السلفية الذين لم يكونوا في صف الإمارات، ولم يعلنوا ولاءهم كحال الشيخ هاني بن بريك، الذي أصبح وكيلًا للإمارات في تنفيذ مخططاتها في المناطق المحررة، وفي عدن علی وجه الخصوص.

لم تفوّت الإمارات عملية تحرير عدن كفرصة لابتزاز هادي والتدخل في قرارت هي صلب شرعيته، ونجحت في إقالة المحافظ السابق نايف البكري الذي ينتمي للتجمع اليمني للإصلاح، الحزب الذي تراه الإمارات "رجسًا من عمل الشيطان"، وتعمل علی استئصاله بكل السبل، كما نجحت في الضغط على هادي لتعيين محافظ جديد موال لها، خلفًا لجعفر سعد الذي اغتيل عام 2015 مُحكمةً نفوذها أكثر من أي وقت مضى.

وغضبت الإمارات كثيرًا عندما قرر الرئيس هادي إقالة خالد بحاح من منصبه كنائب للرئيس دون الرجوع إليها، في وقت نجحت فيه الإمارات في ضم الرجل إلی معسكرها، وعملت علی تهيئته ليخلف هادي في رئاسة البلاد، لكن هادي أدرك تفاصيل اللعبة، فأقال الرجل ودفع بالجنرال علي محسن لتولي المنصب، سدًا لأي خطة سياسية تفضي بالإطاحة به. ومن لا يعرف الجنرال علي محسن، فإن الإمارات تعتبره الذراع العسكري لحزب الإصلاح، وهذا ما تسبب في تصاعد وتيرة الخلاف علی فترات متلاحقة، ليصل إلی المواجهة العسكرية بين معسكر الشرعية ومعسكر الإمارات في مدينة عدن العاصمة المؤقتة.

تسلمت الإمارات الملف الأمني لمدينة عدن بعد تحريرها، لكنها فشلت في حماية أرواح المواطنين ووقف العمليات الانتحارية

وعبر بوابة التنمية وتقديم المساعدات، نجحت السلطات الإماراتية في تثبيت حضورها علی الأرض، وعززته بإنشاء قوات عسكرية موالية فيما بعد. ففي الفترة التي أعقبت انتخاب هادي رئيسًا، ألغت الحكومة اليمنية اتفاقية تأجير ميناء عدن التاريخي للإمارات، وكان هذا القرار يُشكل خطورة علی السلطات الإماراتية في حال تحرر الميناء من قبضتها، وما سيعقبه من حسابات اقتصادية قد تؤثر علی الاقتصاد الإماراتي، ولو بشكل ضئيل.

وتحركت الإمارات صوب سقطری الجزيرة النائية المحرومة من الخدمات وعناية الجهات الرسمية، ونفذت عددًا من المشاريع التنموية التي لاقت ارتياحًا في أوساط المواطنين، وكان من البديهي أن يزور الشيخ حمدان آل مكتوم ولي عهد دبي، سقطری دون إذن مسبق في نيسان/أبريل 2013، بدعوی السياحة، واكتفت حكومة هادي بالاحتجاج لا أكثر، ولم تلتفت لمطالب سكان الجزيرة، بينما استمر التوسع الإماراتي من خلال المشاريع التنموية، وأصبح نفوذها في سقطری كما لو أنها تابعة لسيادتها في الوقت الراهن.

وبعد بدء عملية عاصفة الحزم بسنة وثلاثة أشهر، أي في حزيران/يونيو 2016 تحديدًا، أعلنت الإمارات انتهاء دورها في حرب اليمن، قبل أن تتراجع عن هذا التصريح، لتؤكد استمرارها في التحالف. ولم يكن ذلك سوى انعكاس للصراع بين السعودية والإمارات كما يری مراقبون، غير أن ذلك كان بداية مرحلة جديدة من الصراع بين شرعية هادي والنفوذ الإماراتي، سعت خلالها الإمارات لتحقيق أهدافها ضمن التحالف لا أكثر، فتفرغت لتعزيز قوة الحزام الأمني الموالي لها على حساب ألوية الحماية الرئاسية الموالية للشرعية، ووسعت نفوذها في محافظة حضرموت بعد مساهمتها في تخليصها من العناصر المسلحة التابعة لتنظيم أنصار الشريعة، خلال معركة قصيرة لم تتجاوز 24 ساعة.

اقرأ/ي أيضًا: 8 عجائب من الحرب اليمنية

وبلغت ذروة الخلاف بين هادي والإمارات في شباط/فبراير الماضي، بعد منع طائرة الرئيس اليمني من الهبوط في مطار عدن من قبل قوات حماية المطار الموالية للإمارات، الأمر الذي تطور إلى اشتباكات بين ألوية الحماية الرئاسية وقوات الحزام الأمني للسيطرة على المطار، وساندت المروحيات الإماراتية حلفاءها في الحزام الأمني بقصف مواقع للحماية الرئاسية، ليرضخ هادي للأمر الواقع، لاجئًا إلى التفاوض عبر الرياض، منعًا لأي اقتتال قد يفضي إلى مزيدٍ من الدماء، لكن ذلك في كل الأحوال لم يكن استسلامًا، بقدر ما كان فرصة لإيجاد حلول للنفوذ الإمراتي المتنافي مع الشرعية وقرارات التحالف العربي.

يبقى الصراع بين شرعية هادي وعبث الإمارات، جزء أساسي من مشروع استعادة الدولة

لا يزال لدى الإمارات أوراق كثيرة لتلعب بها مع هادي، كالورقة الأمنية التي تحركها متى شاءت، إضافة إلى قدرتها على إثارة الشارع ضد الرئيس هادي، ولديها أيضًا ورقة المخلوع صالح ونجله أحمد، التي تلجأ إليها بعض الأحيان لتحقيق مآربها.

ويبقى الصراع بين هادي وعبث الإمارات جزءًا لايتجزأ من مشروع استعادة الدولة وفرض السيادة على التراب الوطني، بما في ذلك التراب الذي يخضع للنفوذ الإماراتي. إنها معركة ضمن سلسلة معارك فُرضت على اليمنيين دون سابق إنذار، وأُجبروا على التعاطي معها وفق ما يلزم، وفي إطار ما هو متاح.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اليمن على خطى الصومال

صالح: سوقيٌ بدرجة رئيس جمهورية