02-أغسطس-2017

باسل الصفدي في عام 2010/ فليكر

بعد عدة أعوام على اعتقال الناشط والمبرمج السوري/ الفلسطيني باسل الصفدي في سجون قوات الأسد، سادت تكهنات عديدة حول مصيره وما إذا كان النظام قد أقدم على إعدامه بالفعل، كشفت بعض وسائل الإعلام نقلًا عن زوجته أن باسل الصفدي قد أعدم في السجن عام 2015. هذا التقرير المترجم بتصرف عن صحيفة "الغارديان" البريطانية يسلط الضوء على جانب من الجهود والأنشطة التي كان باسل الصفدي منخرطًا ومهتمًا بها، ويفسر ظاهرة خوف أنظمة الاستبداد العربي من شبابها المبدع، ولاسيما من المختصين في مجال التقنية والإنترنت.


لم يكن لدى سوريا معمل للقرصنة، حتى بدأ باسل خرطبيل -المعروف على الإنترنت باسم باسل الصفدي- مختبر أيكي في دمشق عام 2010. استخدمه المبرمج الفلسطيني السوري المتخصص في تطوير البرمجيات مفتوحة المصدر -هي البرمجيات التي يمكن الاطلاع على شفرتها البرمجية وتعديلها- باعتباره قاعدة يمكن من خلالها النهوض بالبرمجيات الحرة وحركات الثقافة الحرة في بلده. وبسبب عمل باسل الصفدي اكتسب الناس أدوات جديدة يمكنهم بها التواصل والتعبير عن أنفسهم.

لم يكن لدى سوريا معمل للقرصنة، حتى بدأ باسل خرطبيل -المعروف على الإنترنت باسم باسل الصفدي- مختبر أيكي في دمشق عام 2010

كتب نائب رئيس الاتحاد الأوروبي في عام 2013، وأعضاء البرلمان الأوروبي تشارلز تانوك وآنا غوميس، أن مساهمات باسل الصفدي عملت على "فتح الإنترنت في سوريا، البلد ذي السمعة السيئة في الرقابة على الإنترنت، وتوسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت والمعرفة إلى حد كبير للشعب السوري". ومن بين الجوائز التي حصل عليها، جائزة "الحرية الرقمية للرقابة لعام 2013" لاستخدام التكنولوجيا لتعزيز الإنترنت المفتوح والمجاني.

لكن باسل الصفدي بات في مأزق، بعد أن احتجزه نظام بشار الأسد في آذار/مارس 2012، وفي تشرين الأول/أكتوبر تم ترحيله من سجن عدرا المعروف بالعنف في دمشق. ولا يعرف مكان وجوده الحالي، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، ظهرت شائعات تفيد بأنه قد حكم عليه سرًا بالإعدام -بل ربما قد قتل بالفعل- من قبل النظام.

باتت مصادر التكنولوجيا الحرة والجمعيات الداعمة لمشاريع مثل ويكيبيديا ومتصفح موزيلا والمشاع الإبداعي قلقة للغاية. فقد أرادوا الوقوف على حقيقة وضع باسل الصفدي-إذا كان حيًا أو ميتًا حينها، وتداولوا مؤخرًا عريضة تطالب بإطلاق سراحه مثلما أنشأوا حملة الحرية-لباسل على تويتر، وكان ذلك قبل إعلان مقتله على يد قوات الأسد.

اقرأ/ي أيضًا: خسائر سوريا سنويًا.. 53 مليار دولار

"هو شقيق لنا قد تم اختطافه"، هكذا لخص لورانس ليسيج، الأستاذ بجامعة هارفارد والناشط في مجال الإصلاح الحكومي الذي شارك في تأسيس المشاع الإبداعي، الذي يوفر بديلًا مفتوحًا لنظام حقوق النسخ وإعادة الاستخدام بهدف تمكين قدر أكبر من الأعمال الثقافية على الانتشار.

وقد صرح فريق الأمم المتحدة المعني بقضية الاحتجاز التعسفي لباسل الصفدي في نيسان/أبريل 2015 أن احتجازه ومحاكمته ما هي إلا إجراءات تعسفية، مثلما دعوا إلى الافراج الفوري عنه. يقول جيمي ويلز، المؤسس المشارك لموقع ويكيبيديا، الموسوعة الحرة على الإنترنت التي يساهم فيها المتطوعون، في إشارة إلى النتائج التي توصل إليها الفريق: "نحن نعرف أنه رجل جيد، وقد اعتبر الخبراء احتجازه إجراءًا تعسفيًا".

