12-نوفمبر-2016

مشاكل العنصرية والسكن من أبرز ما يواجهه الطلبة العرب في باريس (جان بيير يرو)

تنتظر يارا مكّي (19 سنة) إخلاء غرفة بشقة في "مونبارناس". لا تزال الطالبة في كلية القانون (جامعة باريس)، تعاني من عدم إيجادها مكانًا ثابتًا تقيم فيه. وحين قدمت منذ 3 أشهر، إلى عاصمة النور، لم يلتزم صاحب الشقة معها بالعقد. فوجدت نفسها مضطرة إلى التنقل بين بيوت صديقاتها.

صعوبات كثيرة يواجهها الطلاب العرب في باريس

تقول يارا، في مقابلة مع "ألترا صوت"، إن الحياة في باريس ليست سهلة، "الكل يتوقع أنه قادم إلى حياة طلابية مرنة، ومستقلة، أحس بخيبة". وتضيف بحزن، أنها تحاول جاهدة كي تنتقل بعد شهرين إلى غرفة في أحد أحياء "مونبارناس"، لكن هذا الأمل ضئيل. وعلى الرغم من أن المسافة قد تبعد قليلًا عن جامعتها، إلا أنها مستعدة للتضحية بالوقت والجهد، من أجل متابعة حلمها، في دراسة القانون. "الدراسة هنا جيدة ورخيصة ولا تكلف، لكن الحياة تكلف كثيرًا. مال ووقت وجهد وأيضًا تأكل الروح. فلا حياة اجتماعية هنا، ومن الصعب حين لا تملك المال والوقت أن تكوّن صداقات".

تقضي الشابة العشرينية، معظم وقتها بين الكتب والمراجع، وتقتسم مع صديقتها فرح، الغرفة الضيقة التي تمتلأ زواياها بـ"الكراتين" والثياب، التي لم تفردها بعد. "لا نزال في البداية، نتعرف إلى نمط الحياة هنا. ونكتشف يومياتنا الدراسية"، تقول فرح، التي تدرس في كلية السينما في "باريس 8". وتوضح أنها تقف بجانب صديقتها لأن لا أحد لديها هنا. "نحن عائلة واحدة الآن وعلينا أن نحمي بعضنا بعضًا"، توضح مبتسمة.

اقرأ/ي أيضًا: الطلاب العرب في جامعات العالم.. صعوبات مختلفة

انتقال الفتاتين من بيروت إلى باريس، كان مفصليًا. "حين أقنعت أهلي، قلت لهم إن الحياة هناك أسهل لي، والدراسة طبعًا مستواها أعلى. كلنا نعرف ماذا تعني باريس في القانون. لكن الأمر متعب جدًا وما كنا نشتهيه لم نجده هنا"، تروي يارا، وهي تعدّ لنفسها "سلطة تونا". ثم تضيف، وهي تدعو صديقتها للطعام، "لا نستطيع أن نلاحق الوقت. أضطر إلى تناول وجبة واحدة. أستيقظ عند السادسة والنصف، كي أستحم وأشرب كوبًا من الشاي، ثم أرتب أغراضي وأنطلق كي لا تفوتني المحاضرة الأولى"، وتؤكد أن الحياة في لبنان أسهل، "كنت أستيقظ وأجد أمي قد حضرت كل شيء".

حياة يارا، تشبه إلى حدّ ما، تفاصيل ما يعيشه أنور كميش. الشاب الآتي من الجزائر العاصمة، لا يزال يقتسم مع صديقه محمد، غرفة في المنطقة الـ"18" في باريس. "أعلم أن الحياة في هذا الحي قاسية وصعبة. لكن ليس لدي أي خيار آخر"، يقول أنور، الذي يكتفي بحضور جزء من محاضراته، للعمل "بارت تايم" في أحد مطاعم "الكباب"، التابعة لرجل جزائري.

