03-أكتوبر-2017

تعتقل البحرين الناشط الحقوقي نبيل رجب بتهمة "إهانة السعودية" (أ.ف.ب)

منذ أن اندلعت ثورات الربيع العربي في 2011، بداية من تونس فمصر، وانتقلت سريعًا لدول عربية أخرى كليبيا وسوريا واليمن، حتى انتفضت الأنظمة الدكتاتورية بعد أن خافت على نفسها، واتجهت لعقد التحالفات لقمع المعارضين وشراء صمت بعض دول العالم، وللسيطرة على دول أخرى وإماتة الانتفاضات فيها، بل وضعها في خانة التابعين.

تأتي السعودية على رأس الدول الدكتاتورية التي انتفضت، خوفًا على نفسها، في وجه ثورات الربيع العربي

تأتي المملكة العربية السعودية على رأس تلك الدول، والتي أدركت الخطر مبكرًا، وخاف آل سعود من اهتزاز عرش ملكهم، خاصة في ظل جبهات عدة مفتوحة تهدد بمد التظاهرات داخل المملكة، فسوريا من الشمال واليمن من الجنوب، والانتفاضة البحرينية المغبونة في الشرق، وهناك في الشرق أيضًا، لكن من داخل السعودية لم تنس الأقلية الشيعية أن لها حقوق مواطنة مهضومة. ومن داخل الأسرة الحاكمة، تصاعدت الخلافات منذ وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود في 2015. 

اقرأ/ي ايضًا: "التدخل السافر".. سياسة بن سلمان لجر السعودية نحو الهاوية

واتجهت المملكة إلى محاولة شراء ذمم الدول الكبرى، تحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد الانتقال من الحكم إلى إدارة رجل الأعمال دونالد ترامب، الذي دُفع لقاء ولائه مئات المليارات.

البحرين.. "عروسة الماريونت"

يبدو أنه من مصلحة القصر الملكي في البحرين، إعلان الولاء غير المشروط للسعودية لضمان الحماية، والسيطرة على الأمور داخليًا، خاصة وأنها دولة صغيرة لا يتجاوز عدد قاطنيها بالأجانب، مليونًا ونصف.

في المقابل، اتخذت السعودية منذ البداية، البحرين كتابع لها تعضيدًا لموقفها في مجلس التعاون الخليجي، خاصة وأن السعودية تفضل ممارسة دور "شيخ القبيلة" الوصي على جيرانه. كما أنّ البحرين تمثل لها شماعة مناسبة لتعليق جرائمها وتدخلاتها تحت مزاعم الأمن الوطني.

وعليه، مثلت البحرين، ولا زالت تمثل دور "عروسة المايرونت" التي تُحركها السعودية، لتبدأ بها هباتها على الآخرين، ولعل ذلك تمثّل واضحًا في أن البحرين هي أوّل من أعلنت قطع علاقاتها مع قطر، تحت دعاوى مختلفة، من أبرزها التدخل في شؤونها، لتلحقها السعودية والإمارات فمصر ببيانات قطع العلاقات مع الدولة الجارة. وهكذا يتمثل الدور "الوظيفي" للبحرين.

الناشط البحريني نبيل رجب.. "أرادوا أن يجعلوه عبرة"!

نُسب قول عن الناشط السياسي المصري المعتقل علاء عبدالفتاح، أن الدولة تريد أن تجعل منه عبرة لأقرانه من النشطاء، بتوالي اعتقاله. وبصرف النظر عن صحة تلك المقولة، إلا أن الدول القمعية تسعى عادة إلى جعل أحد معارضيها عبرة لغيره، تفعيلًا لدور الخوف في السيطرة على المجال العام. وهكذا كان الحال مع نبيل رجب، الناشط الحقوقي البحريني الذي تتعنت السلطات البحرينية في الإفراج عنه رغم مطالب العديد من المنظمات والجماعات الحقوقية، مع التلويح بقضائه عشرات السنوات في السجن.

هل للسعودية يد في اعتقال نبيل رجب؟

قبل أيام قليلة، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا جديدًا تنتقد فيه وضع سجين الرأي نبيل رجب، وتعنت السلطات البحرينية في الإفراج عنه حتى الآن. وقد ألقي القبض على نبيل رجب بعد أن علّق على التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن منذ مارس/ آذار 2015، قائلًا إن "الحروب تجلب الكراهية والدمار والأهوال"، ناشرًا عددًا من الصور الصادمة لقصف التحالف في اليمن. لكن يبدو أن تلك التدوينات البسيطة أثارت غضب قائدة التحالف، السعودية، وبالطبع السلطات البحرينية التي لا تُفضل عادة أي صوت معارض.

أفرج عن نبيل رجب بعدما قضى ما يزيد عن الشهر في السجن، قبل أن تعلن السلطات البحرينية القبض عليه مرة أخرى في حزيران/يونيو العام الماضي على ذمة الاتهامات نفسها، ونصّها: "نشر أخبار كاذبة ومغرضة من شأنها النيل من هيبة البحرين ومكانتها، وإهانة الهيئات النظامية وإهانة دولة أجنبية (السعودية)"، ليصل مجموع الأحكام التي يواجهها نبيل رجل إلى 18 عامًا!

