01-يوليو-2017

تظاهرة معيشية سابقة في الرباط (فاضل سنا/أ.ف.ب)

لا تفصلنا سوى أيام قليلة عن بداية التحرير الفعلي للدرهم المغربي، الخطوة التي أعلنت عنها المملكة المغربية منذ مدة، وسط مخاوف من التداعيات الاقتصادية لعملية تعويم العملة على المواطنين المغاربة، على غرار ما حصل مع مصر في تجربة تعويم الجنيه، حيث عرفت انهيارًا حادًا لعملتها قاد إلى تهجير مكثف لرؤوس الأموال بالعملة الصعبة نحو الخارج.

يتخوف المغاربة من تجربة تعويم الدرهم وأن تؤدي إلى انهيار حاد للعملة قاد إلى تهجير مكثف لرؤوس الأموال بالعملة الصعبة نحو الخارج

اقرأ/ي أيضًا: تعويم الدرهم: في أي سياق وأي تداعيات ينتظرها المواطن المغربي؟

كيف يؤدي تعويم الدرهم إلى تهريب الأموال؟

مع ضغوطات صندوق النقد الدولي وتآكل احتياطي العملة الصعبة، يتجه المغرب تدريجيًا إلى نظام الصرف المرن، حيث سيفك الدرهم المغربي ارتباطه مع سلة العملات المرجعية (العملات الصعبة)، ليصبح سعره في السوق العالمية رهينًا بالعرض والطلب.

بيد أن المغرب لا يتوفر على اقتصاد قوي يمكنه المنافسة دوليًا، كما أنه يعاني عجزًا في ميزانه التجاري يصل إلى 184 مليار درهم، حيث تستورد المملكة أكثر بكثير مما تصدر إلى الخارج، فضلاً عن ضعف احتياطات المملكة من العملة الصعبة، وبالتالي فإن تحرير العملة الوطنية من شأنه أن يؤدي إلى انهيارها تدريجيًا أمام الدولار مع الوقت، ومنه انخفاض القدرة الشرائية للدرهم المغربي بفعل تضخم الاستيراد.

هذا ما سيجعل قيمة الودائع النقدية بالبنوك المغربية تتآكل بعد تراجع الدرهم المغربي مقابل الدولار واليورو، ومن ثمّة فإن أثرياء البلاد سَيُسابقون الزمن في السعي إلى تهريب أموالهم المكدسة في المغرب نحو البنوك الخارجية بالعملة الصعبة، قبل أن يفقد الدرهم المغربي الكثير من قيمته السوقية أمام الدولار، فتفقد ودائعهم المالية قيمتها أكثر.

وذلك لأن العملات المحلية لا تعتبر مالاً في الواقع، إذ لا تساوي شيئًا في الخارج ولا يمكن استخدامها للشراء، مالم يتم تحويلها إلى العملات الصعبة في مكاتب الصرف المحلية، الأخيرة التي تفرض قيودًا مشددة عادة وقت الأزمات الاقتصادية كانهيار العملة ونفاذ احتياطي العملة الصعبة، فيلجأ مهربو الأموال وقتها إلى طرق غير قانونية تفاديًا للرقابة.

وتحضر في هذا السياق تجربة مصر، عندما سارع الأغنياء المصريون بشكل جماعي إلى تهريب أموالهم بالعملة الصعبة إلى الخارج، بعدما تحسسوا هبوط سعر الجنيه المصري مقابل الدولار، فوقع الاقتصاد المصري في ورطة اقتصادية لا تزال تداعياتها مستمرة إلى اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: "طنجة تيك".. ماذا وراء تدفق الاستثمارات الصينية نحو المغرب؟

هل يُعمّق تعويم الدرهم أزمة تهريب الأموال في المغرب؟

كشفت منظمة النزاهة المالية العالمية أن المغرب يحتل المرتبة 34 عالميًا لأكثر الدول تهريبًا للأموال

تهريب الأموال في المغرب ليس بجديد، إذ سبق لمنظمة النزاهة المالية العالمية أن كشفت في دراسة لها أن المغرب يحتل المرتبة 34 عالميًا لأكثر الدول تهريبًا للأموال خارج البلاد، رصدت فيها حجم الأموال المهربة في 149 بلدًا على مستوى العالم خلال الفترة ما بين 2004 و2013، وسجّلت المملكة نصيب 41 مليار دولار أمريكي من الأموال التي تم تهريبها في مدة عقد من الزمن، بمعدل 4,102 مليار دولار سنويًا.

