12-أكتوبر-2017

الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية في بكين (Newscom/Alamy )

لعلك لم تسمع من قبل عن الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية والتي تعد أكبر معهد أكاديمي في العالم. فلهذه الأكاديمية فروع في كل مدن الصين وتوظّف أكثر من 4000 من حاملي الدكتوراه، العديد منهم من خريجي أفضلِ الجامعات الدولية، وظيفتهم أن يستخدموا الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وتخصصات أخرى لخدمة صناعة القرار الرسمية، في هذا التقرير المترجم عن موقع The Times Literary Supplement نتعرف عليها بشكل أوضح وعن مهمتها ودورها في إطار السياسات الصينية.


عندما عشت للمرةِ الأُولى في بكين سكنت في أحد منازل الهوتونغ القديمة - أي منزل في حارة من حارات الصين التقليدية -، حيث سكن السياسي والمهندس المعماري تشو تشيان من قبل. منزل هادئ ومُنعزل يقبع شمال جادة تشانغآن الشهيرة التي تقع الوزارات الحكومية على جانبيها. في طريقي من وإلى العشاء مع الأصدقاء في تشوان بان، المطعم الحكومي بمُقاطعة سيتشوان، كنت أمُرّ على مُجمع كبير ومهيب يُدعى الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية (CASS) دون أن أدري ما يكون حقًا، أما أصدقائي الصينيون فلم يتحدثوا عنه إلا نادرًا بشكل يشوبه الغموض.

توظف الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أفضل خريجي الجامعات ليستخدموا الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع في خدمة صناعة القرار الرسمية

الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية هي أكبر معهد أكاديمي لم تسمع عنه يومًا. يبدو المبنى وكأنه من بقايا حِقبة المكاتب الحكومية السوڤيتية، ولديه فروع في كل مدينة في الصين كما تبين لي، ويُوظِّف أكثر من 4000 من حاملي الدكتوراه، العديد منهم من خريجي أفضل الجامعاتِ الدولية، وظيفتهم أن يستخدموا الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والتخصصات الأخرى في خدمة صِناعة القرار الرسمية، أُنشِئ المعهد عام 1977 ولا يزال يبدو كأحد مؤسسات بكين الغامضة حتى بعد سنواتٍ طويلة من معرفتها، لذا عندما دعتني وحدة النشر في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، قسم النشر للعلوم الاجتماعية، للانضمام لاجتماعهم السنوي في شينينغ عاصمة مقاطعة تشينغهاي الواقعة شمال غرب البلاد، حزمت حقائبي على الفور.

اقرأ/ي أيضًا: فهم الاستراتيجية الصينية عن طريق ثقافتها

منذ 1987 أجرت الحكومة الصينية الإحصائيات الحيوية السنوية عبر الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية عامًا بعد عام ومدينة بعد مدينة، هذه المعلومات ساعدت بدورها في بزوغ تكنوقراطية الصين وأثبتت أهميتها البالغة في تحول الصين الاقتصادي، اُستخدمت هذه الإحصائيات والمؤشرات في صياغة الخطط الخمسية وإدارة الهجرة من الريف إلى المدن، وكان الحُصُول على إحصائيات كافية عن استخدام الفحم أمرًا حيويًا في عملية تخضير  الاقتصاد، أي جعله أكثر مُلاءمةً للبيئة.

في الذكرى الأربعين لإنشاء المعهد، كان يمد نفوذه حتى هونغ كونغ عبر افتتاح مركز جديد في المنطقة الإدارية الخاصة؛ للمُساعدة في تزويد الحكومة المركزية بمعلومات دقيقة.

ورغم أن الكثير من المُراقبين الغربيين يرفضون الإحصائيات الصينية باعتبارها أكاذيب وإحصائيات مُعلّبة أو تحت الطلب، إلا أنه في حالة الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية يفرض حجم البيانات تحديات أساسية بعيدًا عن صدقها من عدمه. لا أعلم حتى كيف بإمكان أكثر الإحصائيات تحريًا للدقة أن تكشف على سبيل المثال، عدد الخنازير التي كانت في مقاطعة جيلين عام 1993. مع ذلك ومنذ "تحقيقات شنو" في عهد ماو تسي تونغ التي صنَف فيها محتويات القرية بطريقة إجرائية بهدف اكتشاف أفضل طريقةٍ لتنظيمها، أصبحت المنهجية السوڤيتية لعلوم الاجتماع المعروفة بـالاشتراكية العلمية هي عصب الأبحاث الأكاديمية الصينية الرئيسي.

