19-أبريل-2017

كان جيمي كارتر أكثر الرؤساء الأمريكيين اهتمامًا بالدفاع المدني في حال وقوع هجوم نووي (Getty)

نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، مقالًا مطولًا للكاتب مارك أبندر عن الخطة الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، للتعامل مع التهديدات النووية التي تعرضت لها خلال عهد جيمي كارتر، من خلال تفاصيل دقيقة وردت في وثائق أفرجت عنها الاستخبارات الأمريكية أخيرًا، مع بقاء بعض تفاصيلها قيد السرية التامة. في السطور التالية نستعرض لكم أهم ما جاء في المقال.

لماذا استدعاء هذه الخطة اليوم؟

اليوم يمكن أن تحدث مثل هذه الاستعدادات بسبب عدد من الدول المسلحة نوويًا، بما في ذلك كوريا الشمالية وباكستان، أمّا خلال رئاسة جيمي كارتر، فكانت هذه المخاوف تركز بشكل مباشر على الاتحاد السوفيتي.

وفي تلك الفترة بدأ المخططون العسكريون في كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة يتصارعون مع ما كان حتى ذلك الحين بدعة لا يمكن تصورها، وهو التخلي عن إستراتيجية عسكرية لطالما حكمت النظام العالمي في الخمسينات، وهي إستراتيجية التدمير المتبادل المؤكد، والتي تعني استخدام طرفين أو أكثر من الأطراف المتعارضة للأسلحة النووية على نطاق واسع، للقضاء الكامل على كل من المهاجم والمدافع، وهي تقوم على نظرية الردع، التي ترى أن التهديد باستخدام أسلحة قوية ضد العدو، قد يحول دون استخدام العدو لتلك الأسلحة نفسها.

تعني إستراتيجية "التدمير المتبادل المؤكد"، استخدام طرفين أو أكثر للأسلحة النووية للقضاء الكامل على كل من المهاجم والمدافع

كان كارتر وإدارته مهتمين بأسئلة أكثر تحديدًا، مثل: إذا كان يمكن للرئاسة البقاء على قيد الحياة بعد حرب نووية، فماذا تفعل بالضبط بعد ذلك؟ كيف يمكن تحديد القائد بعد النجاة؟ من الذي سيحدده؟ كيف يفي بالمهام الرئيسية الثلاث للرئاسة: أن يكون الرئيس التنفيذي للحكومة، ورئيس الدولة، والقائد العام لقواتها المسلحة؟

اقرأ/ي أيضًا: أمريكا تفوز في حربها مع كوريا الشمالية.. لو تجاهلت روسيا الأمر

جاءت إجابات كارتر في شكل التوجيه الرئاسي رقم 58، والذي صدر في الأشهر الأخيرة من رئاسته، وتفيد ما تضمنه باستمرار خطط الحكومة التي لا تزال سارية المفعول حتى إدارة ترامب، ولقد كانت هذه الخطط هدفًا لبرامج بمليارات الدولارات، ومغناطيسًا جاذبا لأصحاب نظريات المؤامرة في جميع أنحاء العالم.

ملامح خطة البقاء على قيد الحياة

عندما تولى كارتر منصبه، كان للاتحاد السوفييتي السبق في التحضير للحرب النووية، وكان لديه برنامج مكثف للاستعداد المدني حيث مئات وربما الآلاف من المخابئ تحت الأرض، مع استمرارية واسعة النطاق للبرامج الحكومية في هذا السياق. 

من جانبها، كان للولايات المتحدة راي ديربي، وهو أحد الخبراء البارزين في الاستعداد للطوارئ والاستجابة للكوارث في وزارة الدفاع الأمريكية/البنتاغون. قاد ديربي في أوروبا تدريبات لإجلاء المدنيين عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفي الولايات المتحدة قاد العديد من فرق العمل على مستوى الحكومة، للتدريب على الدفاع المدني من الحوادث والضربات النووية والبيولوجية والكيميائية، كما وضع الخطة المعيارية التي ستستخدمها القواعد النووية الأمريكية في حال حدوث كارثة.

