13-يونيو-2017

انتقلت علاقات السعودية وابوظبي بإسرائيل من السرية إلى العلنية (ديفيد بوتو/Getty)

من الزيف المفضوح أن تزعزع وجود علاقات "دافئة" بين دولتين طردت إحداهما دبلوماسيي الأُخرى وأغلقت مكاتبها وتمثيلياتها، كما الحال مع قطر التي فعلت ذلك مع الدبلوماسيين الإسرائيليين على أراضيها منذ 2008.

إذن فمن يُروّج تلك الاتهامات الفارغة؟ أبوظبي التي تحاول إلصاق تهمة إسرائيل بالدوحة لتمرير تعاونها معها، وذلك انطلاقًا من فبركة تصريحات على لسان أمير قطر، بعد اختراق لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، تزعم تأكيده على العلاقات الجيدة مع إسرائيل!

قطر.. قطيعة كاملة مع تل أبيب منذ 2008

تزامنًا مع توتر العلاقات بين قطر من جانب والسعودية وأبوظبي من جانب آخر، نشر أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي، تغريدتين عبر تويتر قال فيهما: "هناك فرصة، من خلال التعاون مع صديقنا العزيز الولايات المتحدة لقيادة النظام الإقليمي الجديد، وهذا النظام سيحقق الاعتراف بدولة يهودية وتطبيع الدول المعتدلة مع إسرائيل".

 

 

يكشف تعليق ليبرمان جانبًا من الحقيقة، فهو، ومعه الإعلام الإسرائيلي، يشاركان الإعلام السعودي والإماراتي في التحريض على قطر منذ بدء الأزمة، وقبل ذلك بكثير، ثم حين يتحدّث مسؤول إسرائيلي عن الإرهاب لا بدّ أن تتحسَّس مسدسك، ولذلك وضع سفير إسرائيل السابق في الولايات المتحدة، مايكل أورين، خط سير توضيحي يبين كيف تدور العلاقات في الشرق الأوسط، بقوله: "خط جديد رُسم في الرمال الشرق أوسطية. لم يعد الوضع أن إسرائيل ضد العرب، وإنما إسرائيل والعرب ضد قطر".

من خلف إسرائيل تقف دول عربية، باحثةً عن دور لها "غير نظيف" بالضرورة، مقابل أن تجد لنفسها مكانًا في النظام الإقليمي الجديد

وجدت قطر نفسها في المواجهة أمام إسرائيل التي من ورائها دول عربية تبحث عن دور غير نظيف لتؤديه مقابل أن تجد لنفسها مكانًا في النظام الإقليمي الجديد. تخطط تلك الدول، سواء كانت السعودية أو الإمارات، وتابعيهما للإطاحة بالدوحة لحساب التقدّم في مخطط السلام الذي يدفع نحوه كل من العاهل الأردني عبدالله بن الحسين والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي،  الذي وضحت تسريبات صحيفة هآرتس الأخيرة نسار لقاءات جمعته العام الماضي مع إسحق هرتسوغ لبحث السلام برعاية الرياض ودعم أبوظبي، وهذا باعتراف من نتنياهو نفسه، فيما تقف قطر في وجهه بمواقفها المناوئة للسياسات الإسرائيلية. وترتِّب أبوظبي والرياض منذ وقت طويل مع تل أبيب، لإيقاع المنطقة العربية في الفخ، وهذه المؤامرة كانت البداية.

اقرأ/ي أيضًا: قطع العلاقات مع قطر.. "من هو الإرهابي؟"

كان تقرير صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، صبيحة قطع العلاقات الخليجية مع قطر، والذي حمل عنوان "5 أسباب تجعل إسرائيل معنية بالأزمة القطرية"، معبِّرًا عمَّا جرى، فذكر أن "التمهيد للتقارب بين إسرائيل من جهة، والسعودية ودول الخليج الأخرى ومصر من جهة أخرى، هو المكسب الأول لكل الأطراف". يتضح إذن أنها مؤامرة عربية عبرية ضد قطر.

