06-سبتمبر-2017

لعشرات السنين، يعاني الروهينغا المسلمون في ميانمار من اضطهاد وصل للتطهير العرقي (أ.ف.ب)

الأمر محير حقًا، فحين تهبط الطائرة في مطار العاصمة، سيقول الطيار للركاب: "أهلًا بكم في يانغون"، وهو الاسم الجديد للعاصمة التي كانت تسمى رانغون. لكن العلامة التي ستوضع على حقائب المسافرين ستكون الحروف "ران"، اختصارًا لـ"رانغون" رغم أن الاسم الجديد كما ذكرنا هو يانغون. البورميون العاديون يقولون إن بلادهم تُسمى بورما، وأنّ أكبر مدنها هي رانغون، فما القصة؟

بعد أن استولى العسكر على بورما غيروا اسمها إلى ميانمار، واسم العاصمة من رانغون إلى يانغون!

استولى المجلس العسكري على السلطة في البلاد، وغير اسمها إلى ميانمار واسم عاصمتها إلى يانغون. وكانت حجة المجلس العسكري أنّ بورما هو اسمٌ يعود للحقبة الاستعمارية. وهكذا ومنذ عام 1962 أصبحت بورما ميانمار ولبست البزة العسكرية.

اقرأ/ي أيضًا: 15 مليون إنسان حول العالم بدون جنسية.. كارثة متعمدة وراء الستار

في 2010 جرت انتخابات شكلية لزعم الانتقال للحكم المدني، فخلع رئيس الوزراء "ثين سين" المنتمي للجيش بزته العسكرية، وأسس حزبًا سياسيًا هو "اتحاد التضامن والتنمية"، الذي حقق نتيجة قاربت 80%، وهي النتيجة التي شككت في صحتها المعارضة الميانمارية.

لكن أونغ سان سو تشي، ابنة الزعيم الروحي للبورميين، وخريجة جامعة أوكسفورد، والحاصلة على نوبل للسلام عام 1990، قاطعت هي وحزبها، حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" انتخابات 2010، وقادت احتجاجات شعبية ضد السلطة، وصولًا لانتخابات 2015 التي استطاعت فيها تحقيق انتصار مكنها من شغل منصب مستشار الدولة الذي يعادل منصب رئيسة الوزراء.

الروهينغا.. أقلية خارج حسابات العالم

بعد فوز حزب أونغ سان سو تشي بالانتخابات، ذكرت منظمة هيومان رايتس ووتش، أنه "رفضت طلبات أكثر من 50% من المُرشحين المُسلمين، إذ لم تنطبق عليهم شروط الترشح، جراء التغيرات التي طرأت على قوانين الأحزاب السياسية، وإنفاذ قانون الجنسية التعسفي عام 1982"، وأضافت المنظمة الحقوقية، أنّ من بين هؤلاء المرشحين عضوين بالبرلمان الحالي عن الحزب الحاكم، وهما من مسلمي الروهينغا. وبالجملة، ووفقًا لهيومن رايتس ووتش فإنّ الحزبين الرئيسين، وهما حزب اتحاد التضامن والتنمية وحزب الرابطة الوطنية الحاكم، خلت قوائمهما من أي مُرشّح مسلم في أي مكان في بورما.

سكان من الروهينغا هاربون من أعمال العنف الدموية ضدهم (أ.ف.ب)
سكان من الروهينغا هاربون من أعمال العنف الدموية ضدهم (أ.ف.ب)

ولتتخلص الحكومة من تبعات وجودهم في البلاد، فإنها لا تعتبر المسلمين مواطنين بورميين أصلًا، وإنما تنظر إليهم كأقلية بنغالية مهاجرة بشكل غير شرعي، فيما يُؤكد الروهينغا على انتمائهم للبلاد، وعلى أنّ تواجدهم في إقليم راخين يعود لعام 1799.