في ذلك الوقت، دعت الخطة الفدرالية الرئيسية للكوارث، كل وكالة اتحادية، إلى تصميم وتطوير وبناء منشآتها الخاصة تحت الأرض، وفي حالات الطوارئ، ستشتغّل الحكومة من المخابئ، لكن معظم الوكالات لم تأخذ الأمر على محمل الجد.

وبصرف النظر عن الاهتمام القليل قصير المدى، الذي حظي به الموضوع  بعد أزمة الصواريخ الكوبية، التي بنيت خلالها 6 مراكز نقل للحكومة الاتحادية في جميع أنحاء البلاد؛ فإن الولايات المتحدة لم تعامل الدفاع المدني كجزء من ردعها الإستراتيجي، وفي المقابل كرست لحرصها على إنفاق المال لتطوير السلاح، وليس لحماية السكان أو مساعدتهم في البقاء على قيد الحياة حال حدوث هجوم بأسلحة دمار شامل، ففي السبعينات تخلت العديد من الوكالات الحكومية عن التخطيط لعمليات ما بعد الكوارث. 

كان هناك تعقيد آخر متمثل في إنقاذ البلاد بشكل فعال خلال حرب نووية، وكان على الجيش أن يعبر أحد خطوطه الحمراء عن طريق المشاركة في الأمن الداخلي. وبعد الحرب النووية، من المرجح أن تُعلن الأحكام العرفية، وسيعطى الجيش سلطات استثنائية لإدارة توزيع الموارد.

وبمجرد أن يعتقد الجيش أن الحرب وشيكة، فإن الحكومة ستبدأ بالتخطيط لنقل مجموعات كبيرة من السكان، وتحديدًا أولئك الذين يعيشون بالقرب من الأهداف العسكرية الإستراتيجية الهامة، ويعلم خبراء السياسات أن هذا قد يتطلب مستوى ما من الإكراه وربما القوة. ولأن الجيش لم يرغب يومًا في الحديث عن هذا السيناريو، وكذلك لم يفعل السياسيون؛ وضعت هذه الخطط في سرية تامة.

لم تعامل أمريكا الدفاع المدني كجزء من ردعها الإستراتيجي، وفي المقابل حرصت على إنفاق المال لتطوير السلاح

وفيما يخص الحكومة، فإنها كانت تدير منشأة خاصة فوق جبل بفرجينيا، فضلًا عن أن لدى الجيش وتحديدًا القوات الجوية، ما يكفي من طائرات الهليكوبتر لنقل ما يقرب من ثلث المسؤولين لمناطق آمنة.

واستنكر العديد من القادة السياسيين الاقتراحات المعلنة للتعامل مع الهجمات من هذا النوع، أو فكرة أن يخبؤوا أنفسهم طوعًا في ملاجئ سرية بعيدًا عن الجمهور، إذ كان الافتراض الشائع في الحكومة الأمريكية، أن السوفييت يعرفون كل شيء على أية حال.

وحين أصبح جيمي كارتر رئيسًا كان الكونغرس قد حدد القيمة المطلوبة لدعم برنامج الدفاع المدني الموحّد، لكنه لم يفعل الكثير لتمويله. وكان كارتر أوّل رئيس منذ حقبة جون كنيدي يُولي اهتمامًا كبيرًا بقضية الدفاع المدني، ففي أيلول/سبتمبر 1978 أعلن أن الدفاع المدني جزء من خطة الردع الإستراتيجي للبلاد.

اقرأ/ي أيضًا: نهاية نهاية الحرب الباردة

اعترفت سلسلة من الدراسات بمدى ضعف الدفاعات المدنية في البلاد، إذ إن الملاجئ التي بنيت في الخمسينات متداعية، وكان من الضروري تجديدها أو استبدالها، ولكن تم تجاهل الأوامر التنفيذية التي أُسندت لكثير من الوكالات في هذا الشأن.

وعلى إثر اعتراضات البنتاغون، وافق كارتر في النهاية على تعزيز برامج الدفاع المدني بحيث تُبقي الحكومة على 80% من البلاد بلا دمار، وعليها القيام بذلك بميزانية تقل عن 250 مليون دولار سنويًا. 