وأضافت الصحيفة العبرية في شرح المكاسب الإسرائيلية من حصار قطر، قائلةً إنّ "الأزمة تساهم في تعزيز مواقع إسرائيل في المنطقة بشكل عام، ومواقع الحكومة الإسرائيلية الحالية بشكل خاص".

ولكن.. منذ متى بدأت تلك المواقف؟

في 2008، قررت قطر قطع علاقتها بإسرائيل بإغلاق مكتب المصالح الإسرائيلية وطرد دبلوماسيي تل أبيب من الدوحة، احتجاجًا على العدوان الإسرائيلي على غزة، كما استضافت الدوحة مؤتمرًا عربيًا إسلاميًا لمناقشة الصراع الفلسطيني، وتضمَّن دعوة إلى إنهاء وقطع العلاقات مع إسرائيل، وعلى إثره استقر دعم قطر لغزة واستضافتها قادة من حركة حماس، وهو ما أربك تل أبيب، وجعلها تضمر العداء المعلن للقيادة القطرية.

ولأن لا شيء انتهى، دعت الدوحة إلى تحقيق دولي في كل العمليات الإسرائيلية بالقدس المحتلة منذ عام 1967، والتي تهدف إلى طمس الهوية العربية والإسلامية، وتسبَّبت هذه الخطوة في ضرر كبير لتل أبيب.

وصل العداء إلى حدٍ لا رجعة فيه عام 2012، حين زار الأمير الوالد حمد بن خليفة قطاع غزة المُحاصَر، وهي أول زيارة من نوعها لزعيم عربي منذ الحصار الإسرائيلي، كاسرًا الطوق المفروض علي القطاع. لهذا السبب، احتفظ ليبرمان تحديدًا بعداء خاص تجاه الدوحة، فقد فشل في حفظ العلاقات الدبلوماسية طيلة وجوده وزيرًا للخارجية، بسبب إصرار الدوحة على مبدأ "فلسطين أولًا".

أمير قطر السابق حمد بن خليفة وزوجته بصحبه إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة 2012 (وسام نصار/ أ.ف.ب)
الأمير الوالد وعائلته بصحبة إسماعيل هنية في غزة 2012 (وسام نصار/ أ.ف.ب)

كيف أصبحت السعودية وأبوظبي دميتين بيد إسرائيل؟

الخلاف القطري الإسرائيلي حادٌّ منذ زمن، يُدار بالصراع، ولذلك حاول عدد من المتطرفين الإسرائيليين، يقودهم المستوطن باروخ مارزيل، اقتحام مكتب الجزيرة في القدس المحلتة، وعلقوا لافتة تطالب السلطات الإسرائيلية بضرورة إغلاق المكتب. ووقف المتطرِّفون عند مدخل مكتب القناة، وقال أحدهم إنه "آن الأوان أن تغلق حكومة إسرائيل مكتب الجزيرة، وتطرد العاملين فيه إلى قطر، أسوة بما جرى في السعودية والأردن".

تهيل كل من أبوظبي والسعودية بالتراب على علاقاتهما مع إسرائيل بمجرفة الاتهامات الملفقة لقطر، فيتهمانها بعلاقات سرية مع إسرائيل، ليديرا صخبًا يُشوش على علاقاتهما المعلنة مع إسرائيل. لكن تلفيقهما فشل، بعد أن اتضح للجميع سعيهما الدائم لتنمية تلك العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي رغبة منهما في الحصول على دور أكبر على مسرح الدمى الإسرائيلي، يكشف عن ذلك ما نقله الكاتب الصحفي الإنجليزي ديفيد هيرست عبر موقع ميدل إيست آي، عن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق شارول موفاز، بأنّه "على إسرائيل أن تحدد دورًا للسعودية والإمارات في تجريد حركة حماس من السلاح".

اعتمدت الإمارات والسعودية على وعود ترامب، دون مراعاة لأن ترامب نفسه يحتاج لمن يطمئنه على مستقبله في البيت الأبيض

وفي مقال آخر، يُعلّق هيرست على الأزمة المدبرة ضد قطر، قائلًا إنّ "أول حسبة كانت خاطئة، هي الثقة بكلام ترامب، فحينما تشتري منتجًا من منتجات ترامب يجدر بك أن تكون على وعي بالمضاعفات الجانبية، وأحدها هو ذلك الكم الهائل من الامتعاض والكراهية والمقاومة التي ولدها ترامب داخل بلاده".

