17-يوليو-2017

منزل في دمشق القديمة

المدن التي تفكّرتُ بتسمياتها

في طفولتي كثيرًا

ترتدي ثيابَ القتال

كيف غدا مِشمشها ودُرّاقها وكَرزها

رصاصًا وقنابلَ موقوتة؟

وكيف استحالتْ جبالها

وطرقاتها الوعرة

معابرَ للجند

وثكناث؟

 

المُدن مُخادعة

سرعان ما تكشف لك عن وجهها المشوّه

 

المُدن سيريناتٌ مُغويات

تفضي بكَ إلى بحرٍ من الموت المُحَقّق

 

والمدينةُ التي طاردتني مطوّلًا

إذ غادرتُها

بالكوابيس وعقدة الذنب الخانقة؛

المدينة التي أهرقتُ في وصفها

جِرار الشّوق

تردُّ لي الدَّين نأيًا ونَبذًا..

 

المدينةُ التي تعلو ولا يُعلى عليها

ترسمُ لي المُستقبل واطئًا

 

المدينة التي وهبتُها ذكرياتي وزلاّتي

وعظيم أحلامي

وآلامي

المدينة التي أودعتُ قَاسَيونها

أسماء الذين عشِقتُهم

وأعمارهم

والنظرات المُختلسة

 

المدينة التي أفضيتُ لها بِشكّي ويقيني

تقطعُ الشّكَ بِاليقين

وتحطّمُ لي عن بعد

أشرعة الإياب..

 

المدينة التي لم تعدْ تريدني

وبالتواطؤ معها

قررتُ تَجاهلها

لا بل نِسيانها

ومصادقة رغباتي

وأنانيتي المُفرطة

 

المدينةُ التي سرقتْ تَصدّعاتي

وخُصوبتي

 

المدينة التي رأيتُ أنهارها

وأزقّتها وسماواتها

تسيلُ من العيون نِصف المغمضة

وهي ترتل النشيد الوطني

في مختلفِ اللغات والساحات

 

المدينة التي تزيّفُ بُوصلات العالم

وتحتكرُ الجهات

 

المدينة تختزلُ كلّ المَدائن

 

المدينة دمشق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أصغر من دبّابةٍ ألمانيّة.. أكبرُ من الغدر

حيث تتيه الأرواح المقتولة