رغم وجودهم في إقليم راخين البورمي منذ عام 1799، إلا أن الحكومة لا تعتبر الروهينغا مواطنين بورميين أصلًا

وبخلاف القتل والتعذيب، فإنّ الروهينغا يعيشون ظروفًا لا إنسانية في بورما، فهم محرومون من التعليم والعناية الصحية، فضلًا عن حرمانهم من التوظيف، وبتعبير رويترز في تقرير لها، فإن الروهينغا يعيشون ظروفًا يُمكن وصفها بـ"الفصل العنصري". ورغم أنّ الظروف التي يعانونها تعود لعشرات سنين مضت، إلا أنّ تجددها بهذه الصورة البشعة، يعود لصعود حركة "969" التي يقودها مجموعة من الرهبان البوذيين المتشددين، والذين يرون ضرورة "تطهير العرق البورمي من الروهينغا" الذين تعتبرهم يمثلون "غزوًا إسلاميًا"، وهو ما أدى في عام 2012 إلى هروب 140 ألفًا من الروهينغا من البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: أنظمة شمولية حول العالم.. أين التسامح؟

أمّا من جهة السلطات التي تأتي على رأسها الآن -بالإضافة إلى المجلس العسكري- سان سو تشي الحائزة على نوبل للسلام؛ فإنّها بدلًا من أن تعمل على تقديم مرتكبي المجازر ضد الروهينغا للمحاكمة، فإنها تساهم في مزيدٍ من تدهور أوضاع الروهينغا، بالاعتقال والتعذيب والإجبار على العمل قسريًا، وحتى تجنيد الأطفال قسرًا، وذلك وفقًا لما جاء في تقريرٍ لمنظمة العفو الدولية. وسيكون من نافلة القول إذن، إنّ السلطات البورمية تتعسف بشكل كبير في إدخال المساعدات الإنسانية للروهينغا، وخاصة بعد هجوم نفذه مجموعة من الروهينغا مسلحين بالعصي والسكاكين وقنابل يدوية الصنع، على 30 مركز شرطة، ليزداد اشتعال الاشتباكات، وتزداد المقتلة في الروهينغا.

أمّا سيدة بورما الأولى، سان سو تشي، فقد تعاملت مع قضية الروهينغا منذ البداية بلا مبالاة استحقت أخيرًا انتقاد الأمم المتحدة للمرأة الحائزة على نوبل للسلام! وقد كتبت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن ذلك تحت عنوان "الأمم المتحدة تدعو سان سو تشي إلى وقف التطهير العرقي للروهينغا"، فيما وصفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية موقف سان سو تشي بـ"الجبان".

خليج البنغال يفرض الصمت على دول الجوار

بورما أو ميانمار هي إحدى دول شرق أسيا الواقعة على امتداد خليج البنغال. يحدها من الشمال الشرقي الصين، والهند وبنغلاديش من الشمال الغربي، والحدود الجنوبية عبارة عن سواحل على خليج البنغال والمحيط الهندي. وبالتركيز على خليج البنغال، فهو يعد أكبر خليج مفتوح في العالم، وتحيط به بعض أهم الطرق التجارية العالمية، تحتجزه الهند غربًا وتايلاند شرقًا، فيما تحاول الصين ربط جنوبها مع الهند عبر نفس الخليج.

بات واضحًا أن الصين تدعم استقرار النظام البورمي، دون أن تلقي بالًا لما يحدث مع الروهينغا، معتبرةً ذلك شأنًا داخليًا، وذلك في سياق محاولتها عدم خسارة العلاقات مع النظام البورمي. ورغم أنّ مجلة فورين بوليسي الأمريكية، وصفت العلاقات بين الصين وبورما بالمعقدة، نتيجةً لعدة ظروف، إلا أنّها أيضًا أكدت أنّ رعاية العلاقات الودية بين البلدين بمثابة العقيدة السياسية لسياستهما الخارجية. في كل الأحوال بورما قد تكون بوابة للصين على خليج البنغال الهام، خاصة مع خطط الصين الاقتصادية وعلى رأسها طريق الحرير الجديد أو مبادرة "الحزام والطريق".

لا يختلف الحال كثيرًا مع الهند، التي لا تعطي ردود فعل مؤثرة فيما يخص قضية الروهينغا، فيما يبدو محاولة للحفاظ على علاقتها مع جارتها ميانمار، وأمانها حركتها الاقتصادية في خليج البنغال. ربما تكون بنغلاديش وحدها التي فتحت الباب أمام مُهجري الروهينغا، لكنها على ما يبدو اكتفت مُؤخرًا بمن استقبلتهم، ربما لأسباب اقتصادية، أو لضغوط من دول الجوار.

الروهينغا إذن أقلية جديدة تذبح باسم الشعارات المقدسة، وردة الفعل العالمية لم تخرج عن المعتاد. بينما تكتفي دول تدعي قوامتها على المسلمين، كالسعودية، بالصمت المطبق كعادتها في مختلف القضايا العربية والإسلامية الحساسة والأساسية. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

السعودية والإرهاب.. جرائم بشهود وجلاجل

الإسلام في الصين