من سيخلف الرئيس؟

كان البيت الأبيض يركز على أصعب تحد للجميع وهو توفير آلية لمن يخلف جهاز الرئاسة، لتنفيذ أوامر الحرب النووية خلال وبعد تبادل الهجوم النووي. وفي وقت مبكر من رئاسة كارتر، عقد مدير المكتب العسكري للبيت الابيض، اجتماعًا لفريق عمل مصغر لمراجعة خطة الطوارئ في البيت الأبيض، وهو ما نتج عنه وثيقة سرية تحدد كيفية قيام الخدمة السرية بإجلاء الرئيس، وأيضًا تفويض المكتب العسكري بتحديد خلفاء للرئيس حال قُتل.

ولكن فكرة "خلفاء الرئيس" هذه كانت غير عملية، كما كانت هناك تخوفات من تسرب أسماء معينة إلى السوفييت، لذا وفي ضوء هذه التحديات، قررت فرقة العمل التابعة للبيت الأبيض أن تركز على ثلاثة محاور رئيسة، الأول بقاء الرئيس وفريق الدعم الأساسي على قيد الحياة، والثاني توفير القدرة على التواصل فيما بينهم، ومع رؤساء دول أُخرى، والثالث قابلية الدعم، بمعنى توفير الأشخاص والإمكانيات لمساعدة الناس حول البلاد.

ووضعت قائمة بمتطلبات كل فريق من فرق الدعم، على أن يكون أول شيء يقوم به كل فريق التوثّق من خليفة الرئيس الفعلي، وذلك بطريقة ما، المهم في النهاية الحماية من الانتحال، لذا بقيت طريقة التحديد والتوثيق هذه سرية ولم يفصح عنها في الوثائق.

في الوقت الذي تشعر فيه أمريكا بالتهديد من تطوير كوريا الشمالية لصواريخ نووية عابرة للقارات، لا يزال ترامب يستشيط غضبًا من بعض تغريدات تويتر

الأمر الثاني أنه على كل فريق المساهمة في مساعدة من سيخلف الرئيس على تنفيذ المهام الرئاسية الثلاث كقائد عام للقوات المسلحة ورئيس للدولة ورئيس تنفيذي للحكومة. كما سيتعين على كل فريق التحدث مع الفرق الأخرى المنتشرة الناجية، ويُعرّف بنفسه بطريقة آمنة. كما أن عليها التحدث إلى البنتاغون أو من تبقى منه لتنفيذ خطة الحرب النووية. 

عليها أيضًا تلقي تقييمات من الاستخبارات بالأضرار الناجمة، وسيكون هناك 50 شخصًا من كل فريق مستعدين للعمل كفرع تنفيذي مستقل، دون مساعدة خارجية، وذلك لمدة 6 أشهر على الأقل.

أما عن إعادة بناء الكونغرس، فقد أنشأت وكالة المخابرات المركزية وكالة سرية خاصة بها، ومكتب دعم الطوارئ الاستخباراتية الوطني. ونعلم أيضًا من وثائق الميزانية، أن الوكالات بدأت تطلب المزيد من الأموال لتمويل فرق الدعم، كما نعلم أنه تم إدخال الكثير من التعديلات على هذه الأنظمة لوجود فجوات كبيرة بها.

اقرأ/ي أيضًا: ترامب الواضح.. ترامب الجميل

إذن، هل نهاية العالم وشيكة؟

الآن، وبعد 35 عامًا، وقد أخذت روسيا شبه جزيرة القرم بالقوة، وسط مخاوف الناتو قليل الموارد، من أنّ غزو دول بحر البلطيق قد يجذب الحلف إلى حافة الحرب. وفي الوقت الذي تشعر فيه الولايات المتحدة بالقلق من أن كوريا الشمالية على شفا الوصول إلى تقنية تمزج بين الرؤوس الحربية النووية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والتي يمكن أن تصل إلى أجزاء من الولايات المتحدة؛ لا يزال ترامب يستشيط غضبًا من بعض تغريدات تويتر!

في النهاية يُمكن القول إن خطط أمريكا للبقاء على قيد الحياة في حالات الطوارئ، تطورت منذ عهد جيمي كارتر، ولكن التهديدات التي قد تدفع للاستعانة بهذه الخطط، لا تزال أقرب مما كنا نتوقع جميعًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أهلًا وسهلًا بنهاية العالم

في نهاية الحضارة.. عن حق الجنسية وانحدار فرنسا