اقرأ/ي أيضًا: اللغة الفرنسية.. تقسم الجزائريين من جديد

يقول: "أضطر للعمل كي أصرف على نفسي وأدفع مع صديقي نصف إيجار الغرفة"، ويضيف: "صعوبات كثيرة نواجهها هنا. الحياة مكلفة ولا نستطيع تأمين يومياتنا. وأهلي غير قادرين على مساعدتي. يكفي أنهم أمنوا لي تذكرة السفر". استطاع أنور، تقديم طلبه إلى جامعة "دوفين" للتخصص في الاقتصاد، والحصول على منحة بسبب تفوقه في الجزائر. لكنه، غامر وجاء فقط بمال قليل (ألفي دولار). وتعرف من خلال أصدقاء له على جمال، وهو صاحب المطعم، وصار يعمل نادلًا فيه لثماني ساعات. "العمل أسعفني. لكن لا أستطيع متابعة كل محاضراتي. أضطر للسهر والنوم لساعات قليلة، لألحق الدرس وتنظيم حياتي. أحيانًا أنسى الأكل".

العنصرية إحدى المشكلات التي يتعرض لها الطلاب العرب في فرنسا

يعترف أنور (17 عامًا)، أنه مرّ بشهر صعب للغاية، "كنت أبكي خفية. شعرت بقسوة الحياة جدًا. وأحسست أنني وحيد، وربما أصبح في الشارع. لا أحد يعينك هنا. عليك أن تحفر بأظافرك كي تعيش وتنجو". الشاب الذي يملأ صدره شغف الحياة، يواجه صعوبات أخرى في الجامعة لكونه من الجزائر، "هناك عصبية تجاهنا. نعم بعض الفرنسيين لديهم مشاعر عنصرية لكل جزائري. بعض الطلاب تنقطع علاقتي معهم فقط لأنهم يعرفون أنني جزائري. الجامعة تضم طلابًا برجوازيين، ومن عائلات يمينية". يضطر أنور إلى قضاء بعض من وقت فراغه (إن وجده)، مع أصدقاء جزائريين، يذهبون إلى أحد المقاهي، ويدخنون "الشيشة" ويرتشفون أكوابًا من الشاي بالنعناع. "إنها متعتي الوحيدة في الأسبوع"، يقول وهو يؤكد أنه سينتصر في النهاية على هذا الظرف، لأن "لا شيء يأتي بسهولة".

مشكلة العنصرية تعاني منها أيضًا، عيشة بكور، الآتية من المغرب. فهي تعيش مع فتيات فرنسيات في "دورم" في المنطقة الـ16. "معظمهن يتعاملن معي بشكل فوقي، فقط لأنني صاحبة بشرة سمراء، ولأنني مغربية. وفي إحدى المرات، منعتني إحداهن من طبخ الطاجين في المطبخ وهي تقول لي بعنصرية إنها لا تحب أن تشم رائحة طعامنا المقرف"، تقول عيشة، البالغة من العمر 19 سنة، والتي اضطرت أمها للمجيء معها في أول شهر والسكن في أحد الموتيلات الصغيرة، كي تعيل نفسها وتستطيع البدء في حياتها الجامعية. "لولا أمي لكنت اليوم قد عدت إلى المغرب. باريس وحش كبير".

لكن هذا الحال، ليس واحدًا. فالسنة الأولى في فرنسا، تتطبع فيها الصعوبات، لكنها فورًا ما تنتهي مع نهاية العام الأول. ومن بعدها يصبح الطالب أكثر أريحية مع الحياة. وبالطبع فطلاب الجامعات في مدن فرنسية أخرى، يعيشون بشكل أفضل.

جميلة ورحاب، صديقتان، تعيشان في تولوز، وتدرسان في جامعة "جان جوريس" الحكومية. استطاعتا إيجاد سكن مشترك في "أومبلو" (أحد ضواحي المدينة). لم تجدا صعوبات كبيرة كالتي يواجهها الطلاب في باريس. تقول رحاب، "الحياة في تولوز أسهل. مدينة طلابية بامتياز. الناس فيها حميميون. وفيها عرب وتونسيون من بلدي، يساعدوننا". تعيش عمّة رحاب، في تولوز منذ 10 سنوات، استطاعت أن تؤمن لها مسكنًا جيدًا لها ولصديقتها، جميلة، التي ترى أن الحياة الطلابية في فرنسا، ممتعة وفيها تسهيلات كثيرة"، وحين نسألها عن باريس تجيب مبتسمة: "أووه. باريس تبتلع الطلاب".

اقرأ/ي أيضًا:

التعليم الديني في فرنسا.. فصل "الإسلام" عن الدولة؟

عن تجربة المدارس المختلطة بين الجزائر وفرنسا