26-يناير-2018

مجلات عربية

بدأت الصحافة العربية منذ العقد الثاني من القرن التاسع عشر، وفي عام 1816 صدرت أول صحيفة في العراق. غير أن التحوّل الأهم في تاريخ الصحافة العربية كان في حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798، حيث دخلت الطباعة، وبعد صدور مجموعة من الصحف والمجلات في مصر، توالى صدور العديد منها في مشرق العالم العربي ومغربه. ترافق نشوء الصحافة مع تأسيس الجمعيات والأحزاب، وتأسيس الجامعة المصرية سنة 1908، لذا كانت مرآةً لمجتمع يغلي ويتحرّك.

منذ البداية كان على الصحافة العربية أن تحارب، فقد ولدت في المعركة مع احتلال، وازدهرت في عهود احتلال آخر

منذ البداية كان على الصحافة العربية أن تحارب، فقد ولدت في المعركة مع الاحتلال العثماني، وازدهرت في عهود الاحتلال الأوروبي، وقد لعبت المجلات العربية في تلك الأيام دورًا هامًا، سياسيًا وثقافيًا، في مقاومة الاستعمار واستنهاض الشعورين الوطني والقومي، وعبرت عن روح جديدة في المجتمع العربي الذي يتطلع إلى الخلاص والتحرر والنهضة، ولعلّ مجلات مثل: "المقتطف" (تأسست 1876)، و"الرسالة" (تأسست 1933) من أبرز مجلات فترة التأسيس التي ساهمت في نشر الوعي الجديد، والأدب الذي يعبّر عنه، كما اهتمت بقراءة أحوال تلك الحقبة سياسيًا واجتماعيًا. وربما مجلة "الهلال" هي المجلة العربية الوحيدة الباقية من تلك الفترة، حيث استطاعت دعم نفسها بمشروعات موازية، مثل "كتاب الهلال"، و"روايات الهلال"، والمطبوعات الموجهة للأطفال.

اقرأ/ي أيضًا: إطلاق المواقع الالكترونية لدوريات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

في خمسينات القرن الماضي، مع ضياع فلسطين وتصاعد المد القومي العربي، برزت مجلات كثيرة مثل "الثقافة الوطنية" و"الطريق" و"العربي"، لكنّ أبرز مجلتين في هذه الحقبة هما "شعر" و"الآداب"، المجلتان اللتان تركتا أعمق تأثير على حركتي الأدب والفكر العربي، بحيث تعتبران فعلًا بداية عصر الحداثة الأدبية، بالإضافة إلى تمثيلهما لفكرة المجلة التي تعبّر عن تيار فكري.

في عقدي الستينات والسبعينات من القرن العشرين بدأت تظهر المجلات ذات الصبغة اليسارية، الماركسية والقومية، وكانت تهتم بأحوال العمال والفلاحين، وبآثار الهزيمة، بالإضافة إلى ظهور مجلات المقاومة الفلسطينية التي يبقى أبرزها مجلة "الحرية" (1960) التي أسسها الكاتب الشهيد غسان كنفاني لتكون لسان حال "حركة القوميين العرب"، ثم أسّس "الهدف" (1967) تحت شعار "كل الحقيقة للجماهير"، لتكون لسان حال "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي تأسست آنذاك.

في مصر برزت مجلة "الكاتب" كان ذلك شعارها "مجلة الثقافة الإنسانية"، وفي عام 1979 صدرت في لندن مجلة بعنوان "23 يوليو" التي استطاعت فور صدورها خطف الأضواء من جميع المجلات العربية المهاجرة، وذلك لخطها السياسي المعادي لاتفاقية "كامب ديفيد".