قال جوي إيتو، مدير مختبر وسائل الإعلام بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو الرئيس التنفيذي السابق للمشاع الإبداعي وصديق خرطبيل، إن هذا هو تذكير بأن أعضاء هذا المجتمع يقومون بعمل خطير، وأضاف "لقد ألقي القبض عليه في سبيل أداء الواجب المنوط به فقد كان يمثل حركتنا".

شارك باسل الصفدي بشكل كبير مع عديد المؤسسات الرائدة في مجال البرمجيات الحرة والثقافة في العالم. ومن خلال معمل أيكي، بات باسل الصفدي يعد الرائد السوري لـ المشاع الإبداعي. وقد ساعد الفنانين والكتاب وغيرهم في سوريا وكذلك العالم العربي الأوسع في المشاركة بحرية بأعمالهم عبر الإنترنت والبناء على إبداعات الآخرين في ظل موقع المشاع الإبداعي. وشارك باسل الصفدي أيضًا في إصدارات اللغة الإنجليزية والعربية من ويكيبيديا، مثلما ساهم في تحرير المقالات وترجمتها، فضلًا عن تنظيم هاكاثون -هو حدث يجتمع فيه مبرمجو الكمبيوتر وغيرهم لتطوير البرمجيات.

بالنسبة لموزيلا، كتب باسل الصفدي شفرة برنامج لجعل متصفح الإنترنت فايرفوكس المفتوح المصدر، والذي يعد المنظمة الأكثر شهرة، قادرًا على العمل باللغة العربية. يقول دانا تروميتر، وهو صديق لباسل الصفدي منذ زمن طويل ومنظم حملة "الحرية-لباسل": "كان واحدًا من أوائل الناس الذين أدخلوا اللغة العربية كثيرًا في هذه الأمور".

من داخل سجن عدرا، قدم باسل الصفدي أيضًا بعض المدخلات لتطوير مشروع تدمر الجديد، الذي أُصدر في تشرين الأول/أكتوبر 2015 بعد اختفائه. هذا المشروع، الذي يستخدم البنية التحتية المتاحة على شبكة الإنترنت، ويسعى إلى إعادة بناء الآثار القديمة لمدينة تدمر بصورة افتراضية. استولت داعش على الموقع السوري العام الماضي ووعدت بتدمير ما تبقى بشكل كامل. ويقول باري ثرو، المدير المؤقت للمشروع وهو أيضًا أحد منظمي حملة "الحرية-لباسل": "إن باسل هو المنشأ والمصدر الأساسي وراء [مشروع تدمر الجديد] وكنا على اتصال به حتى شهرين تقريبًا".

وُلد باسل الصفدي البالغ من العمر 34 عامًا في سوريا، وهو وحيد أبيه الفلسطيني الذي كان يعمل مؤرخًا وأمه السورية. نشأ باسل في بيت يهتم بالتقاليد ويقدر الإبداع، فأصبح في سن مبكرة مهتمًا بأجهزة الكمبيوتر والبرمجة بدعم من عمه. وفي عام 2001، حصل على شهادة علوم الكمبيوتر من جامعة دمشق، وفي عام 2004، حصل على درجة الماجستير في هندسة البرمجيات في ريغا، لاتفيا.

شارك السوري/الفلسطيني باسل الصفدي بشكل كبير مع عديد المؤسسات الرائدة في مجال البرمجيات الحرة والثقافة في العالم

يقول ثيرو إن اهتمام باسل الصفدي في البرمجيات مفتوحة المصدر، ربما كان اقتراحًا من أصدقائه، وربما كان مستمدًا من واقع أن باسل لم يكن لديه كثير من المال لإنفاقه على البرمجيات التجارية مثلما رأى في البرمجيات مفتوحة المصدر أداة تعليمية جيدة، لأنه من السهل تعديلها وتحسينها. وتابع "يعد باسل في الأساس معلمًا. لكنه بلا شك، قدم بعض المساعدات للتهرب من الرقابة على الإنترنت في سوريا".

وفي عام 2008، عمل باسل الصفدي رئيسًا تنفيذيًا للتكنولوجيا في مؤسسة نشر وبحوث مكرسة للعمل على حفظ الآثار والثقافة في سوريا، قد أنشأها باسل لتقديم المساعدة التقنية لـ مؤسسة المشاع الإبداعي التي كانت تحاول في ذلك الوقت بناء مكان لها في الشرق الأوسط.

