11-أبريل-2018

من الفيلم

"منعُ فنانٍ من التعبير والتنديدُ به واتهامُه لأنه أنجز فيلمًا جرحني في العمق، وهذا الجرح لم يندمل بعد إلى اليوم"، يقول نبيل عيوش في حوار له مع "مونتي كارلو"، فبعد مرور أكثر من عامين على فيلمه الممنوع من العرض في المغرب "الزين الي فيك"، عاد المخرج السينمائي المغربي، بفيلم جديد بعنوان "غزية"، بدأ عرضه حديثًا في الصالات السينمائية المغربية والأوروبية، وكما كان متوقعًا لم يتجاوز المخرج مواضيع الثالوث المحرم: الجنس والدين والسياسة.

عاد المخرج نبيل عيوش بفيلم "غزية"، الذي لم يتجاوز المخرج مواضيع الثالوث المحرم: الجنس والدين والسياسة

يصوّر فيلم "غزية" قصصًا منفصلة لخمس شخصيات في مدينة الدار البيضاء، سيدة مسنة تأتي للمدينة مع ابنها بحثًا عن رجل تحبه، وامرأة ترفض الانصياع لرغبات زوجها، تجسد دورها زوجة المخرج نفسها مريم التوزاني، ثم مراهقة تبحث عن معارف جديدة، وصاحب مطعم كان محبوبًا من الناس قبل أن يكتشفوا ديانته اليهودية، وكذا قصة أستاذ أمازيغي يدرس التلاميذ بإحدى قرى جبال أطلس الأمازيغية، لكنه يجبر على التدريس باللغة العربية.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "زواج الوقت".. جدل الجنس والحب في المغرب

تتسم هذه الشخصيات في فيلم "غزية" بالثورية على تقاليد المجتمع وقيمه المحافظة، وتعمل جاهدة على محاولة خلق طريقها بحرية بعيدًا عن أغلال المجتمع، إلا أنها تجد نفسها في الأخير سجينة هذا السياق والظروف المكرهة مهما حاولت الهرب، فرغم أن هؤلاء الأشخاص يتوقون نحو حريتهم الفردية وتحقيق الذات والحلم داخل مجتمع مغربي متعدد، سرعان ما يسقطون في تناقضات المجتمع الشديدة الحربائية والمتجذرة في عموم الناس، مما يجعل أي محاولة نحو الحداثة، مهما بدا احتمال نجاحها، هي في الحقيقة قفزة أخرى نحو التقليد بشكل أو بآخر.

تدور مجريات فيلم "غزية" في مكانين مختلفين وفي زمانين مختلفين، فتارة يصور معلمًا أمازيغيًا في قرى جبال الأطلس وهو يواجه صعوبات جمة في تدريس تلامذته باللغة العربية التي لا يفهمونها خلال مرحلة الثمانينات عندما كانت سياسة التعريب، وتارة أخرى يسلط الفيلم الضوء على الهموم الجديدة التي يعيشها بعض أفراد المجتمع، والتي جاءت في سياق هذا العصر.

جاء هذا الانفصام الزمكاني في فيلم "غزية" ليعبر عن التناقضات المستفحلة داخل المجتمع، بين التقليد من جهة والحداثة من جهة أخرى، حيث يبدو المغرب سلطة وشعبًا تائهًا وسط طريقين لا يدري أي منهما يأخذه، حتى وصل الحال في البلاد إلى ما يشبه عنق الزجاجة، إذ حصل "بلوكاج" كامل على جميع المستويات، سياسيًا ومجتمعيًا.

ومن ثمّة فيحاول فيلم "غزية" عكس هذا التيهان المجتمعي، حيث يسعى الأفراد إلى التحرر والخروج عن الاتجاه العام، غير أنهم يجدون أنفسهم مكبلين بأغلال التقليد وقيم المجتمع المغموسة بالمحافظة، إذ "تم الاستيلاء اليوم على كثير من الأشياء ومن بينها التربية والحرية الفردية" كما يقول نبيل عيوش.

من ناحية الموضوع، يبدو أنه كان اختيارًا موفقًا وخصبًا لسبر مشكلات معاصرة يعيشها المغرب عبر عدسة السينما، غير أن تناول القصة لم يكن عميقًا بما فيه الكفاية في فيلم "غزية"، بل أشبه بشذرات مشهدية من هنا وهناك، فبدلًا من الاقتصار على قصة واحدة، ارتأى نبيل عيوش مخرج فيلم "غزية" تغطية قصص خمس شخصيات منفصلة، ليس بينها رابط ناظم، ما يضعف تماسك سيناريو الفيلم، لقد "أراد نبيل عيوش تناول جميع المواضيع دفعة واحدة لينتهي في الأخير بدون قصة" مثلما يرى بعض النقاد.

في فيلم "غزية" لنبيل عيوش، يسعى الأفراد إلى التحرر والخروج عن الاتجاه العام

مع ذلك، لقي فيلم "غزية" استحسان الوسط الفني بالمغرب وحظي بشهرة خارجية، بعدما اقتحم قاعات السينما الأوروبية، ومن المقرر عرضه في الشهر المقبل بالصالات السينمائية الأمريكية، كما اشترت "أمازون" حقوق نشره، وبالمقابل تعرض الفيلم لسيل من الاتهامات والشجب من قبل قسم من المغاربة، الذين وجدوا فيه تحديًا لقيم المجتمع المحافظة وتشهيرًا بـ"الرذيلة والفسق تحت اسم التحرر".

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. كل شيء ساخن على جبهة الحريات

وكان المخرج المغربي نبيل عيوش قد أثار جدلًا ساخنًا سنة 2015، بسبب فيلمه "الزين لي فيك" الذي صور لحال المومسات في البلاد، حيث تخللت الفيلم بعض المشاهد الي اعتبرت "مسيئة للمجتمع والبلاد"، مما خلق ضجة مجتمعية واسعة، انتهت بحظر عرضه في المملكة، واضطرار بطلته لبنى أبيضار إلى الانتقال إلى فرنسا بعد اعتداءات وتهديدات تعرضت لها، إلا أن ذلك لم يمنع عيوش من أن يعود بفيلم مثير ثانية.

اقرأ/ي أيضًا:

هل لامست السينما المغربية خطوط التابوهات؟

هيدي لامار.. وثائقي جديد عن الممثلة الفاتنة والمخترعة العبقرية