يبدو أن السعودية تُسخر أموالها لتكميم الأفواه وتكريس القمع، ليس فقط في الداخل، بل كذلك في دول الجوار

وقبيل القبض عليه، صرح نبيل رجب قائلًا: "أنا متأكد أن السلطات البحرينية ستتركني في حالي لو التزمت الصمت، ولكني أعرف أنني لن أسكت، وسأستمر في الدفاع عن هؤلاء الناس، عن المظلومين، الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم".

اقرأ/ي أيضًا: القمع في البحرين.. وصفة على الطريقة السعودية وصمتٌ أمريكي مدفوع الأجر

إضافة إلى سجل البحرين الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان التي تأتي على نفس النهج السعودي، يُعطي سبب اعتقال نبيل رجب الأخير، بل ونص التهمة الموجهة له، انطباعًا بأنّ السعودية تقف بشكل ما خلف هذا الاعتقال، تأكيدًا على طبيعة الدور الذي تلعبه في المنطقة من جهة الوصاية على ممارسات القمع والانتهاك للحقوق والحريات.

في سياق ذلك، وتحديدًا مع تهمة "إهانة دولة أجنبية" المتهم بها رجب، يُشار إلى أن أمرًا مُشابهًا حدث في مصر، بجملة اعتقالات لمن يُعلنون معارضتهم للسياسات السعودية من داخل مصر، فضلًا عن المعتقلين رفضًا لاتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية. يبدو إذًا أن السلطات السعودية تُسخّر مالها لتكميم الأفواه، ليس فقط في الداخل، بل كذلك مع دول الجوار، وهو ما قد يُفسر سبب الحملة الشرسة التي تقودها ضد قطر، باعتبار أن الأخيرة خارجة عن "طوع" السعودية وسياساتها.

الحقوق والحريات في البحرين.. إشارة حمراء

منذ 2011، وعلى خلفية الانتفاضة البحرينية وثورات الربيع العربي، وأوضاع الحقوق والحريات داخل البحرين في انحدار متزايد، تضاعف مع انضمامها للتحالف السعودي في اليمن، في آذار/مارس 2015. 

بسبب ذلك منعت السلطات البحرينية ممثلين عن منظمات حقوقية دولية من دخول البحرين، خوفًا من توثيق الانتهاكات وفضح النظام البحريني. آخر ذلك، ما حدث مع ممثل هيومن رايتس ووتش، حيث منعته السلطات من دخول الأراضي البحرينية في أيار/مايو الماضي مع رسالة مفادها أنه "غير مرحب به"، رغم حمله جواز سفر أمريكي يُعطيه الحق في التقدم للحصول على تأشيرة دخول عند الوصول للمطار. تكرر الأمر أيضًا مع ممثلين عن منظمة العفو الدولية، ولنفس الأسباب: إخفاء دلائل الجريمة.

والشهر الماضي، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا عن الأوضاع الحقوقية في البحرين، تحت عنوان "لا أحد يستطيع حمايتكم"، اقتباسًا من تصريح الناشطة الحقوقية ابتسام الصائغ، التي روت تعرضها لانتهاكات بدنية واعتداءات جنسية، وأن رجال الأمن أخبروها صراحة أنه "لا أحد يستطيع حمايتكم"!

ويذكر التقرير أن السلطات البحرينية تشن حملات من القمع الممنهج للمعارضة منذ منتصف عام 2016، وهو التوقيت الذي تم القبض فيه على الناشط نبيل رجب. وخلال تلك الفترة أجرت الحكومة تعديلات قانونية تسمح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. كما رصدت منظمة العفو الدولية، حالات التعذيب والمعاملة السيئة داخل السجون ومقار الاحتجاز، وانتزاع الاعترافات بالإكراه، وتفشي حالات الاختفاء القسري، وإسقاط الجنسية عن المعارضين بشكل تعسفي.

ولم تكتف السلطات البحرينية بالتعرض لحريات المعارضين فقط وقمعهم ووضعهم بالسجون، ولكن امتد الأمر للتهديد بإيذاء الأهل، فيذكر تقرير منظمة العفو الدولية، أن أحد الضباط المسؤولين، وجه تهديدًا لوالد الناشط يوسف الحوري في أيار/مايو الماضي: "إذا استمر يوسف في أنشطته، فسوف نلاحقكم أنتم، لأننا لا نستطيع القبض عليه خارج البحرين".

أوضاع حقوق الإنسان في البحرين في تدهور مستمر عامًا بعد عام، وقد زاد منذ دخولها التحالف السعودي في اليمن 

كل تلك الانتهاكات الداخلية في كفة، وما تتورط فيه البحرين مع السعودية في حرب اليمن في كفة أخرى، وربما تقع كل تلك الانتهاكات من باب التشويش على الجرائم التي تتم في اليمن، فقد ذكرت الأمم المتحدة أن جرائم تحالف السعودية في اليمن أودت بحياة 8530 شخصًا، معظمهم من المدنيين، وإصابة قرابة 48800 جرّاء الضربات الجوية المستمرة منذ آذار/مارس 2015، كما تركت الحرب نحو 20 مليونًا في حاجة إلى المساعدات الإنسانية، متسببًا فيما أسمته بـ"أكبر أزمة أمن غذائي في العالم"، وتقديرات باحتمالية وصول أعداد ضحايا الكوليرا إلى 900 ألف شخص بنهاية العام الجاري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

البحرين.. ذكرى انتفاضة مغبونة

تقرير أممي: التحالف السعودي متورط في دماء أغلب الأطفال الضحايا باليمن