وذكرت ديان بيترز، المحامية العامة لـ مؤسسة المشاع الإبداعي، التي كانت في ذلك الوقت مسؤولة أيضًا عن الشبكات التابعة للمنظمة: "كلفته المنظمة بإنشاء كود HTML "لغة برمجة تستخدم في إنشاء وتصميم صفحات ومواقع الإنترنت" لموقع المشاع الإبداعي في مصر والأردن باللغة العربية". وأضافت: "لكن سرعان ما أصبح واضحًا أن لديه موهبة تتجاوز كونه مجرد مبرمج سريع".

كان باسل الصفدي أيضًا منظمًا موهوبًا، بدأ بتنظيم لقاءات مع منتجي المحتوى في سوريا لمساعدتهم في فهم طبيعة المشاع الإبداعي وكيف يمكنه مساعدتهم في نشر أعمالهم. صرحت ديان بيترز أن دعوة المشاع الإبداعي إلى سوريا كان عبر مؤتمر نظمه باسل في أواخر عام 2009.

اقرأ/ي أيضًا: الضربة الأمريكية.. وخيارات تقسيم سوريا

وكان وفد من العاملين في مجال البرمجيات مفتوحة المصدر في الولايات المتحدة –شَمِل إيتو وبيترز- قد سافر إلى الشرق الأوسط لحضور الحدث الذي عقده باسل الصفدي في جامعة دمشق. وقالت: "كنا نظن أن هذا المؤتمر سيضم 30 شخصًا لكن كان هناك مئات الحضور".

وأضافت أنه في منتصف عام 2010، بدأ باسل الصفدي معمل أيكي في دمشق حيث وُصف بأنه "مساحة للتعاون التكنولوجي والفني"، وعقدت محاضرات وورش عمل بمشاركة حوالي 70 شخصًا من القراصنة الإلكترونيين، وأصبح المقر الرسمي لمؤسسة المشاع الإبداعي في سوريا، ولا يزال حتى اليوم.

وتتابع ديان بيترز: "الإرث الأكثر استمرارية الذي قدمه باسل الصفدي للمشاع الإبداعي، أنه كان في مقدمة المحادثات التي أخذت على عاتقها إنشاء لغة مشتركة للتحدث بها في النسخة العربية من المشاع الإبداعي. وبدأت تلك المحادثات في أواخر عام 2010 بالدوحة وشملت مجموعة الأعضاء خبراء قانونيين من أكثر من ستة بلدان عربية لكل منها لهجتها المختلفة".

أصبح الأمر أكثر إثارة بعدما توصل باسل إلى توافق في الآراء حول الكلمة التي ستستخدم لوصف المفاهيم ووجهة النظر الجديدة التي يقدمها المشاع الإبداعي: الكلمة العربية "ماشا"، والتي تعني قطعة أرض لا يملكها مالك واحد، لكن عديد المُلّاك – قد استخدمت للتعبير عن "العموم". ثم أضافت "بفضل باسل، للمرة الأولى في الشرق الأوسط كان لدينا الفكرة الأساسية للنسخة العربية من المشاع الإبداعي التي ليست لدولة بعينها سلطة أو ولاية عليه. وهي اللغة المدرجة لمواقع المشاع الابداعي اليوم في جميع البلدان العربية".

ويصفه إيتو بأنه كان رجلًا متواضعًا، متفهمًا، متفانيا، يعمل بجد وله قدرة على جذب الناس. وكان دائمًا يجلب الهدايا، بخاصة مشروب الكفير والقمصان. وعلى الرغم من الهدوء الذي تميز به باسل الصفدي إلا أنه ربما "يملأ الدنيا ضحكًا"، مثلما يصفه إيتو. ويتذكر إيتو مرافقته له في مهمة إقناع أصدقائه وفناني دمشق المشهورين للمساهمة بأعمالهم في المشاع الإبداعي.

بالنسبة لجون فيليبس، وهو صديق آخر منذ زمن طويل لخرطبيل وأحد منظمي حملة الحرية-لباسل، كان لعمل باسل الصفدي قاسمًا مشتركًا؛ فهو إما محاولة إقناع الفنانين للمشاركة بأعمالهم، أو ترجمة مقالات ويكيبيديا إلى اللغة العربية، أو استخدام مهاراته للقيام بتصميمات ثلاثية الأبعاد لمشروع تدمر -مشروع العوس لإعادة البناء الافتراضي لآثار تدمر، وكان خرطبيل قائدًا للشركة التي انبثق عنها المشروع الجديد لتدمر، فقد كان يعمل على "إعادة بناء ثقافة بلده" متابعًا "أفكر فيه كفنان أو شاعر مبدع".

