02-فبراير-2018

لم تول الحكومات الجزائرية المتعاقبة اهتمامًا بالسياحة (MEMO)

تتكوّن الجزائر من 48 محافظة، تمثّل المدن الكبرى في البلاد، تنقسم بدورها إلى 450 دائرةً هي في حكم المدن أيضًا، ويقطنها 40 مليون مواطن، بمساحة تقترب من المليونين ونصف المليون من الكيلومترات، فهي بهذا أكبر دولة أفريقية وعربية من حيث المساحة، بعد تقسيم السّودان عام 2011.

مع الإمكانيات الجغرافية الضخمة بالجزائر إلا أن عدد السياح قليل إذ لم تهتم الحكومات المتعاقبة بالسياحة حتى في فترات التقشف القاسية

وتتواجد بها الفصول الأربعة في الموسم الواحد، فمن الشّريط السّاحلي الذي يبلغ 1500 كيلومتر في الشّمال، إلى الحدود مع دولتي مالي والنّيجر في الجنوب، يصل الفارق في درجة الحرارة إلى 30 درجة مئوية.

اقرأ/ي أيضًا: من يجهض السياحة في الجزائر؟

مع هذه الإمكانيات الضّخمة يكاد عدد السيّاح يقارب عدد العاملين في وزارة السّياحة. فالحكومات المتعاقبة لا ترى في السّياحة، حتى في فترات التقشّف القاسية، مثلما هو عليه الحال منذ سنتين، بديلًا للنّفط، موفّرة للجارة تونس فرصة ذهبية باستقبال مليوني سائح جزائري سنويًا، علمًا بأن الإمكانيات السّياحية التي تتوفّر عليها محافظة جزائرية واحدة، مثل عنّابة أو الطارف أو جيجل أو سكيكدة أو بجاية أو تيبازة على السّاحل أو تمنراست أو جانت في أقصى الصّحراء، قد تساوي أو تفوق ما تتوفّر عليه تونس كلّها.

غير أن السّياحة لا تعتمد على جمال المكان فقط، فهي خدمات ومرافق وحسن استقبال أيضًا. وهذا ما تتفوّق به المدينة التّونسية على المدينة الجزائرية، بما لا يقبل المقارنة. ذلك أنّ السّائح الأجنبي الذي يقصد الجزائر يخرج بالتزام مع نفسه مفاده: "لن أعود أبدًا"، ناقلًا هذا الانطباع إلى مجالسه الواقعية والافتراضية، ما جعل الجزائر تنضمّ إلى قائمة البلدان الموصى بتجنّبها سياحيًا، ليس من طرف المنظّمات والبلدان، بل من طرف الأشخاص.

وذلك ليس لأنها غير آمنة كما كانت قبل عشرين سنة، فالأمن متوفّر وفق المعايير الدّولية، بعد أن استطاعت أن تجعل العنف والإرهاب ذكرى من الماضي، وإنما لأن مدينتها باتت مجرّد تجمّع سكني يفتقر إلى نبض الحياة المعاصرة وخدماتها وطقوسها ومرافقها وحرّياتها الشّخصية.

يمكنك أن تبقى في المطار الجزائري اليوم كلّه، فليس من المحرج للطّائرة الجزائرية أن تؤجّل رحلتها فجأة إلى البقعة التي تقصدها، من غير تعويض أو تكفّل بك. كما يمكنك أن تصل إلى تلك البقعة، فلا تجد سريرًا يليق بك، وإن وجدت فإن الخدمات تقدّم لك كأنك متسوّل لا بصفتك سائحًا سيترك أموالًا.

هنا تجدر الإشارة إلى أن شبكة النّقل في المدن الجزائرية، بما فيها العاصمة، تتوقّف مع غروب الشّمس، ليجد المواطن والسّائح الأجنبيّ نفسيهما تحت رحمة النّقل غير الشّرعي!

هذا المعطى وغيره، جعل المدينة الجزائرية، باستنثاء موسمي الصّيف وشهر رمضان، أقرب إلى روح المراقد منها إلى روح المدن. كما أن عدد المسارح المتوفرة لا تتجاوز العشرين على المستوى الوطني، وقاعات السّينما المحترفة لا تتجاوز 25، مع العلم أنها لا تشتغل إلا نادرًا، وعدد فضاءات الشّرب والسّهر في تناقص يومي، بسبب القانون الذي يمنح للولاة حقّ غلقها حسب أمزجتهم، إلى درجة أن مدنًا تشكّل عواصم الولايات، لا تتوفّر على حانة واحدة.

هنا تطرح هذه الأسئلة نفسها: ما هي السّياقات الموضوعية التي جعلت العقود الثلاثة التي تلت الاستقلال الوطني (1962) تتفوّق على مستوى مظاهر الحياة وما يتبعها من انتعاش سياحي، في المدينة الجزائرية، ساحلية كانت أم صحراوية، على السّنوات العشرين الأخيرة، رغم أن إمكانيات هذه الفترة أكبر من إمكانيات الفترة السّابقة؟ ولماذا تهرع الحكومة إلى القول في كلّ مرة تنهار فيها أسعار النّفط إنها ستراهن على السّياحة والفلاحة، لكنّها لا تخطو في سبيل ذلك الخطوات اللازمة؟ فعدد الأسرّة لم يتجاوز 50 ألف سرير، والمعالم الأثرية تنهار الواحدة تلو الأخرى، وما هو بعيد عن الانهيار ظلّ معطّلًا أو مهملًا، وشركة الخطوط الجوّية في الوقت الذي كان منتظرًا منها أن تجدّد أسطولها راحت تعلن عن كونها على وشك الإفلاس؟

المدينة الجزائرية أقرب إلى روح المراقد منها إلى روح المدن بسبب سياسات إدارية تدمر انتعاشة الحياة فيها

قد تقول الحكومة إن زهدها في حركة سياحية قويّة هو ثمرة لخيار استراتيجي لا نعرف خلفياته، فما بالها لا تسمح لمظاهر الحياة بأن تنتعش في المدينة الجزائرية لأجل المواطنين أنفسهم؟ فهل قدر الجزائري أن يغادر البلاد حتى يحظى بوجبة من الفرح والانطلاق، وهو القادر على ذلك في عقر داره؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

السياحة الصحراوية في الجزائر.. إهمال متواصل

ميلة الجزائرية..مملكة الجنان والمياه تبحث عن مجدها