03-مارس-2017

قوات من درع الفرات خلال أحد المعارك مع القوات الكردية (حسين ناصر/الأناضول)

شهدت الخارطة العسكرية منذ بدء مفاوضات جنيف-4 بين وفدي النظام والمعارضة السورية عدة تغيرات على الصعيد الميداني، إن كان من ناحية سيطرة الفصائل المشاركة في عملية "درع الفرات" المدعومة من تركيا، أو استعادة النظام السيطرة على مدينة "تدمر" الأثرية شرقي حمص، أو التقدم الذي يحققه في ريف حلب الشرقي، حيثُ باتت مدينة "الرقة"، أكبر معاقل تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق وجهة جميع الأطراف المقاتلة في سوريا.

انسحاب داعش من بعض مناطق التماس مع درع الفرات لصالح النظام السوري، كان قرارًا تكتيكًا من أجل تحجيم قدرة درع الفرات على التوسع

وبعد وقت قصير من نقل وكالات روسية أن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أبلغ الرئيس فلاديمير بوتين أمس الخميس أن قوات النظام استعادت السيطرة على مدينة "تدمر" من تنظيم الدولة بدعم من المقاتلات الروسية، قال النظام السوري إن استعادة المدينة الأثرية "تؤسس لتوسيع العمليات العسكرية".

اقرأ/ي أيضًا: سابع فيتو روسي..حماية النظام السوري مستمرة

من جهته شبه رئيس وفد المعارضة السورية المتواجدة في جنيف، نصر الحريري، استعادة النظام لمدينة "تدمر" بمسلسل الرسوم المتحركة "توم وجيري"، في إشارة لتبادل السيطرة عليها بين النظام وتنظيم الدولة، إذ عمد الأخير عندما سيطر عليها للمرة الأولى في أيار/ مايو 2015 إلى تفجير السجن العسكري في المدينة، أحد أهم معاقل التعذيب التي استخدمها النظام السوري منذ السبعينيات لتصفية المعارضين لحكمه.

وبموازاة السيطرة على مدينة "تدمر"، سجلت قوات النظام والميليشيات الإيرانية الداعمة لها تقدمًا في ريف حلب الشرقي شمالي سوريا، وذلك بعد انهيار الصفوف الدفاعية لتنظيم الدولة في الريف الشمالي الشرقي من ريف مدينة "دير حافر"، وتمكنت من السيطرة على ما يقارب 13 قرية، جعلها تقلص المسافة عن بلدة "الخنفسة" الاستراتيجية نحو 15 كم، وفق ما نقل "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

ويأتي التقدم الذي سجله النظام السوري في عين اليوم الذي أعلنت ما يعرف بـ"مجلس منبج العسكري" المنضوي ضمن "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تقودها "وحدات حماية الشعب" الكردية عددًا من القرى لقوات النظام غربي مدينة "منبج"، مؤكدة في بيان صادر عنها أن العملية تمت بالاتفاق مع الجانب الروسي، وأنها "سلمت القرى لقوات حرس الحدود التابعة للدولة السورية، التي ستقوم بمهام حماية الخط الفاصل بين قوات مجلس منبج العسكري ومناطق سيطرة الجيش التركي ودرع الفرات".

وأصبح الوضع العسكري أكثر تعقيدًا في ريف حلب الشرقي، إذ تشير الخارطة العسكرية لجميع الأطراف المقاتلة في سوريا، أن مقاتلي "درع الفرات" باتوا محاصرين شرقاً وغربًا من "قسد"، وقوات النظام والميليشيات الداعمة لها من الجهة الشمالية، فيما الطرفين الأخيرين صارا على تماس مباشر مع تنظيم الدولة، ما يدفع للتساؤل عن خلفية إعاقة درع الفرات عن قتال داعش، في الحين الذي تعلن فيه الأطراف المحاصرة له إرادتها لقتال التنظيم الإرهابي أيضًا!