اقرأ/ي أيضًا: تسريبات العتيبة.. إرهاب أبوظبي "الدبلوماسي" برعاية إسرائيلية

ثمة أسباب أخرى أيضًا تجعل من تلك الحسبة خاطئة، فالسعودية اعتقدت أنه طالما أن ترامب معها، لأنها دفعت الجزية المقدرة بأكثر من 300 مليار دولار، فإنّ أحدًا لن يقف ضدها. لكنها في الحقيقة لم تراع أن ترامب نفسه يحتاج لمن يطمئنه على مستقبله في البيت الأبيض، مع وجود عددة مُؤسسات حكم أمريكية ساخطة على تصرفاته، مثل المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) والبنتاغون ووزارة الخارجية وأعضاء مجلس الشيوخ من كل ألوان الطيف، والقضاة ونشطاء الحقوق والحريات، وهؤلاء جميعًا لن يسمحوا للسعودية بتجاوز وضعها التقليدي، أولًا لأنهم غاضبون من ترامب وتصرفاته، وثانيًا لأنهم غاضبون من السعودية التي يُشار إليها كثيرًا عند الحديث عن "الإرهاب" وهجمات 11 أيلول/سبتمبر.

قصة أنور عشقي وصديقه دور غولد.. عرَّابا التطبيع

تتحرك السعودية وكذلك أبوظبي بأوامر وتوجيهات سياسية، فوفقًا لما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في الرابع من تموز/يوليو 2015، فإنّ "الموساد والمخابرات السعودية يجتمعان بانتظام"، مُضيفةً أنّ "الجانبان تباحثا عندما كان الرئيس المصري السابق محمد مرسي على وشك الإطاحة به".

لكن.. هل لنا أن نتتبع نمو العلاقات السعودية الإسرائيلية التي دفعتهما الآن إلى انتزاع تيران وصنافير من السيادة المصرية، بموافقة السيسي، لتصبح بنيهما حدود مشتركة لتمرير مصالح مشتركة؟

في حزيران/يونيو 2015، نظم مجلس الشؤون الخارجية الأمريكية مؤتمرًا في واشنطن، ضم لواءً سعوديًا متقاعدًا مقرّبًا من القصر الملكي وسبق أن عمل مستشارًا لرئيس المخابرات بندر بن سلطان، يدعى أنور عشقي، وإلى جواره دور غولد، المدير العام لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية، ومؤلف كتاب "مملكة الكراهية.. كيف دعمت السعودية الإرهاب العالمي الجديد"، وتحدثا عن العدو المشترك بين السعودية وإسرائيل ألا وهو إيران.

يُمكن القول بلا كثير مجازفة، إنّ إيران هي كلمة السر في كل ما يجري في المنطقة من اجتماع إسرائيل والسعودية على مائدة واحدة، وتفرّق الأشقاء العرب.

قبل عام من ذلك التاريخ، عقد السعوديون والإسرائيليون سلسلة اجتماعات سريّة غير رسمية لوضع خطط واستراتيجيات لمواجهة النفوذ الإيراني، جرت إحدى تلك الاجتماعات في لكناو بالهند، وتم تنظيمه من قبل مؤسسة فكرية بارزة في نيودلهي، وضمَّت الوفود مجموعة من كبار المسؤولين العسكريين السابقين، حيث كان الوفد الإسرائيلي مكونًا من أعضاء مركز القدس للشؤون العامة، فيما ضم الوفد السعودي أنور عشقي أيضًا.

من هنا بدأ الوفاق الذي لا يمكن تفسيره بمعزل عن "السلام الدافئ" الدائم بين إسرائيل والهند، ولا عن التعاون الناشئ بين السعودية وإسرائيل، اللذين جلس وفداهما في الهند على جانب واحد من نفس الطاولة في مواجهة المشاركين الهنود.