وتؤكد التسريبات المتوالية، سواء المتعلقة ببنما أو البنوك السويسرية، الحضور القوي لأثرياء المغرب في عمليات تهريب الأموال، وكانت مؤسسة بوسطن الاستشارية الأمريكية قد كشفت أن %30 من الثروات التي تمتلكها الأسر الغنية في المغرب توجد أساسًا في حسابات خاصة في بنوك سويسرا وبريطانيا.

لكن إقدام المغرب على عملية تعويم الدرهم، من شأنه أن يصعد من حركة تهريب الأموال نحو الخارج، خوفًا من انهيار الدرهم المغربي أمام الدولار، فتنخفض بذلك القدرة الشرائية للودائع المالية بالبنوك المغربية، وهو ما سيدفع الأثرياء المغاربة إلى ترحيل أموالهم المكدسة صوب البنوك الخارجية بالدولار دون رادع، إذ أن المهربين هم أنفسهم النخب السياسية والمالية وكبار الموظفين في الدولة.

وكما حصل في مصر، يُتوقع ظهور سوق سوداء لتهريب الدولار إلى الخارج إذا ما انهارت العملة في المغرب، حيث تنشأ شبكات تتكفل بتهجير الأموال خارج رقابة القانون مقابل عمولات بطرق ملتوية، على سبيل المثال، عبر الاستعانة بحسابات شركة ما لتحويل أموال من خلالها إلى شركة أخرى بالخارج، أو باستخدام الأثرياء نفوذهم السياسي للمرور في الجمارك، أو ببساطة يقوم المهربون برشوة موظفي الجمارك لتركهم يمرون وهم محملون بأموالهم المهربة، فيما يلجأ آخرون إلى إخفائها في البضائع المغلفة بالموانئ.

كما حصل في مصر، يُتوقع ظهور سوق سوداء لتهريب الدولار إلى الخارج إذا ما انهارت العملة في المغرب

كيف سيؤثر تهريب الأموال على المواطنين المغاربة؟

بالرغم من أن تعويم الدرهم المغربي يمكن أن يقود إلى تراجع قيمته أمام الدولار، ومن ثمّ انخفاض القدرة الشرائية للعملة المحلية، إلا أن الخطر الأكبر على المواطنين، يأتي من حركة تهريب الأموال إلى الخارج التي قد تنجم عن عملية تحرير الدرهم إن لم يتم ردعها، لتجد الطبقات الشعبية نفسها وحيدة في فوهة تداعيات التعويم القاسية، فيما الأثرياء يؤمنون وضعهم بترحيل أموالهم إلى الأبناك الخارجية.

ولأن تهريب الأموال يتم عن طريق الدولار أو اليورو حصرًا، فإنه يستنفد احتياطي الدولة من العملات الصعبة، الشيء الذي يضع الدولة في ورطة اقتصادية حقيقية، فتضطر الحكومة بعدها إلى طلب ديون من الخارج، لكي تتمكن من مواصلة استيراد المواد الأساسية التي تحتاجها البلاد، من نفط وقمح وأدوات صناعية، مثلما تلجأ إلى طباعة مزيد من المال من خلال البنك المركزي فيتعمق التضخم، وتزداد القدرة الشرائية للعملة المحلية انخفاضًا.

ليس هذا فحسب، بل يتسبب أيضًا تهجير رؤوس الأموال نحو الخارج في حرمان البلد من استثمارات مهمة كان بالإمكان توليدها عبر تلك الأموال لو بقيت داخل البنوك المحلية، وبالتالي خسارة الكثير من فرص الشغل، ناهيك عن الضرائب التي تفقدها الدولة، مما يقلل من حصيلة ميزانية الدولة، فتتأثر بذلك جودة الخدمات العمومية التي يستفيد منها المواطن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الفوسفات.. الثروة المهدورة في المغرب

رفع الدعم عن المواد الأساسية.. هل هلع المغاربة مشروع؟