ويعتقد مراقبون، أن انسحاب داعش من بعض مناطق التماس مع درع الفرات لصالح النظام السوري، كان قرارًا تكتيكًا أكثر منه هزيمة عسكرية، وذلك لتحجيم التحرك التركي ومنعه من التوسع أكثر من ذلك. وهي نفس الاستراتيجية التي اتبعتها قوات سوريا الديمقراطية بالانسحاب لصالح النظام، لوضع الأتراك في مأزق، وذلك لأن عملية درع الفرات من البداية كانت لمواجهة داعش والقوات الكردية، واصطدامها بالنظام السوري، سيعني رفع الغطاء الدولي عنها. وهو ما يبدو أنه رهان كلا من الأكراد وداعش، بمحاصرة درع الفرات بقوات الأسد من كل الجهات، وبالتالي وأد إمكانية تحركها في أي اتجاه.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، صرح نهاية الشهر الفائت قائلًا "لا نتعامل مع الإرهابيين" رافضًا بذلك أي تعاون ممكن مع "قسد" التي تعتبر الذراع العسكري لـ"حزب العمال الكردستاني" في سوريا المدرج على لائحة الإرهاب، مشدداً أن بلاده على استعداد للتعامل مع حلفائها "إذا كانوا صادقين" في عملية استعادة مدينة "الرقة" من تنظيم الدولة، وذلك في إشارة لتذبذب القرار الأمريكي المرتبط في المشاركة بمعركة "الرقة"، والتي تسعى تركيا لتشكيل تحالف دولي لاستعادتها.

عملية درع الفرات من البداية كانت لمواجهة داعش والقوات الكردية، ما دفع الأخيرين "للاستحماء" بقوات النظام 

اقرأ/ي أيضًا: هل تعرقل تفجيرات حمص مفاوضات جنيف؟

ويبدو أن الدور الأمريكي في المنطقة لا يزال ضبابي القرار، رغم اللقاء الذي عقد منتصف الشهر الفائت بين قائد الجيش التركي خلوصي آكار، ونظيره الأمريكي جوزيف دانفورد في قاعدة "إنجرليك" الجوية التركية، وتتضمن مقترحات تركية لإنشاء تحالف في عملية استعادة "الرقة"، إلا أن استلام الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من "البنتاغون" توصيات لمحاربة تنظيم الدولة في مختلف أنحاء العالم يبدو أنها قد تغير من القرار الأمريكي.

ويظهر أن الولايات المتحدة لم تتخذ قرارها النهائي في شأن عملية "الرقة"، لكن الحساب الرسمي لـ"القيادة المركزية" في الجيش الأمريكي، نشر نهاية الشهر الفائت مجموعة من الصور لمقاتلات في "قسد" علق على واحدة منها بـ"مستعدات للقتال"، وهو ما يثير التساؤل حول الموقف الأمريكي الحقيقي الأطراف التي ترغب بالتحالف معهم على الأرض ضد تنظيم الدولة. وفي حال استمر تم قطع الطريق إلى الرقة على درع الفرات، فقد يكون الأكراد هم المرشح الأقوى لرهان الأمريكان في معركة الرقة.

من جانب آخر، لا تزال روسيا تضغط بقوة على المعارضة السياسية في جنيف، وتدرك المعارضة أن انسحابها من المفاوضات رغم وضوح مماطلة وفد النظام، سيجعل الروس يفرضون منصتي "القاهرة" و"موسكو" كأطراف معارضة بديلة، وبالتالي فأنها ملتزمة بالبقاء إلى أن يتم التوصل لآلية مرتبطة بانفراج على صعيد آلية الانتقال السياسي للسلطة.

واستفاد وفد النظام من عرقلة الجهود الدولية في المفاوضات بإصراره على اعتبار بند "محاربة الإرهاب" أولوية، إذ استطاعت قواته والميليشيات الداعمة لها استعادة السيطرة على مدينة "تدمر" بعد يوم واحد (أول أمس الأحد) من وصول فرقاطة "الأميرال غريغوروفيتش" الروسية المزودة بصواريخ "كالبير المجنحة" إلى قرب السواحل السورية في البحر المتوسط.

اقرأ/ي أيضًا: 

بعد تعثر طويل..معركة الباب وجنيف مجددًا