21-ديسمبر-2016

من احتجاجات التونسيين على اغتيال الزواري (فتحي بلعيد- أ ف ب)

لا يزال تعامل السلطات التونسية مع تداعيات اغتيال الشهيد محمد الزواري محلّ نقد بما في ذلك من الأحزاب الحاكمة، نتيجة تأخرها في التعامل مع عملية الاغتيال وارتباكها بخصوص تكييفها بل ومدى تبنيها لتوصيف الزواري كـ"شهيد". في المقابل، عرف الشارع التونسي احتجاجات واسعة لإدانة عملية الاغتيال في ظلّ دعوات لتنظيم مسيرة وطنية لتأبين الشهيد بمدينة صفاقس نهاية الأسبوع.

عرف الشارع التونسي احتجاجات واسعة لإدانة عملية اغتيال محمد الزواري، الذي أعلنت القسام انتماءه لها، وتباطؤ الحكومة في التفاعل معها

غوص في الجنائي وتأخر في السياسي

تعاملت السلطات التونسية في البداية مع عملية الاغتيال كقضية حقّ عامّ في ظلّ الضبابية حول صفة الشهيد والجهة المتورطة في اغتياله. حيث تولّت وزارة الداخلية إصدار بلاغات متتالية حول "جريمة القتل" وهو ما عكس تعاملاً جنائيًا صرفًا من السلطات، رغم كثافة المؤشرات الواردة حول صبغتها السياسية خاصة بعد إعلان كتائب عزالدين القسام انتماء الشهيد لها.

اقرأ/ي أيضًا: في تونس..هل اغتالوا الزواري مرتين؟

ولم تتفاعل رئاسة الحكومة التونسية، من جهتها، مع الحادثة إلا بعد ثلاثة أيام حينما أصدرت بلاغًا مساء الأحد، وهو يوم عطلة في تونس، حول التزام الدّولة بتتبّع الجناة في قضية اغتيال "المرحوم" الزواري. وصدر هذا البلاغ بعد ضغوطات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي واتهام الحكومة بعدم التعامل الجدّي مع الحادثة، غير أن عدم استعمال رئاسة الحكومة للفظ "الشهيد" زاد من التشكيك حول وعيها بصبغة الحادثة.

بعد أربعة أيام من عملية الاغتيال، عقدت وزارة الداخلية مؤتمرًا صحفيًا لكشف ملابسات الحادثة التي شغلت الرأي العام في ظل النقد الموجه لتعامل السلطات مع مستجداتها. وكشف وزير الداخلية الهادي مجدوب أن بداية التخطيط لعملية اغتيال الشهيد الزواري تعود إلى منتصف يونيو/حزيران 2016، مرجحًا إمكانية وقوف جهات أجنبية وراءه، مشيرًا في نفس الوقت لعدم وجود أدلة دامغة تؤكد ذلك.

وكشف وزير الداخلية في الندوة الصحفية أن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن الشهيد الزواري كان ينتمي إلى حركة الاتجاه الإسلامي منذ 1989، ما يعرف اليوم بحركة النهضة، وقد تعلقت به أحكام غيابية بسبب انتمائه، مشيرًا إلى أنه اضطر لمغادرة تونس إلى السودان ثم إلى سوريا، حيث استقر هناك وأنهى دراسته وتحصل على شهادة مهندس في الميكانيك قبل أن يعود إلى تونس بعد الثورة سنة 2011 بعد تمتعه بالعفو العام.

وقد نفى شقيق الشهيد، إثر الندوة الصحفية، تمتع محمد الزواري بالعفو العام مشيرًا إلى أن وزارة الداخلية قد تكون اشتبهت عليها الأمور حيث يوجد ابن عم للشهيد مقيم بالخارج اسمه كذلك محمد الزواري.

إضافة لتأخر وزارة الداخلية في عقد ندوة صحفية لإنارة الرأي العام حول ملابسات عملية الاغتيال، عاب متابعون أن الندوة الصحفية للوزير لم تكن إلا استعراضًا تقنيًا حول تفاصيل العملية دون وجود تكييف سياسي لها. وأشار عبد الحميد الجلاصي، القيادي في حركة النهضة، من الائتلاف الحاكم، بعد الندوة أنه كان على وزير الداخلية أن "يتعامل مع المسألة بصفته وزيرًا لا مديرًا وهو ما يستلزم موقفًا سياسيًا لا عرضًا تقنيًا وكأنها جريمة عادية".

