17-ديسمبر-2017

القدس بين عامي 1900 - 1917

ذاكرة الناس لا تساوي ذاكرة المكان على الدوام، تساويه حين يرتفع الإنسان إلى مكانة المكان. نقول قد يحدث ذلك، لكنه لن يحدث إلاّ بتجاور اثنين: عين تقرأ الغريب من وراء المألوف فترى ما لانراه، ومكان يحفّز التحدي، بما يرفع من تجاور الاثنين، حتى يكاد يأخذهما إلى بيت الزواج، بيت هو الذاكرة، ذاكرة القارئ، ذاكرة الناس كل الناس. والحال كذلك، كيف ستكون القدس، قدس اللاهوت، قدس المركز، قدس التحديات التي لا تحد؟ كيف ستكون في ذاكرة مؤرخين وسياسيين كتبوها بماء العين، وسرّ الوجدان؟

تتوقف في هذه المقالة عند مذكرات، كُتبت في مدينة القدس من أدباء ومفكّرين وسياسيّين وفنّانين مقدسيين، لكل من طاهر عبد الحميد الفتياني وخليل السكاكيني ونجاتي صدقي وواصف جوهريّة.


1- يوميّات طاهر عبد الحميد الفتياني

في يوميّاته غير المنشورة، يقدّم الصحافي والسياسي طاهر عبد الحميد الفتياني توثيقًا يوميًا لحياته الشخصيّة بدءًا من سنة 1943 وحتّى سنة 1944، يتضمّن وصفًا عن الحياة الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة - كونهُ كان مقرّبًا من القادة السياسيين وعلى رأسهم المقرّبين أيضًا من أمين الحسيني - في مدينة القدس آنذاك. متحدِّثًا أيضًا عن أبرز أحداث تلك المرحلة، وما تركتهُ من تأثيرات على المدينة وسكّانها، ولعلّ أبرزها الحرب العالميّة الثانيّة التي تعدُّ الأكثر تأثيرًا على المجتمع المقدسيّ بعد الثورة العربيّة الكبرى التي انتهت مع بداية الحرب العالميّة، والتي يستعيدها الفتياني أيضًا في يومياته متحدِّثًا عن حالة الانشقاق والخلافات الحادّة بين بين صفوفها، ما أدّى بطبيعة الحال إلى خروج الفلسطينيّ منها مُثقلًا بالجراح والخيبات، وشاهدًا على مرحلة مفصليّة جديدة في تاريخ بلاده.

 

2- يوميّات خليل السكاكيني

يعدُّ خليل السكاكيني المولود في مدينة القدس سنة 1878 واحدًا من مؤسسي الحركة التربويّة الفلسطينيّة إبّان الحكم العثمانيّ. وفي يومياته "يوميّات خليل السكاكيني: يوميّات، رسائل، تأمّلات" (مركز خليل السكاكيني الثقافي، مؤسّسة الدراسات المقدسيّة) يقف السكاكيني على أبرز التحوّلات والأحداث التي طرأت على المجتمع المقدسيّ والمنطقة العربيّة في أواخر العهد العثماني، بدءًا من اتجاه الدولة العثمانيّة لـ"تتريك المنطقة" ودفاعه إلى جانب عدد من المثقّفين والأدباء الفلسطينيين عن اللغة العربيّة، وظهور الحركات التربويّة المتمسكّة بالهويّة العربيّة، والتي لم تشهد نجاحًا كان متوقعًا منها نتيجة الظروف السياسيّة آنذاك.

لعلّ أبرز ما يُميّز يوميّات السكاكيني أيضًا هو توثيقها للحالة الثقافيّة في مدينة القدس، فضلًا عن توثيقه أيضًا للجرائد والمجلّات التي أخذت بالصدور بالانتشار في تلك الفترة، حيث يذكر السكاكيني أسماء تلك الجرائد والمجلّات والأسباب التي دفعت أصحابها لإصدارها أيضًا. منها: "مجلة الأصمعي" التي تعدُّ أوّل مجلة تصدر في مدينة القدس، وبعدها كلّ من "الجوزاء" و"القدس الإخباريّة" و"مرآة الشرق"، وغيرهنّ من المجلات.

3- مذكّرات نجاتي صدقي

 في عام 2001 صدرت "مذكّرات نجاتي صدقي" (مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة) للسياسيّ المقدسي نجاتي صدقي، لتأخذنا بذلك إلى أجواء الحياة اليوميّة في فلسطين بشكلٍ عام، والقدس بشكلٍ خاص في عشرينيّات القرن العشرين، وتعرّفنا في الوقت على حياة صدقي ونشاطه السياسيّ السري وتنقّلاته المستمرّة في عدّة بلدان عربيّة وعالميّة. فضلًا عن أنّ المذكّرات تحوي وثائق ومعلومات تُكشف للمرّة الأولى.

يروي صدقي في مذكّراته حكاية انضمامه إلى الحركة الشيوعيّة التي كانت في بداية انتشارها في العالم العربيّ، واعتقاله بعد ممارسة العمل السياسيّ السري في القدس بعد عودته من موسكو حيث أكمل دراسته الجامعيّة هناك، ومن ثمّ هروبه متوجهًا إلى لبنان وبعدها إلى فرنسا حيث أصدر هناك صحيفة "الشرق العربيّ" بأمر من منظّمة "الكومنترن" قبل أن يغادرها بعد اغلاق الصحيفة ليتوجّه إلى اسبانيا محاولًا اقناع الجنود المغاربة بالتخلي عن فرانكو والالتفاف حول الجمهوريّة ضد فاشيّته.

4- مذكّرات واصف جوهريّة

صدرت مذكّرات الموسيقيّ المقدسيّ واصف جوهريّة في جزئين عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة"؛ الأوّل تحت عنوان "القدس العثمانيّة في المذكّرات الجوهريّة" والثاني "القدس الانتدابيّة في المذكّرات الجوهريّة" لتصف الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة في مدينة القدس في كلتا المرحلتين.

تقدّم المذكّرات توثيقًا زمنيًا لأبرز المتغيّرات التي طرأت على مدينة القدس سياسيًا وثقافيًا وعمرانيًا أيضًا، بالإضافة إلى وصف العلاقات الاجتماعيّة بين سكّان المدينة بمختلف طوائفها، وذلك إبّان التغيّرات التي حدثت بعد انهيار الدولة العثمانيّة وبداية الانتداب البريطانيّ الذي أحدث صراعاتٍ عدّة داخل المدينة. وتتضمّن المذكّرات أيضًا تسجيلًا للحفلات التي أقامها عددًا من الفنانين العرب، ولعلّ أبرزهم محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وسلام والشيخ سلامة حجازي، وغيرهم من الفنانين والفرق الموسيقيّة العربيّة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عزمي بشارة: حول القدس بإيجاز شديد

من ديوان القدس