في ثمانينات القرن العشرين، ظهرت "الكرمل" التي أسّسها الشاعر الراحل محمود درويش، وجاء في بيان صدورها في العدد الأول عام 1981: "الثقافة هي حرية وفعل حرية. لا تنمو إلا في الحرية ولا تتأكد إلا حين تقاتل من أجل الحرية. والفعل كان البداية، وهو البداية التي نصنعها دائمًا أو نسقط ونموت. وفعل الحرية يعني إعلان القطيعة النهائية مع تلك العلاقة الملتبسة بين ثقافة السلطة وسلطة الثقافة. كأن المعارضة لا تنهض إلا على أرض السلطة، ولا تخاطب إلا الرقيب الذي يجلس في مواجهتها أو في داخلها!". في الفترة نفسها أطلق الشاعر أدونيس مجلته الشهيرة "مواقف" التي تعد المنبر المهم الذي عبر من خلاله عن منهجه الحداثي، وفي افتتاحية العدد الأول جاءت صرخة الهدم التي ستصبح شعارًا فيما بعد: "هكذا تطمح مواقف إلى أن تكون استباقا. كل استباق إبداع. الإبداع هجوم: تدمير ما نرفضه وإقامة ما نريده".

في هذه الفترة ظهرت مجلة فريدة من نوعها في بيروت هي "رصيف 81"، عندما أحس مجموعة من الكتاب والأدباء بضرورة وجود منبر خاص. المجلة كانت تصدر دون ترخيص، وكانت تمول بمجهودات فردية، وتوزّع كذلك في شوارع بيروت أثناء الحصار، وقد استشهد رئيس تحريرها الشاعر علي فودة أثناء توزيع حصته من نسخها.

في التسعينات، اجتاحت المشهد العربي مجلة "الناقد" التي كانت في غاية الجرأة، وظلت تصدر من لندن لمدة سبع سنوات، مثيرة جدلًا كبيرًا، إلى درجة أن ست دول عربية لم توافق على دخولها إليها.

تراجع الحالة العربية عمومًا، رافقه تراجع ثقافي عام أيضًا، وفيه غابت المجلة التي تمثّل حركة فكرية

تراجع الحالة العربية عمومًا، رافقه تراجع ثقافي عام أيضًا، وفيه غابت المجلة التي تمثّل حركة فكرية، وصارت المجلات مجرد صلة وصل بين الحلقات الأكاديمية والناس. وربما لولا ظهور المجلات الإلكترونية لكان المشهد بائسًا للغاية.

اقرأ/ي أيضًا: الصحافة الثقافية في المغرب.. حالة احتضار

في دراسة له، يُلخص جابر عصفور ما تحتاجه المجلة الثقافية العربية في المستقبل، إذ يتحدد الأمر بما يلي: اتساع أفق الحرية، واتساع المساحة المتزايدة للعلم الذي لا يتوقف عن التطور، والبحث عن حلول تقنية وتكنولوجية جديدة، تتولى تثوير شكل المجلة، وتنقلها من واقع الصفحات الورقية إلى واقع الصفحات الإلكترونية، وأخيرًا؛ البحث عن مصادر غير تقليدية في التمويل، تتيح المزيد من الحرية في توجهات المجلة الثقافية.

في السنوات الأخير، أصدر "المركز العربي للدراسات ودراسة السياسات" سلسلة من المجلات التي تتكامل تكاملًا معرفيًّا شاملًا، بحيث تمنح القارئ العربي فرصة التواصل مع آخر الأفكار، عبر تغطيتها للمجالات الثقافية والفكرية ممثلة بمجلة "تبيّن"، والفضاءات الاجتماعية في "عمران"، والآفاق السياسية في "دراسات عربية"، والتاريخية في "أسطور"، والدراسات المستقبلية في "استشراف".

المجلات هي الحاضنة الأساسية للثقافة، وهي منبرها ومنصتها، ولهذا فإنّ ميلاد المجلة الجادة ميلاد لفكرة أو منعطف أو مرحلة، فيما يصب غيابها في إعاقة الحراك الثقافي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عددان من "مرايا".. عودة إلى زمن المجلات

من أرشيف مجلة "بلاي بوي"