22-يوليو-2017

تعود إلى الضوء محاولات تطويع الإعلام لخدمة السياسيين في تونس (أ.ف.ب)

"تلقيت مكالمة اليوم من طرف السيد برهان بسيّس يعلمني فيها أن اجتماعًا انعقد بنداء تونس حول كاب أف أم وتم التعبير عن عدم رضا قيادة النداء عن أداء الخط التحريري للإذاعة بسبب وجود لزهر العكرمي في البرنامج الصباحي، وتم إعلامي أنه تم توجيه تقرير في الغرض لرئيس الجمهورية وسيتم اتخاذ الإجراءات الضرورية في حقي وحق الإذاعة"، لا يتعلق الأمر بالكاميرا الخفية أو بأحاديث جانبية في مقهى قد تجمع الغث بالسمين، بل هذا ما صرحت به ألفة التونسي، مديرة الإذاعة الخاصة في تونس "كاب أف أم"، على صفحتها الخاصة على فيسبوك يوم الجمعة 21 من تموز/ يوليو الجاري.

ذكرت مديرة إذاعة كاب أف أم التونسية أنها تلقت اتصالا من المستشار السياسي لنداء تونس هددها من خلاله وتدخل في الخط التحريري للإذاعة

التصريح أثار الاستغراب والاستياء في الوسط الإعلامي التونسي، إضافة إلى تساؤلات عدة: "هل بلغ التدخل السياسي في عمل المؤسسات الإعلامية هذا الحد؟ ما مدى صحة تصريح المسؤولة الإدارية عن هذه الإذاعة خاصة وأن هذه الأخيرة تمر بأزمة مالية ولم تدفع أجور العديد من موظفيها منذ مدة؟ وهل هي عودة إلى ممارسات خلناها انقضت مع العهد السابق للثورة؟ هنا محاولة لفهم ملابسات القصة وخلفياتها الممكنة.

برهان بسيّس، الذي تعرضت له مديرة الإذاعة المذكورة واتهمته بتهديدها والتدخل في الخط التحريري، هو صاحب ماض تليد مثير للجدل، جمع فيه بين الإعلامي والسياسي دائمًا. هو المنضم حديثًا لحزب نداء تونس في منصب المستشار السياسي للحزب وهو الإعلامي السابق. كان قبل الثورة أحد موظفي الوكالة التونسية للاتصال الخارجي، "ATCE"، وعُرف بكونه الوجه الإعلامي الأبرز لنظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وبدفاعه عنه في المنابر الإعلامية خاصة الأجنبية منها، التي كانت توجه اتهامات لنظام بن علي بالديكتاتورية والفساد والتضييق على الحريات وحقوق الإنسان.

بعد الثورة تم إيقافه بتهم الفساد المالي واختفى لفترة عن الأضواء. قبل عودته عبر عدة منصات إعلامية ليقدم برامج تلفزيونية في إذاعات وقنوات خاصة، ثم يغادرها للنشاط السياسي في حزب نداء تونس. أما وكالة الاتصال الخارجي فهي مؤسسة حكومية تأسست سنة 1990 بهدف " تعزيز الحضور التونسي وسياسة الدولة التونسية في الإعلام الخارجي والدولي"، لكنها سرعان ما تحولت من قبل عبد الوهاب عبد الله، مستشار بن علي المقرب، إلى إحدى أهم آلات البروباغندا للنظام الحاكم حينها والمناهضة لحرية الصحافة والصحفيين المستقلين، وقد تم تعليق العمل فيها بعد الثورة.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلام التونسي في 2017.. مكاسب في خطر

إذن وحسب ماضيه لا يمكن اعتباربرهان بسيّس مناصرًا معروفًا لحرية الإعلام والتعبير لكن شبهات أخرى تحيط بالموضوع. فإمكانية افتعال الخلاف مطروحة، حسب عديد العارفين بشؤون إذاعة كاب أف أم، فمن جانب تعاني المؤسسة الإعلامية من صعوبات مالية، جعلتها تعجز عن توفير المستحقات المالية للعديد من العاملين فيها لأشهر متتالية، مما أدى لإقرارهم إضرابًا مستهل الشهر الحالي، تصدت له مديرة المؤسسة التونسي بطريقة أثارت استنكارًا واسعًا.

