28-ديسمبر-2015

صلاة الجمعة في ميدان التحرير 2012 (Getty)

ينظر الغرب للمجتمعات العربية على أنها مجتمعات بدائية متدينة، غارقة في تفكيرها الديني، متناحرة فيما بعضها، تنتظر الفرصة للانقضاض على بعضها البعض. فاتخذ الاستعمار من حجة "تخلف المجتمعات العربية"، لتبرير كولونياليته، وممارسة أقصى درجات العنف في قمعها. سارت الأنظمة العربية الاستبدادية على ذات المنوال حتى يومنا هذا. فعرفت مجتمعاتها بأنها قبائل وعشائر وطوائف، لا تستحق الديمقراطية. وروجت للغرب بأن الاستبداد خير وسيلة لإسكات أصوات الإرهاب الديني في المجتمعات العربية. فكرست نفسها كأنظمة وكيلة عن الاستعمار.

سارت الأنظمة العربية على منوال الاستعمار، فعرفت مجتمعاتها بأنها قبائل وطوائف، لا تستحق الديمقراطية

من الملفت للنظر في النتائج التي أعلنها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في "المؤشر العربي" ما يفند هذه الادعاءات الموروثة من الحقبة الاستعمارية، وكرستها أنظمة الاستبداد. ولم تفندها المعارضات العربية في بعض الحالات. 

يصنف أكثريّة مواطني المنطقة العربيّة وبنسبة 63% أنفسهم بـ "المتديّنين إلى حدٍّ ما"، فيما انقسم ما تبقى من المستجيبين إلى كتلتَيْن: تُمثّل الأولى 24% من مُجمل المستجيبين، وهم الّذين أفادوا أنّهم "متديّنون جدًّا"، أمّا الكتلة الثانية، فتُمثّل 9% من المستجيبين الّذين وصفوا أنفسَهم بأنّهم "غير متديّنين". 

وفي ذات الوقت تشير نتائج المؤشر العربي بأنّه ليس هناك توافقٌ عند الرّأي العامّ في المنطقة العربيّة على الشرط الأهمّ الذي يجب توافره لاعتبار شخصٍ ما متديّنًا. وهذا مهم من ناحية أن التدين لا يعني الممارسة الدينية، وإنما هناك أشياء أيضًا تتعلق بالقيم الإنسانية الحضارية العامة. وهو ما تؤكده النتائج عندما سُئل المستجيبون عن تأيّيدهم لمقولة "إنّ كلّ شخص غير متديّن هو بالتأكّيد شخص سيّئ"، أو معارضتهم لها. وتشير النّتائج إلى أنّ أكثريّة مواطني المنطقة العربيّة، وبنسبة 74%، ترفض مقولة "إنّ كلّ شخص غير متديّن هو بالتأكّيد شخص سيّئ"، مقابل موافقة 22% من المستجيبين عليها. وجديرٌ بالذكر أنّ الذين "وافقوا بشدّة" على هذه المقولة كانت نسبتهم 7% مقابل 35% عارضوها "بشدّة". أي أنّ الذين عارضوا المقولة "بشدة" بمعنى أنّ لديهم موقفًا واضحًا ومحدّدًا، مثّلوا خمسة أضعاف الذين وافقوا عليها "بشدّة".

ليس هناك توافقٌ عند الرّأي العامّ في المنطقة العربيّة على الشرط الأهمّ الذي يجب توافره لاعتبار شخصٍ ما متديّنًا

تضمّن المؤشّر العربيّ سؤالًا عن مدى موافقة الرّأي العامّ على مقولة "ليس من حقّ أيّ جهةٍ تكفير الّذين يحملون وجهاتِ نظرٍ مختلفةً في تفسير الدّين"، أو معارضتها. وتوافق أكثريّة الرّأيّ العامّ على هذه المقولة بنسبة 75%، مقابل معارضة 20% من المستجيبين. 