وأشار ناشطون أنه كان على الوزير الذي لم يذكر لفظ "شهيد" بل استعمل لفظ "مرحوم"، أن يصرّح بأن تونس تعرضت لعدوان أجنبي من جهة أجنبية يُرجح أنها الموساد الإسرائيلي خاصة في ظل تقاطع جميع المؤشرات على تورّط الجهاز الإسرائيلي في العملية. من جهته، لم يصف رئيس الحكومة يوسف الشاهد الزواري كـ"شهيد" إلا يوم الثلاثاء أي بعد خمسة أيام من عملية الاغتيال.

وقد عقد رئيس الحكومة يومها اجتماعًا مع القيادات الأمنية على ضوء ردود الفعل حول الحادثة والجدل الذي أثاره قدرة صحفي إسرائيلي على تصوير تقرير تلفزي من أمام وزارة الداخلية ومنزل الشهيد. وأصدر قرارًا لبعث المركز الوطني للاستخبارات ولإعداد مشروع قانون لمكافحة جرائم شبكات الاتصال على ضوء استدراج المشاركين في عملية الاغتيال عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

بعد عملية اغتيال الزواري، دعا محتجون تونسيون لسنّ قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو مطلب سبق طرحه أثناء إعداد الدستور

وعلى المستوى القضائي، تم كذلك يوم الثلاثاء إحالة ملف الاغتيال إلى القطب القضائي الخاص بالقضايا الإرهابية بالعاصمة، وهو ما يعني تكييف الاغتيال كقضية إرهابية ذات بعد سياسي.

ولعلّ الفارق بين الحكومة والفاعلين السياسيين حول سرعة التفاعل وطبيعته مع الحادثة عكسه تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة إياد الدهماني الذي صرح بأن "التأخير كلف الحكومة أمام الرأي العام"، فيما دعا في نفس الوقت عصام الشابي، الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، الذي ينتمي إليه الدهماني، الحكومة من أجل "الارتقاء للحظة التاريخية". من جهتها، لم يصدر بعد موقف رسمي من رئاسة الجمهورية سواء عبر بلاغ رسمي أو تصريح تلفزي، رغم أن رئيس الجمهورية هو الذي يتمتع بصلاحيات الأمن القومي وقيادة الدبلوماسية التونسية.

اقرأ/ي أيضًا: القسام: الزواري أشرف على مشروع طائرات الأبابيل

الشارع يدعو لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني

عرف الشارع التونسي احتجاجات واسعة لإدانة عملية الاغتيال وتباطؤ الحكومة في التفاعل معها. حيث انتظمت وقفة احتجاجية بالعاصمة شهدت مشاركة واسعة يوم الثلاثاء 20 كانون الأول/ديسمبر بدعوة من عدة أحزاب ومنظمات وطنية. ودعا المحتجون لسنّ قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو مطلب سبق وطرحته قوى سياسية ومدنية منذ فترة إعداد دستور البلاد قبل أربع سنوات. وقد رفضت حركة النهضة الإسلامية حينها التنصيص على تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في نصّ الدستور في ظلّ وعود حينها بتجريمه في نصّ قانوني خاصّ.

وكانت الجبهة الشعبية قدمت مشروع قانون للبرلمان منذ السنة الفارطة لتجريم كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، غير أنه لم تقع مناقشته بعد. وعلى ضوء حادثة اغتيال الزواري، دعت هذه المرة قيادات من الائتلاف الحاكم للتسريع من أجل تجريم التطبيع وذلك في انتظار موقف رسمي من الأحزاب الحاكمة، وسط شكوك حول التزامها بذلك حيث يتهمها خصومها بارتهانها للأجندات الدولية والضغوط الأمريكية الرافضة لتجريم التطبيع بقانون في تونس.

وفي هذا السياق، جدّدت أحزاب المعارضة تحفظها على وزير الخارجية خميس الجهيناوي، الذي عمل كمدير مكتب العلاقات مع الكيان الصهيوني أواسط التسعينيات. من جانب آخر، من المنتظر أن يتم تنظيم مسيرة وطنية شعبية يوم السبت القادم لتأبين الشهيد بمدينة صفاقس أين تم اغتياله. ويظل السؤال حول مدى تبني السلطات الرسمية لهذه المسيرة وإمكانية مشاركة ممثلين عنها، فيما قد يمكّنها من تأكيد التحامها مع نبض الشارع، خاصة بعد حالة ارتباكها في التعامل مع الحادثة منذ البداية.

اقرأ/ي أيضًا: 

تونس.. جدل تجريم التطبيع يتجدد

المؤشر العربي.. العرب والقضية الفلسطينية