17-يناير-2017

تنتشر المطاعم السورية في شارع العرب في برلين (صهيب أيوب/ ألترا صوت)

"نحن لسنا هنا لنأخذ فقط، نحن هنا لنضيف شيئًا من ثقافتنا للمجتمعات التي قدمت لنا الأمان" بتلك الكلمات يعبر محمد عن سروره وهو صاحب أحد المطاعم السورية في العاصمة الألمانية برلين، إثر الإقبال الشديد الذي يشهده مطعمه الصغير من محبي الأكل السوري من الألمان. ويضيف محمد: "كنت أعمل كمخبري في سوريا، وأمامي طريق طويل حتى أمارس مهنتي هذه. لكن عندما أرى هذا السرور والرضا على وجه زبائني بعد كل مرة يخرجون فيها من هنا أُحرف المثل الشعبي وأقول إن أقرب الطرق إلى قلوب الشعوب هو الطعام".

تنتشر المطاعم السورية في أوروبا بعد موجة اللجوء ويبرهن المطبخ السوري أنه صورة من صور الاندماج

مطعم محمد الصغير ليس الوحيد في أوروبا، بالطبع هناك عشرات المطاعم، التي وجدت لها مكانًا في المدن والعواصم الأوروبية، وتشهد إقبالًا من أهل تلك المدن لأسباب عديدة قد يكون من الصعب حصرها بين هذه السطور لكن أهمها وأولها هو غنى المطبخ الشامي بقائمة طويلة، ساهم موقع بلاد الشام الجغرافي عبر التاريخ بتنوع تلك الأطعمة، حاملًا جملة الثقافات والحضارات التي مرت من هناك ومكونًا هوية خاصة له أصبحت جزءًا من الهوية القومية للسوريين في رحلة لجوئهم إلى بلدان أوروبية.

يمكن اعتبار العمل في تحضير وتقديم المأكولات المحلية كفرصة عمل مناسبة لقادم جديد لا يحب انتظار المساعدات، وعلى اعتبار أن العمل هو الفيصل في تكوين وجهة النظر تجاه الأشخاص في هذه البلدان. فالمطبخ الجيد يعتبر كمقدمة تستطيع من خلالها العمل والتواصل مع شرائح المجتمع المختلفة، التي ستخلق لك فرصةً أكبر، بالإضافة لأهمية ذلك في بعض المجتمعات التي تحمل فضولًا ما اتجاه الغريب. فيصبح المطبخ في بعض الأحيان خطوة باتجاه الاندماج وإيجاد العمل.

تقول مها لـ"ألترا صوت": "أعمل من منزلي على تحضير وجبات صغيرة للمناسبات والمطاعم القريبة بعد أن كنت أعمل محاسبة في بنك في دمشق، بدأت القصة في استضافة على غداء لجارتي، التي أبدت إعجابها الشديد بما تناولته تلك الليلة، سرعان ما أصبح طعامي حديث الحي فقامت مجموعة من النسوة بمساعدتي وتشجيعي على التواصل مع المطاعم والجمعيات المهتمة، كان من المدهش لي أنا أن أحظى بتلك الفرصة وأنال كل هذا الرضا، بالفعل إنها فرصة لتقديم أنفسنا وثقافتنا في الطبخ".

اقرأ/ي أيضًا: مهن السوريين في تركيا تتقدم وتزدهر

هل من خلال المطبخ نحقق أنفسنا؟ يجيب عمر: "يبدو وكأن الأمر هكذا إلى حدّ ما، وإذا اعتبرنا أنه مهنة اليوم آخذين بعين الاعتبار الحاجة لوجود أمر ما تعبر فيه عن نفسك في المجتمع الغريب، أنا كنت أعمل طبيب أسنان متدرب في سوريا، كانت خطتي أن أتابع دراستي ولكني تفاجئت بمشكلة اللغة الألمانية التي تحتاج للوقت والجهد لامتلاكها، وذلك لا يتحقق بالدراسة فقط، عليّ أن أُصاحب الألمان لأتعلم منهم، وكان ذلك في العمل بإحدى المطاعم والتي لي فيها حصة، أحضر فيها طعامًا شاميًا اشتهرنا به، استطعت من خلالها العمل وتعلم اللغة من أهلها".

ولم يقتصر انتشار المطبخ السوري في ألمانيا وفرنسا وهولندا ودول أخرى، بل الدول العربية التي يتواجد فيها نسبة كبيرة من السوريين، كلبنان ومصر والإمارات، وأماكن أخرى قد لا تخطر على البال. وهذا ماحدث مع أنس قاطرجي (29 عامًا)، الذي خرج من سوريا إلى الأردن لينتقل من بعدها للعمل في مصر، ومنها إلى قطاع غزة وسرعان ما تأقلم مع الوضع الصعب داخل قطاع غزة في ظل الحصار الخانق الذي يشهده القطاع، واستطاع العمل بأحد المطاعم، إلى أن افتتح مطعمه الخاص الذي يتميز بحلته السورية في مخيم النصيرات وسط القطاع. ويشهد إقبالًا كبيرًا من أهالي القطاع.

تتعدد القصص التي تروى هنا وهناك حول النجاحات التي حققها السوريون في مجال الطعام في دول اللجوء

تتعدد القصص التي تروى هنا وهناك حول النجاحات التي حققها السوريون في مجال الطعام رغم امتهانهم لمجالات عملية أخرى أيضًا، فتجد أن هناك الكثير من التجار والصناع والمعلمين باتوا اليوم بصدد فتح مطاعم صغيرة لتحقيق أنفسهم من خلال العمل ولإيجاد فرصة جديدة بعد الوصول لأوروبا. وآخرها حكاية زينة عبود، التي تذوقت مأكولاتها ملكة هولندا وأبدت إعجابها الشديد بمذاق الطعام السوري، الأمر الذي دفع زينة وحفزها لافتتاح شركتها الخاصة والمختصة بالطبخ السوري والحلبي والأرمني على وجه الخصوص، لتكون بذلك أول لاجئة سورية تسجل شركة خاصة باسمها في هولندا، وغيرها الكثير من القصص النجاح التي ساهم المطبخ السوري بانتشارها. 

أمّا الشيف عماد فكان رأيه مختلفًا: "من المؤكد أن هناك العديد من النساء اللواتي يجدن طبخ المأكولات السورية بحرفية عالية، لكن هذا لا ينطبق على الجميع فهناك معايير لجودة الطعام السوري، صحيح أن الأمر الآن بات أسهل مع وجود قنوات "يوتيوب" المليئة بالوصفات والاستشارات، وهي بمثابة دليل للطبخ لكن هذا لا يعني أن يتحول الشعب كله إلى طباخين وبالذات إذا كان المشروع تجاريًا ويقدم نفسه على أنه يحمل هوية الطعام السوري. أعرف طبيبًا أصبح طباخًا فليكن. بدأت أشعر بأنها مهنة من لا مهنة له".

يبدو اعتماد السوريين على مطبخهم في بلدانٍ أخرى له جوانبه المادية والاجتماعية التي بدت جذابة للآخر الغريب، يتفاعل البعض معها بفضول ويتقبلها كثيرون، أمّا عن أثر ذلك على تجميد الأعمال الأخرى، فهذا يمكن أن يلاحظ لاحقًا إذا تخلى الجميع عن مهنته وامتهنوا الطبخ. ولكن اليوم بات المطبخ خطوة باتجاه تحقيق التقارب في المجتمع المضيف.

اقرأ/ي أيضًا:

اللاجئون السوريون في أوروبا.. إلى تركيا

السوريون وقصص الحنين.. سنرجع يومًا إلى حيّنا