وفي سياق تعميق إدراك أهمّية الدّين في مجتمعات المنطقة العربيّة، طَرح "المؤشّر العربيّ" على المستجيبين مقولة "ليس من حقّ أيّ جهةٍ تكفير الّذين ينتمون إلى أديان أخرى". وتشير البيانات إلى أنّ أكثريّة الرّأي العامّ (72%) توافق على أنّه "ليس من حقّ أيّ جهةٍ تكفير الّذين ينتمون إلى أديان أخرى"، مقابل معارضة 23% من الرّأي العامّ. بينما كانت نسبة الّذين لم يبدوا رأيًا 5% من المستجيبين. ويُمثّل الّذين وافقوا بشدّة على هذه العبارة 30% أكثر من أربعة أضعاف الّذين عارضوها بشدّة 7%. وهذا يدلّ على وجود تيارٍ يُمثّل نحو ثلث الرّأيّ العامّ في المنطقة العربيّة يُعبّر بقوةٍ وحزمٍ (ومن دون التباسٍ) عن هذه العبارة، يوازيه في القوّة، ولكن بالاتجاه المضادّ، تيارٌ يُمثّل 7% فقط من المستجيبين.

تدلل النتائج السابقة على قبول أغلبية الرأي العام العربي لحرية الإنسان في تدينه أو عدم تدينه، فليس بالضرورة كل شخص، لا ينسجم مع أفكارهم العقائدية، هو شخص مرفوض أو مهدور دمه. وإنما له الحق في العيش في إطار احترامه هو لحرية الآخرين. فهل يؤيد الرأي العام العربي، البيت الضامن لحرية الفرد (الديمقراطية)؟

وافق نحو ثلاثة أرباع المستجيبين 72% على مقولة "إنّ النظام الديمقراطي وإن كانت له مشكلاته، لكنّه أفضل من غيره من الأنظمة"، بينما لم يعارضها إلا 22%. أمّا على صعيد مدى ملاءمة نظامٍ محكوم بالشريعة الإسلامية من دون وجود انتخابات أو أحزاب سياسية، فقد رأى 33% من الرأي العامّ في المنطقة العربية أنّ مثل هذا النظام "ملائم جدًّا"، أو "ملائم إلى حدّ ما". في المقابل، أفاد 61% أنّه "غير ملائم إلى حدّ ما" أو "غير ملائم على الإطلاق".

رأى نحو ثلاثة أرباع الرأي العامّ في المنطقة العربية أنّ نظامًا سياسيًا تتنافس فيه الأحزاب غير الدينية هو نظامٌ "غير ملائم إلى حدّ ما" و"غير ملائم على الإطلاق"، مقابل 21% أفادوا أنّه "ملائم جدًّا"، و"ملائم إلى حدّ ما".

تعني نتائج "المؤشر العربي" أن الديمقراطية بمفهومها الحضاري العالمي هي التي تعبر عن أفكار وآراء المواطنين العرب

من جهة أخرى، أفاد ثُلثَا الرأي العامّ في المنطقة العربية أنّ "نظامًا سياسيًا تتنافس فيه الأحزاب الإسلامية فقط"، هو نظام "غير ملائم إلى حدّ ما" أو"غير ملائم على الإطلاق" لبلدانهم، في حين كانت نسبة الذين أفادوا أنّه "ملائم جدًّا"، أو "ملائم إلى حدّ ما" هي 30%. وهذا يُظهر توافق الرأي العامّ في رفض مثل هذا النظام.

تعني النتائج السابقة أن الديمقراطية بمفهومها الحضاري العالمي هي التي تعبر عن أفكار وآراء المواطنين العرب. وما يقصده العرب بالديمقراطية هو المجال المفتوح لجميع الحركات السياسية، فلا تتم الديمقراطية في إطار الحركات الدينية فقط، وليست حكرًا على الحركات العلمانية فقط. وإنما يجب خضوع الجميع لمعايير الديمقراطية.

إن تدين غالبية من المواطنين في الدول العربية، لا يعني عدم قبولها بحرية الفرد، ولا ينفي أحقيتها في مطالبها المشروعة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية. بل إن ما كشفته نتائج المؤشر العربي أن حرية الفرد في حياته الاجتماعية والسياسية، هي أولوية لدى الشعوب العربية، حيث لا يوجد علاقة عضوية بين التدين والديمقراطية.

اقرأ/ي أيضًا:

21 رقمًا مرعبًا من مصر

الشباب السوري الديمقراطي؟