طغا على الاجتماع، الذي كان بداية الترتيبات بين البلديْن عبر عرّابيْن من عرّابيها، حسابات الجغرافيا السياسية، وليس الأيديولوجيا، فقد كان ما بينهما أكبر من أي فوارق على مستوى الفكري والعقدي، إذ كانت الحسابات السياسية تجمعهما!

بتتبع الأحداث، يتضح أن إيران هي كلمة السر في كل ما يجري بالمنطقة تقريبًا

كان كل ذلك مقدمة لزيارة جرت وقائعها في تل أبيب، على رأسها أنور عشقي برفقة مجموعة من "مساعديه"، فيما وُصف بإعلان التطبيع بين الجانبين السعودي والإسرائيلي، وإن كان عشقي قد قال إنّ زيارته شخصية ولا تمثل الحكومة السعودية، وكأنّه كان ليطأ الأراضي الفلسطينية المحتلة دون موافقة السلطات السعودية!

اقرأ/ي أيضًا: عشقي في تل أبيب.. تعقيب بشأن التطبيع

وفي ذلك الوقت قالت الصحف إن عشقي زار تل أبيب برفقة بعثة أكاديمية ورجال أعمال سعوديين، التقوا خلال الزيارة الحميمة مجموعة من أعضاء الكنيست بهدف تشجيع خطابٍ إسرائيلي يدعم مبادرة السلام. ثم برر عشقي زيارته، بأنها للفلسطينيين لدعمهم ودعم قضيتهم، لعله قصد أن جهده هذا لـ"السلام الدافئ" في مصلحة الفلسطينيين وقضيتهم، فعلى كل حال هناك من يعتقد في ذلك.

هكذا تولت السعودية مسؤولية إعلان موقف إسرائيل من مقاطعة قطر!

ذكرت صحف إسرائيلية تحليلات ومعلومات تدفع في اتجاه القطيعة مع قطر، كأنها تشجّعها، إلا إنها تؤكد في الوقت نفسه، أن السعودية وأبوظبي كانتا وراءها، وأنهما تسعيان منذ فترة لإقناع الإدارة الأمريكية بأن قطر "تلعب لعبة مزدوجة آن الأوان لإنهائها"، وفق ما ذكرته صحيفة معاريف العبرية.

وأشار ليبرمان إلى تنسيق إسرائيلي خليجي مُشترك، ربما يكون بوساطة مصرية، ضد الدوحة، لقطع يدها الممسكة بيد إسرائيل أن تقتحم المنطقة العربية. وبدا ذلك واضحًا في تصريح ليبرمان بأنّ "القرار الخليجي يُمكّن إسرائيل، في حقيقة الأمر، من مد يدها للتعاون في المعركة ضد الإرهاب"، متناسيًا أن أحد رجاله، ورجال إسرائيل الكبار في المسألة المخابراتية، والمسؤول عن الأمن الداخلي للمناطق المحتلة، دور غولد، له مؤلف بعنوان "مملكة الكراهية" يتهم السعودية بإدارة الإرهاب في العالم!

كان الموقف الإسرائيلي واضحًا من أن مقاطعة قطر تأتي بالدرجة الأولى في مصلحة إسرائيل!

وللعجب أنّ من أعلن الموقف الإسرائيلي من مقاطعة قطر عبر شاشة القناة الثانية الإسرائيلية، هو محلل سعودي، يدعى عبد الحميد الحكيم، مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات -الذي يعمل دور غولد، صديق وربيب وحليف أنور عشقي، عرَّاب التطبيع في إسرائيل- فقال إن "قرار مقاطعة قطر مهم من أجل السلام، وأعرف إن إسرائيل تتفهَّم ذلك".

جاء تصريح الحكيم، عبر القناة الثانية الإسرائيلية، بعد هجوم قاس شنه على قطر، وهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها ضيف سعودي مقرّب من القصر الملكي، على شاشة إسرائيلية، فيما بدا -بالنسبة إلى متابعين ومعلقين- أمرًا أكبر من مجرد تطبيع سياسي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المطبعون.. ليسوا منا ولسنا منهم 

قطع العلاقات مع قطر.. كل شيء عن مؤامرة أبوظبي