19-مارس-2017

مسيرة الأولتراس لوزارة الدفاع بالقاهرة يوم 15 فبراير 2013 (Getty)

الزمان: 27-1-2016

المكان: استاد أسوان الدولي - مصر

الحدث: مباراة ودية بين منتخبي مصر وليبيا

مباراة كرة قدم، جماهير سعيدة ومبسوطة بوجود منتخبهم الوطني على أرض مدينته التي يتذكرها المسؤولون في تلك الأوقات، ولكن لا مانع من لحظات سعادة للجماهير الأسوانية الطيبة والقليلة التي لا تتجاوز الـ 150 مشجعًا الذين حاولوا دخول الملعب لمشاهدة منتخبهم الوطني. فجأة، الأمن قرر ضرب تلك الجماهير بقنابل الغاز المسيلة للدموع دون سابق إنذار لمن هم في الملعب، وفجأة يقر معلِّق اللقاء الداخلي من الملعب أن هناك حريقًا في أحد الفنادق بجوار الاستاد، ولولا أن جمهور أسوان لم يتحرك من مكانه لحدثت كارثة أشبه بكارثة الدفاع الجوي، إن لم تكن أقوى.

الغاز المسيل للدموع ملأ الملعب، واللاعبون بدؤوا يتساقطون على الأرض، ومعلّق المباراة لا يعلم ماذا يحدث، والجماهير أمام التلفزيون لا يعلمون أي شيء. وفي الأثناء، تبرز أسئلة كثيرة مُعلّقة تنتظر الظفر بإجابة شافية إلى الآن: من المسؤول الغبي عن اتخاذ قرار ضرب قنابل غاز على جماهير كرة قدم؟

من يقوم بتسليح الأمن لمباراة كرة قدم بقنابل غاز؟ وهل قنابل الغاز فقط هي وسيلة رجال الأمن المصريين لتفريق الجماهير؟

والسؤال الأكثر إلحاحًا: من يقوم بتسليح الأمن لمباراة كرة قدم بقنابل غاز؟ وهل قنابل الغاز فقط هي وسيلة رجال الأمن المصريين لتفريق الجماهير؟ هذه العقلية الغبية في التعامل مع الأحداث تكشف مستوى ذكاء القادة الأمنيين وتلاميذهم، الذين لا يعرفون غالبًا اختراعات لتفريق الجماهير سوى قنابل الغاز المسيلة للدموع، القنابل التي راح ضحيتها 20 مواطنًا في مباراة كرة قدم قبل 11 شهرًا تقريبًا من هذه الحادثة.

اقرأ/ي أيضًا: كرة القدم في فلسطين.. صراع قبل النكبة

غباء غباء غباء غباء كثير يحاصر المتعة الوحيدة الباقية للمصريين، ويتآمر لمحوها ومنعهم منها. الأمر هنا لم يعد له علاقة بكرة القدم فقط ولكنه يصبح دليلًا فاضحًا على منظومة أصبحت عبثية في كل شيء، لا تدري من أمرها شيئًا وعاجزة عن التفكير الخلّاق لحلّ مشكلاتها، منظومة أمنية وكروية تكره الجماهير وتكره الناس وتكره الفرحة.

مباريات الأندية المصرية في بطولتي أفريقيا هي المباريات التي ينتظرها الجماهير بفارغ الصبر من أجل الحضور للملعب ومؤازرة فريقهم، خصوصًا أنها المباريات الوحيدة المسموح فيها لهم بالحضور والغناء والتشجيع، وبالمناسبة هذا ليس هبة من الأمن المصري ولكنه تنفيذ لقرار إجباري من الاتحاد الأفريقي لكرة القدم يلزم باستبعاد الفرق التي تُقام مبارياتها دون حضور جماهيري.

ورغم خوض الفرق المصرية مبارياتها في بطولات أفريقيا خارج مصر أمام جماهير تقترب أعدادها من 20 و30 ألف مشجع، فإن الأمن المصري يشترط ألا يتجاوز عدد الجماهير المصرية في مدرجات الملاعب المحلية الـ 5 آلاف مشجع، وهو ما يعود بالسلب على الفرق المصرية التي تحتاج، أكثر من أي وقت مضي، إلى مؤازرة الجاهير الغائبة عنها طوال مباريات بطولتي الدوري والكأس المحليين.

وبين الحين والآخر، يظهر علينا السادة الأشاوس من معتمدي الحفاظ على روح الوطنية المصرية وإدامة حالة الاستقرار بتصريحات وأقاويل تنال من جماهير الكرة المصرية، خصوصًا مجموعات الألتراس، تعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور وهي بذلك لا تشذّ في شيء عن التيار الرئيسي "الدولتي" المصري في معاداته لأي شكل من أشكال التنظيم والعمل الأهلي أو الجماهيري.