كما أن المعلق في البرنامج الصباحي لإذاعة كاب أف أم، محل الانتقاد والخلاف، هو سياسي تونسي معروف. لزهر العكرمي، غادر نداء تونس وينتقدها خلال الفترة الأخيرة ويوجه أسهمه خاصة للمدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي، ابن رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي، مما يوحي بشبهة تضارب مصالح في الموضوع، خاصة إثر مسارعة منشقين آخرين عن حزب نداء تونس بدعم مديرة الإذاعة، كما جاء في الصفحة الرسمية لمحسن مرزوق، الأمين العام لحركة مشروع تونس.

 

عديد الصحفيين الذين سبق وتعاملوا مع مديرة الإذاعة المذكورة آنفاً أكدوا عدم تعاطفهم معها وشككوا في مصداقية النوايا، في تلميح أن الأمر يندرج ضمن صراع أجنحة بين قدماء نداء تونس والفاعلين فيه حاليًا. لكن مهما كانت الخلفيات، فإن ما يحصل يثير عديد المخاوف حول واقع الإعلام في تونس ومدى تطويعه لخدمة أجندات سياسية في صورة لماض ليس بعيد، تخيل الكثيرون أن لا رجعه له.

 

من جانبه، رد برهان بسيّس على صفحته الخاصة في موقع فيسبوك أنه "فوجئ بما كتبته مديرة إذاعة كاب أف أم"، ذاكرًا أنه "خاطبها هاتفيًا ملاحظًا لها عدم مهنية المقدم الإذاعي الصباحي المنتدب حديثًا وجنوحه للسب والشتيمة بشكل متكرر في حق نداء تونس وهتك أعراض أشخاص، تهمتهم أنهم في قيادة نداء تونس بشتائم لا تقبلها أخلاق ولا قوانين دون أن يعطى للنداء أي حق في الرد"، حسب تعبيره.

وأضاف برهان بسيّس في تعليقه على صفحته الخاصة: "لفتُ نظرها إلى أن ما يجري على لسان المعلق الإذاعي هو تصفية حسابات سياسية لا علاقة لها بالعمل الإعلامي، للأسف فوجئت بالسيدة ألفة التونسي تتوهم تهديدًا لم يحصل وأنا أستغرب هذا التحامل الصادر منها وتحريفها لأمانة محادثة هدفها الرئيسي الإشارة إلى وجهة نظرنا تجاه الإفراط في السب والشتيمة تجاه حزب سياسي دون أدنى التزام بشروط الموضوعية وهو أمر تعودت من موقعي كإعلامي سابقًا أن أناقشه مع لفيف واسع من زملائي الإعلاميين".

أثار تصريح مديرة إذاعة كاب أف أم جدلًا واسعًا حول عودة التوظيف السياسي للإعلام في تونس وهو ما خاله الكثيرون قد انقضى

ولم تقتصر ما كتبته التونسي على المذكور آنفًا فقد أضافت "كما أعلمني (أي برهان بسيّس) بالصراع الخفي بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وأن هذا الأخير ومستشاريه يحاولون التدخل لدى البنوك لتسوية الوضعية المالية للإذاعة واستغلالها في الحرب الإعلامية على رئيس الجمهورية عن طريق لزهر العكرمي". خاتمة بالقول "هذه المكالمة هي بمثابة تهديد في حقي وحق الإذاعة وهي بمثابة العودة إلى الأساليب القديمة وأن إذاعة كاب أف أم في منأى عن أي صراع سياسي".

لكن برهان بسيس سخر في تدوينة أخرى على صفحته الخاصة في موقع فيسبوك من حديث التونسي: "أعرب بدوري عن تضامني الكامل مع إذاعة كاب أف أم أمام التهديد الخطير والمريع الذي تعرضت له مديرة الإذاعة، المهم أن ينفع فيلم التهديد في خلاص أجور صحفيي وتقنيي كاب أف أم المحرومين من أجورهم منذ ستة أشهر و ألا يبقى الاستثمار في فيلم التهديد حكرًا على نادي الدمى السياسية المتحركة. الإمضاء : المهدد الشرير شخصيًا". فيما بدا أشبه بتبادل تهم خطير ومحير حول واقع ومستقبل الإعلام التونسي بشكل عام.

اقرأ/ي أيضًا: انتهاك حرية الإعلام في تونس من جديد.. السلطة متهمة

في سياق متصل، دعا رئيس النقابة التونسية للصحفيين ناجي البغوري النيابة العمومية إلى "الإذن بفتح بحث، وإيقاف برهان بسيس بتهمة الإيهام بنفوذ، باعتباره في حالة تلبس بارتكابها بشهادة مديرة الإذاعة المذكورة".

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

زهير اليحياوي.. شهيد الإنترنت التونسي

حملة الإيقافات ضد الفاسدين تطيح بمقدم أشهر برنامج سياسي في تونس