تتمحور المهمة كما يرى ماركس ليس فقط في فهم وتفسير العالم بل تغييره أيضًا، وفي الصين التكنوقراطية الحديثة فإن مهمة فهم وتفسير العالم متروكة للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية بينما يتولى الحزب مهمة تغييره، كلا الأمرين مُهمة النخبة، أبحاث المعهد ليست مُتاحة على نطاقٍ واسع وبالطبع ليست بالإنجليزية، هي مُتاحة فقط بالصينية لنُخبة الحزب، وهناك إحصائيات مرتبطة بظواهر محتملة مثيرة للإزعاج، بالإضافة إلى معلومات حول الحصاد على سبيل المثال أو احتياطات البترول أو عائدات الاستثمار الحكومي في البنية التحتية، يقوم الأنثروبولوچيون وعلماء الاجتماع والاقتصاديون في المعهد بأداء أدوار مُشابهة لمستشاري ماكينزي في الولايات المتحدة الأمريكية.  

في الصين التكنوقراطية الحديثة، مهمة فهم وتفسير العالم متروكة للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية بينما يتولى الحزب مهمة تغييره

كما رأيت في شينينغ، فإن قسم النشر للعلوم الاجتماعية  يُصدر سلسلةً مُتميزة من الكُتب السنوية تحتوي على مقدارٍ هائل من مجموعات البيانات مُتعلقة بالبلاد كلها في العشرين سنة الماضية. مجموعة بيانات عن السكان والنمو السكاني، وتحول الصناعات والموارد ومواقعها، والتحصيل التعليمي، والهجرة الداخلية والمزيد. كل كتاب مُختَص بمُقاطعة عبارة عن مُجلد ثقيل مليء بصور الناس والأماكن تبث فيَّ شعورًا بالحنين لزمنٍ لم أعِشه في بلدٍ أجنبي وللتوقعات المُتفائِلة للنمو التي تحققت بطريقة ما.

اقرأ/ي أيضًا: "الحل الصيني" يُزاحم أمريكا ببطء على قيادة العالم

أملي أن تكون هذه المواد مُتاحة بالإنجليزية في وقتٍ ما، ويُفضَّل عبر الإنترنت على شكل موسوعة يُمكِن البحث خلالها. بالطبع سيكون هُناك أولئك الذين يشعرون أن هذه الإحصائيات الحكومية غير موثوقة وناتجة عن مصالح مُتجذِرة كما لو أن الأمر مُقتصِر على الصين، لكن بالنسبة للعديد من علماء الاجتماع ستكون لهذه البيانات قيمة عظيمة. والأرجح أنه مع تقدُم واستمرار العولمة ستتوقف الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية عن كونها قلعةً مُخيفة وغامضة وسيُصبح اسمها معروفًا، على الأقلِ في أوساط علماء الاجتماع في جامعة أكسفورد.

في حين كانت المقاطعات المجاورة تاريخيًا موطنًا لبدوٍ من التبت فإن الأغلبية العِرقية في المقاطعة هي من الهان الصينيين. يظهر الإسلام هناك بشكلٍ واضح كذلك عن طريق مسجد ضخم مُزدان بمصابيح النيون، ويُعتبَر أكثر حُضُورًا هُناك من البُوذية التقليدية. بعد المؤتمر، زرت بحيرة تشينغهاي الاستثنائية وهي الأكبر في الصين حيث تبلغ مساحة سطحها أكثر من 4000 كيلومتر مربع، وبها مَلاجئ للطُيور تقع على تقاطعاتِ طُرق هجرتها المُتنوِعة. يمتلئ شاطئ البُحيرة بمطاعمِ الوجبات السريعة بينما القمامة منثورةٌ في أرجائهِ.

على كُلِ حال لا يزال أمام نُمُو الصين الاستثنائي الكثير من المشكلات لتذليلها في اقتصاد تحول من الاعتماد على المصادر الريفية إلى اقتصادٍ مدفوع بالصناعات الرقمية والسياحية الهائلة والتمويل والثقافة، لا شك أن الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية (CASS) تدرِك ذلك وأن الأمور ستستمر في التغيُرِ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما الذي دفع الصين إلى الانخراط في الحرب السورية

الفائض المالي يدفع كرة القدم الصينية للأمام