04-أكتوبر-2017

يعيش المسنون في المغرب واقعًا صعبًا (راكال ماريا كاربونيل/Getty)

يرفض المجتمع المغربي تقبل فكرة وضع كبار السن في دور لرعايتهم لأسباب عدة من بينها مكانة الوالدين المترسخة في العائلة المغربية، وثانيًا لخوف الابن أو الابنة من نظرة المجتمع لهم، كما يخشون من الألقاب التي قد تطلق عليهم مثل "مسخوط" أو "العاق" أو "ما فيه خير"، وفقًا للدارجة المغربية.

يصل عدد مراكز رعاية المسنين في المغرب إلى 50 دارًا أغلبها في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، مراكش وطنجة

لكن الواقع مغاير للصورة العامة المنتشرة، فخلال زيارتنا إلى دار رعاية المسنين بعين الشق بالدار البيضاء، أكبر المدن المغربية، لاحظنا أن الدار ممتلئة، نساء مسنات يتواجدن في الجناح المخصص لهن، بين الدردشة أو النوم على أسرة متراصة. أما الجناح الثاني فكان مخصصًا للرجال، وأغلبهم بصدد لعب "الضامة"، وهي لعبة شهيرة بالمغرب، يلعبها المسنون فيما بينهم سواء في الأزقة أو في المقاهي عادة. 

وفي جناح النساء، رفضت إحداهن الإفصاح عن اسمها لنا، وهي سيدة تبلغ أزيد من سبعين سنة. أثار انتباهنا أنها كانت برفقة سيدة في الخمسينات من عمرها وشابة صغيرة في العشرينات. إثر ذلك، استلطفتنا السيدة وأخبرتنا أنهما ابنتها وحفيدتها قدمتا لزيارتها. واستطردت، خلال حديثها لـ"الترا صوت": "أتفهم قرار ابنتي بوضعي في هذه الدار، فهي لا حيلة لها وتعاني من زوج لا يرحم"، وفقًا لتعبيرها.

اقرأ/ي أيضًا: مسنون جزائريون..من يكلم القبر المفتوح؟

والملاحظ أيضًا، بعد زيارة "الترا صوت" لدار المسنين بعين الشق، أن النساء المتواجدات هناك لا يحقدن على أبنائهن وبناتهن، أو ربما هذا ما أردن تمريره رغم مرارة الحال، وكأن كل واحدة منهن تجد مبررًا لأبنائها ولو كان واهيًا، يكررن دعاء الخير للأبناء وذات الحجج تقريبًا عن صعوبة الأوضاع والحال.

وبحسب الموقع الرسمي لمؤسسة التعاون الوطني، يصل عدد مراكز رعاية المسنين في المغرب إلى 50 دارًا، أغلبها في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، مراكش وطنجة. وتؤوي هذه الديار ما يقارب 3500 شخص.

ترسم منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية صورة قاتمة عن واقع المسنين في المغرب ويطالبن باهتمام أزيد بهذه الفئة

يرسم المجتمع المدني بالمغرب، إضافة إلى المنظمات الدولية صورة قاتمة عادة عن واقع المسنين في البلد. ففي تقرير حديث للمندوبية السامية للتخطيط، أكدت الأخيرة، تزايد عدد الأشخاص المسنين بثلاث مرات ونصف بين سنتي 1960 و2014، من 836000 شخص إلى 3.2 مليون شخص، موضحة أن نسبتهم ارتفعت من مجموع السكان من 7.2 في المئة إلى 9.4 في المئة، ومتوقعة أن تشهد هذه النسبة، حسب توقعاتها الديموغرافية، ارتفاعًا لتصل إلى 23.2 في المئة سنة 2050، مع عدد للأشخاص المسنين يناهز 10.1 مليون.

اقرأ/ي أيضًا: لبنان.. هل سيستفيد المتقاعدون من الضمان الصحي؟

ووفقًا للمندوبية نفسها فإن "أغلب المسنين يحتفظون بدورهم داخل الأسرة"، قائلة إن " 59.7 في المئة هم أرباب أسرهم. كما يعيش هؤلاء الأشخاص غالبًا بنسبة 54.4 في المئة داخل أسر تتكون من خمسة أفراد فأكثر، ونادرًا ما يعيشون فرادى، وذلك بنسبة 7.8 في المئة لدى النساء مقابل 2.9 في المئة للرجال".

ولفتت إلى أن 92.1 في المئة من الرجال البالغين 60 سنة فما فوق متزوجون، مقابل 44.5 في المئة للنساء، في حين أن 50 في المئة من النساء هن أرامل، مقابل أقل من 5 في المئة لدى الرجال، ناهيك عن كون 5.4 في المئة من النساء لا يزلن عازبات أو مطلقات مقابل 2.9 في المئة بالنسبة للرجال".

وقبل سنتين، احتل المغرب مرتبة متأخرة للدول الأكثر رعاية للمسنين عبر العالم بحسب مؤشرAgeWatch فقد حل المغرب في المرتبة 84 وذلك تبعًا لمؤشرات قياس رفاهية هذه الفئة، من خلال توفر الدخل والصحة والاستقلال الشخصي ونظافة البيئة المحيطة.

وفي تقرير آخر للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول أوضاع الأشخاص المسنين بالمغرب، جاء فيه أن "أغلب المسنين بالمغرب يعانون من الفقر والعوز ولا يتوفرون على التغطية الصحية". كما أشار المجلس ذاته وهو مؤسسة استشارية مستقلة في المغرب، إلى "التمييز بين الجنسين فيما يتعلق بالمسنين"، لافتًا إلى أن "المرأة المسنة أكثر عرضة للهشاشة الاقتصادية ولصعوبات في الاستفادة من الخدمات الاجتماعية وانعدام التغطية الاجتماعية والصحية".

كل هذه الدراسات والأرقام تؤكد أن المسنين المغاربة يعيشون وضعية صعبة، دفعت وزارة الأسرة والتضامن هذه السنة إلى إطلاق حملة وطنية تحسيسية للأشخاص المسنين، تحت شعار "الناس لكبار، كنز فكل دار". وقد وعدت الوزارة بـ"الشروع في إصلاح شامل وعميق لأنظمة التقاعد لصالح المسنين، والرفع من الحد الأدنى للمعاش، وإحداث صندوق لتعزيز الإجراءات الاجتماعية لصالح الفئات المعوزة، واعتماد التغطية الصحية الإجبارية، مع تفعيل نظام المساعدة الطبية للاستفادة مجانًا من العلاج داخل المؤسسات الصحية".

لكن رغم هذه الوعود، يبقى واقع المسنين بالمغرب قاسيًا، لا يتمتعون بعديد الحقوق كالتغطية الصحية والرعاية الاجتماعية، كما أن مختلف الإدارات المغربية والمستشفيات لا توليهم أولوية، مما جعلهم يشعرون بالتهميش وبكونهم خارج الحاضر المغربي ويتخوفون من مستقبل أصعب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الهدوء والفرح.. مطالب آخر العمر

دراسة حديثة: المغربيات عازفات عن الإنجاب والخصوبة في تراجع