الأمن المصري يشترط ألا يتجاوز عدد الجماهير المصرية في مدرجات الملاعب المحلية الـ 5 آلاف مشجع

آخر نتائج هذه الموجة الكريهة حدث يوم الأحد الماضي، حيث خاض فريق الزمالك مباراة هامة في افتتاح مشواره في دوري أبطال أفريقيا، بحضور 5 آلاف من جماهيره في ملعب الدفاع الجوي بالقاهرة، رغم عِناد رئيس النادي الأبيض مع رابطة مشجعي الزمالك "ألتراس وايت نايتس" ورغبته في حصر حضور المباراة على أعضاء الجمعية العمومية للنادي فقط، بل وقيامه بتوزيع تذاكر المباراة داخل النادي بنفسه.

ذهب مجموعة من أفراد رابطة المشجعين لمؤازرة فريقهم دون تذاكر، لتأكدهم أن هناك فارقًا كبيرًا بين تشجعيهم وتشجيع الأعضاء الذاهبين للمشاهدة فقط دون مؤازرة حقيقية، وعند بوابة الاستاد حدثت مناوشات بين أفراد الأمن والمجموعة، كان من الممكن أن يسقط فيها ضحايا آخرون، يضافون إلى قوائم سابقة من الضحايا الذين ذهبت أرواحهم دون ثمن ودون سبب واضح إلى الآن. (على هذا الملعب نفسه قبل سنتين، سقط أكثر من 20 قتيلًا من مشجعي الزمالك نتيجة الاختناق بالغاز الذي أطلقته قوات الأمن على الجماهير).

اقرأ/ي أيضًا: كيف عبّدت مصر طريق العودة إلى المونديال؟

المهم تمكّن الجميع من الدخول إلى المدرجات، ولم تحدث أي مناوشات بينهم وبين الأمن حتى نهاية المباراة. ويبدو أن ذلك كان يشبه هدوء ما قبل العاصفة، فبعد انتهاء المباراة ورغم عدم قيام المجموعة بأي "شغب" خلال اللقاء (إلا إذا اعتبرنا بعض الهتافات المعادية لرئيس النادي أعمال شغب)، قامت قوات الأمن في ملاحقة أفراد المجموعة بشكل غريب والقبض العشوائي على العشرات من المنتمين للألتراس والجماهير العادية، دون أي سبب واضح. والغريب أن بعض الأفراد المقبوض عليهم وُجهِت لهم تهم سبّ وقذف رئيس الزمالك، وهذه سابقة في تاريخ الكرة المصرية أن يُلقى القبض على الجماهير بتهمة السبّ في المدرجات!

والسؤال هنا، لماذا يصرّ الأمن على استعداء الجماهير باستمرار؟ ولماذا لا تسعى القيادات الأمنية لإيجاد حلّ مع روابط الجماهير بدلًا من معاملتهم كخارجين على القانون وكأنهم "شوية عيال صيع ولا زم نأدّبهم"؟ وهل يتدخل رئيس "دين أم" القلعة البيضاء بنفوذه لمحاربة ألتراس ناديه؟

المشكلة بين الأمن وروابط الجماهير ستظل ما دام التعامل معهم بطريقة غير آدمية لا تحترم كونهم مواطنين ومشجعين محبين لفريقهم

المشكلة بين الأمن وروابط الجماهير ستظل مستمرة، ما دام التعامل معهم بهذه الطريقة غير الآدمية التي لا تحترم كونهم مواطنين أولًا ومشجعين محبين لفريقهم ثانيًا، فالروابط بمختلف انتماءاتها لديها "تار بايت" مع قوات الأمن، والإصرار الغبي على الأسلوب الأمني الحالي سيزيد الوضع تعقيدًا واشتعالًا. على الجانب الآخر، هناك مشكلة مزمنة لدى الأمن مع الجماهير، ربما هو خوف غريزي مرتبط شرطيًا بالحشود والأعداد الكبيرة والثورة، ولكن الحقيقة أن كلمة "ألتراس" وحدها كفيلة بإثارة غضب السادة المسؤولين بشكل لا تُعرف أسبابه على وجه التحديد، فهل هي حساسية موسمية أم التهابات مزمنة أم "تلكيكة والسلام"؟

والناتج من وراء ذلك الارتباك الأمني هو مباريات مملة وعقيمة في الدوري المحلي بين أندية أغلبها مملوكة لشركات وليس لديها جماهير أصلًا، ومدرجات خاوية تنتظر الرضا السامي من المسؤولين لإرجاع الجماهير إلى مكانها الطبيعي.

 مباريات أفريقيا قادمة ولن تستطيع الأندية خوض المنافسات من دون جماهيرها. الدولة نفسها لا تملك قرار منع حضور الجماهير في المباريات الأفريقية، وإلا ستكون ضد مصلحة الأندية المصرية؛ لذلك ثمة حلّ ينتظر إخراجه من الأدراج والبدء في تطبيقه قبل أن تقع كارثة جديدة يروح فيها شباب آخرين كل آمالهم مؤازرة فريقهم في المدرجات، وكفاية غباوة يا جماعة الخير حتى لا يفرح فينا "أهل الشرّ".

اقرأ/ي أيضًا:
5 دروس من ليلة عصام الحضري الأسطورية
ليلة القبض على "باد آس"