27-فبراير-2018

العديد من المبادرات الجميلة في الجزائر، لا تلقى الاحتفاء المُستحق (أ.ف.ب)

متى ننتبه، نحن الجزائريون، إلى أننا نعاني من عقلية تستجوب منا الدّراسة والنقاش، وهي كوننا ننتقد غياب المبادرات الجميلة التي يُفترض أنها موجودة في حياتنا، لكننا في المقابل لا نقول كلمة شكر لمن يسهرون على المبادرات الجميلة القائمة! إلى درجة أنهم يُصابون باليأس من كثرة الشّكر البخيل، وحين تختفي تلك المبادرات بفعل هذا اليأس الذي ساهمنا فيه، نروح ننتقد غيابها!

كثير من المشاريع الكبيرة في الجزائر، تعطلت أو تميّعت أو تأجلت، لأن الشعب لم يقم بدوره المنوط به فيها، أو لأن السلطات لم تفعل

هنا علينا الانتباه أيضًا إلى أنّ هذه العقلية ولّدتْ عقلية موازية، هي أن النبلاء الذين يُملي عليهم نُبلهم أن يعترفوا لمن هو جدير بالاعتراف فعلًا، باتوا يتخوّفون من تهمة المجاملة والتزلّف، إذ بتنا نربط فعل الشكر بفعل التزلف.

اقرأ/ي أيضًا: "ناس الخير".. روح المجتمع المدني الجزائري

أنت تشكر فلانًا وتنوّه بجميله، إذن أنت تتزلفه بالضّرورة! والكلّ يعرف صورة القوّاد في المجتمع الجزائري؛ صورة مخيفة، وهو أمر ساهم في أن يجعل فعل الشّكر مكبوتًا في حياتنا ومؤجّلًا. وهو مقام ينخر المجتمعات التي تدخله كما تنخر السّوسة ضرسًا مهملًا، لأنه مقام يقتل روح المبادرة، وهي روح ضرورية لانتعاش أي أمّة من الأمم، فمجتمع تموت فيه روح المبادرات، هو مجتمع لا يعرف أن يضيف في الحياة.

ولا شك في أنها عقلية أفرزتها سياقات ومعطيات موضوعية، بعضها واعٍ وبعضها غير واعٍ، بعضها من فوق وبعضها من تحت. غير أن السّؤال الذي يواجهنا بصرامة وعلينا أن نتعاطى معه برصانة، هو: لماذا لا نصلح نحن المواطنين ما نحن معنيون بإصلاحه وقادرون عليه في مستوانا الشّعبي؟ بالموازاة مع مطالبتنا من هم في السّلطة بأن يصلحوا ما هو على مستواهم، فإن فعلوا فذلك ما كنا نريد، وإن لم يفعلوا انكشفت تقصيراتهم أمام القاصي والداني، وفي هذا تشجيع لهم على أن ينخرطوا فعليًا في المبادرة الوطنية.

كثير من المشاريع الكبيرة تعطلت أو تميّعت أو تأجّلت، إما لأن الشعب لم يقم بدوره المنوط به فيها، وإما لأن السلطة لم تفعلْ. إن شعبًا تعوّد على أن ينتظر المبادرة من السلطة، التي ينتقدها في الوقت نفسه شعب لا يعرف سنن التغيير.

استغلت السلطة في الجزائر أن الشعب لا يرغب في العودة لسنوات العنف والإرهاب، فمررت رؤيتها ونظامها الخاص

لقد استغلت السلطة في الجزائر معطى أن الجزائريين لا يرغبون في العودة إلى سنوات العنف والإرهاب وأخبارها المخيفة، فمرّرت إصلاحاتها وفق رؤيتها الخاصة. وقد باتت تستغلّ خوف الجزائريين من التدخل الأجنبي لتقنعهم بجدوى المشاركة في الانتخابات المختلفة، فهل استغل الشعب هذه الحاجات للسلطة وبادر بأمور تمنح لحياته معنى؟

اقرأ/ي أيضًا: حتى لا تتكرر العشرية السوداء

قد تكون تراكمات المراحل السابقة، ـوهي ليست بسيطةـ لعبت دورها في تكريس اليأس من التغيير في نفوس الجزائريين، لكن آن للجزائري أن يدرك جيدًا أن هناك منعرجًا جديدًا يشكّل فرصة جديدة عليه أن يحسن استغلالها.

لنتحدثْ قليلًا عن بعض تجلّيات ثقافة الجحود في مشهدنا الثقافي. كتب الكثير منّا وقرأ، أننا نفتقد في الجزائر إلى مواقع إلكترونية أدبية وثقافية جادة تعمل على الاحتفاء بالمتميز في المدونة الإبداعية الجزائرية.

شخصيًا سمعت وقرأت هذا في أكثر من منبر، فهل شكرنا كما يجب من بادروا إلى إنشاء مواقع من هذا النوع؟ علمًا أن السهر على موقع إلكتروني يكلف القائمين عليه من الوقت والجهد والمال ما لا يوفرونه حتى لأسرهم. كما يجمع مثقفونا وكتابنا على حاجتنا إلى ملاحق أدبية وثقافية في جرائدنا، التي يبدو أن علاقتها مهزوزة جدًا بكل ما هو ثقافي ، لكن هل شكرنا كما يجب من يشرفون على الموجود منها؟

سألت صديقي الكاتب سليم بوفنداسة القائم على ملحق "كرّاس الثقافة": هل تتلقّى ما أنت أهل له من الشّكر ممّن هم محسوبون على الثقافة؟ فقال لي: "أنا أفعل ما أفعل لأشبع رغبة شخصية، ولو راعيت التقصير فيما ذكرتَ لما دام الملحق شهرين".

ربما تكون تراكمات المراحل السابقة، قد لعبت دورها في تكريس اليأس من التغيير في نفوس الجزائريين

وأعتقد أن الواقع نفسه مع باقي الزملاء في باقي الجرائد. فليتنا كنا بارعين في شكر من يجب أن يُشكر حتى يتشجّع فيواصلَ، مثلما نحن بارعون في انتقاد أو تشويه أو تتفيه كلّ شيء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المؤسسات الثقافية في الجزائر كأداة لخدمة النظام

في بجاية الجزائرية..الشعب يبني مسرحًا