اعتُقل باسل الصفدي في آذار/مارس2012، بعد عام من بدء الانتفاضة السورية وكان ذلك قبل بضعة أسابيع من الموعد المقرر لزواجه من خطيبته نورا غازي، المحامية السورية لحقوق الإنسان التي أُتيحت له معرفتها بعد أن طلب منها متابعة قضية صديق مُعتقل.

اقرأ/ي أيضًا: كيف وقع التغيير الديموغرافي "القسري" في سوريا؟ (1-3)

أفادت "منظمة العفو الدولية" أنه احتُجز في الحبس الانفرادي لتسعة أشهر، واستجوبته قوات الأمن وتعرض للتعذيب، وكان هناك مثول مقتضب على قاض عسكري في كانون الأول/ديسمبر2012، اتُهم فيه بالإضرار بأمن الدولة. بعدها أُرسل باسل الصفدي الذي لم تصدر ضده أي أحكام، إلى سجن عدرا الأمني وتمكنت نورا من زيارته. هناك، أبقى باسل الصفدي نفسه مشغولًا بالرسم والمشغولات اليدوية والقراءة والترجمة وتعليم نظريات الكمبيوتر لزملائه السجناء. وكانت رسائله المكتوبة بخط اليد تتضمن اعتذارات عن تكنولوجيا "لو-فاي" -تقنية لتسجيل الصوت بجودة منخفضة.

تزوج باسل الصفدي ونورا في السجن في كانون الثاني/يناير 2013، وتقول زوجته "لُقبنا عروس وعريس الثورة السورية". وترى تروميتر أن نقله إلى سجن عدرا كان استجابةً من الحكومة للضغط الذي يمارسه مجتمع المصادر المفتوحة الدولي لكشف مكان وجوده، تقول "أعتقد أنه دفع النظام إلى القيام بشيء ما".

ومع ذلك، نُقل باسل الصفدي في أوائل تشرين الأول/أكتوبر 2015، إلى مكان مجهول ولم يُر منذ ذلك الحين. سمعت زوجته أنه نُقل إلى مقر الشرطة العسكرية في القابون، حيث حكمت عليه محكمة عسكرية بالإعدام، وأنه ربما يكون قد أُعدم بالفعل، على الرغم من عدم تأكيد السلطات على هذه التقارير. تقول: "لا أستطيع مساعدة زوجي على الرغم من أنني محامية"، وتضيف "محكمته عسكرية سرية وليس له الحق في الحصول على محام".

ليس من الصعب رؤية السبب الذي قد يجعل حكومة تحاول قمع انتفاضة، تعد شخصًا يساعد الآخرين في تبادل المواد على شبكة الإنترنت تهديدًا

كتب البرلمانيان إلى نائب رئيس المفوضية الأوروبية عام 2013 "من المرجح أن اعتقال باسل الصفدي كان بهدف خنق حرية التعبير في سوريا، وتقييد المواطنين السوريين ومنعهم من الاختلاط بالمجتمعات والنقاشات الموجودة على الإنترنت". ويقول ليسيج "كان زعيمًا لحركة تتعلق بالربط بين الناس عالميًا". وتقول تروميتر "أعتقد أن داخل سوريا هو ما جعله يشكل تهديدًا. كان ناشطًا يدعو لمجانية الإنترنت، وليس ناشطًا بالمعنى السياسي لمحاولة الإطاحة بالحكومة".

يقول داني أوبراين المدافع عن الحقوق الرقمية في مؤسسة الحدود الإلكترونية، التي قامت أيضًا بحملة تهدف لإطلاق سراح باسل الصفدي إن هناك نمطًا جديدًا من الأنظمة الاستبدادية تستهدف خبراء التكنولوجيا بالطريقة نفسها التي تستهدف بها الصحفيين والناشطين ومحامي حقوق الإنسان.

بالنسبة إلى إيتو، هناك حاجة إلى أشخاص مثل باسل الصفدي الآن أكثر من أي وقت مضى في المنطقة؛ لبناء البنية التحتية للحفاظ على العلاقات الثقافية مع بقية العالم الذي يهيمن عليه الإنترنت. ويقول "لم أر أي شخص مثل باسل في الحركة العربية مفتوحة المصدر".

 

اقرأ/ي أيضًا:

انسحاب بوتين.. إعلان تأمين حدود "دولته" في سوريا

سوريا واستنساخ سيناريو تبعية العراق