01-أكتوبر-2017

الهجمات السيبرانية الروسية على الولايات المتحدة تعد امتدادًا للحرب الباردة (Shutterstock)

في السابع من تشرين الثاني/أكتوبر 2016، نشر موقع "ويكيليكس" آلاف الرسائل الإلكترونية المسربة من بريد مدير الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون. وكشفت الوثائق المسربة أن الأخيرة ألقت خطابات مقابل أجر لصالح مؤسسات مالية في عدد من بلدان العالم، ليتم فورها استدعاء كلينتون من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي - FBI) في أوج الحملة الانتخابية للحزب الديموقراطي، وهو ما أظهرها أمام الصحافة والرأي العام في أمريكا كـ"مرشحة رئاسية مرتشية" وغير جديرة بالتصويت، ليلعب ذلك قطعًا دورًا في دفع ترامب للأمام.

اختراقٌ روسي للبريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون، غيّر كثيرًا في مجريات الانتخابات الأمريكية، ورجّح كفة ترامب في الفوز

واتهمت حينها الصحف الأمريكية والمراكز المتخصصة في الأمن التقني، روسيا، بوقوفها وراء اختراق البريد الإلكتروني، الذي يتضمن معلومات مشبوهة تخص مرشحة الحزب الديمقراطي الأمريكي، هيلاري كلينتون، بهدف ترجيح كفة ترامب في الانتخابات الرئاسية.

امتداد للحرب الباردة

وبالفعل أكدت الاستخبارات الأمريكية في تقرير سري لها تلك الاتهامات، وقالت إن "النظام الروسي شن حملة إلكترونية بأوامر من الرئيس فلاديمير بوتين، هدفت إلى التأثير على مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عبر الإضرار بالقابلية الانتخابية لهيلاري كلينتون، وترجيح كفة ترامب"، الكلام الذي أشعل الرأي العام ما اضطر إدارة ترامب إلى طرد 35 مسؤولًا روسيًا مباشرة بعد خروج التقرير، فيما يبدو لتبرأة ذمتها.

اقرأ/ي أيضًا: متى ينتهي "كابوس" بريد هيلاري كلينتون الإلكتروني؟

كما كشف تحقيق شبكة "NBCNEWS" من خلال مصادر خبيرة، تُبيّن أن موسكو تدعم فرقًا من القراصنة الإلكترونيين، مقابل الحماية والمال، فيما يشبه جيشًا من "القراصنة المرتزقة"، الذين يعملون لحساب الكرملين، وسبق لهم أن نفذّوا العديد من الهجمات السيبرانية على مراكز أمريكية وأوروبية، حتى أنهم تمكنوا من اختراق نظام الكمبيوتر في البرلمان الألماني، حيث وصلوا إلى أجهزة النواب وحساباتهم الخاصة، قبل أن تكتشف الاستخبارات الألمانية البصمات الرقمية الروسية.

أكدت التقارير الرسيمة تورط روسيا في هجمات سيبرانية بهدف التأثير ترجيح كفة ترامب في الانتخابات (Getty)
أكدت التقارير الرسمية تورط روسيا في هجمات سيبرانية بهدف ترجيح كفة ترامب في الانتخابات (Getty)

ومنذئذ بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تأخذ الأمر على محمل الجد في خطورة الحرب الإلكترونية التي تشنها موسكو بنوايا تخريبية، إذ قررت واشنطن مؤخرًا إغلاق ثلاث منشآت دبلوماسية روسية في بلادها، وتعريضها للتفتيش، الخطوة التي اعتبرتها موسكو "عملًا عدائيًا"، وردّت عليه بتخفيض عدد الدبلوماسيين الأمريكيين الموجودين على الأراضي الروسية إلى النصف.

وصف تقرير أمريكي جديد، الهجمات السيبرانية التي تنفذها روسيا، بأنها "امتداد لتكتيكات الحرب البادرة"

في هذا السياق، صدر تقرير أمريكي جديد في 28 أيلول/سبتمبر المنصرم، يقول إن ما نراه الآن في الواقع من هجمات سيبرانية من قبل الروس، هو امتداد لتكتيكات الحرب الباردة، وأنه يجب على الولايات المتحدة أن تعاملها كصفحة جديدة في هذا الصراع، منبهًا إلى أن موسكو تستغل الشبكات الاجتماعية لـ"نشر دعاية مغرضة لصالحها"، من خلال إغراق هذه المواقع التواصلية التي يلجها مئات الملايين من المتصفحين بمعلومات مضللة.

اقرأ/ي أيضًا: المخابرات الأمريكية: بوتين أطلق حملة لدعم ترامب

ورغم أن هذه النوعية من الهجمات، قد لا تكلف الكثير من الخسائر المادية أو خسائر في الأرواح، إلا أن خسائرها تُعد في مفاهيم العصر، أبهظ ثمنًا، ولها تأثير كبير في تغيير مجريات الأحداث وتوجيه الرأي العام، فضلًا عن التأثير في بوصلة المستويات العليا للدولة.

الشفافية كسلاح ضد الاختراق الروسي!

بات الكونغرس الأمريكي يعطي اهتمامًا متزايدًا للخطر الروسي الإلكتروني، بعد ما حصل في الانتخابات الرئاسية الماضية، ويستعد حاليًا لتمرير مجموعة من التشريعات الخاصة الهادفة إلى تقوية وسائل الإعلام الموثوقة أمام حملات الدعاية، وإلزام الشبكات الاجتماعية بمحاربة المعلومات المضللة.

مارك جاكوبسون، المستشار السابق لوزارة الدفاع، كان واحدًا من كُتّاب التقرير الأمريكي الحديث عن تزايد الهجمات الإلكترونية الروسية، يقول في حوار له مع شبكة "NPR"، إن "ما يريد صناع السياسة الروس القيام به هو تقويض الثقة في الديمقراطية الأمريكية، من خلال تشجيع الانقسام وإطالة أمده ما أمكن، على أمل أن يتحول الانقسام إلى عنف"، مُضيفًا أن الهدف هو "إجبار الولايات المتحدة على النظر في الداخل وعدم الاهتمام بما يحدث في جميع أنحاء العالم، وبالتالي تحطيم التحالف عبر الأطلسي".

تريد روسيا بهجماتها السيبرانية، تقويض الثقة في نجاعة الديمقراطية الأمريكية (Time)
تريد روسيا بهجماتها السيبرانية، تقويض الثقة في نجاعة الديمقراطية الأمريكية (Time)

يؤكد جاكوبسون أن الروس يستغلون القدرة التسويقية الهائلة لمواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي التأثير في توجه الرأي العام المستهدف مهما كانت طبيعة المحتوى، حيث أصبح الكثير من الناس لا يتكبد عناء التحقق من المعلومات عبر مصادر موثوقة، وهو ما يفسر اتجاه توصيات التقرير صوب تقوية قيم الشفافية على منصات التواصل الاجتماعي.  

ويوصي التقرير كذلك بسن تشريعات أكثر دقة، تلزم بكشف مصادر التمويل السياسي، وتضفي مزيدًا من الشفافية على الساحة السياسية، دون السقوط في إفشاء أسرار الدولة، حتى لا يتم تصيد أخطاء بعض السياسيين واستغلالها من قوى خارجية.

تستغل روسيا القدرة التسويقية لمواقع التواصل الاجتماعي للتأثير في الرأي العام، اعتمادًا على أن الكثيرين لا يتحققون من المعلومات

هذا ويُشار غلى أنّه لم تسلم الانتخابات الألمانية الأخيرة، ومن قبلها الفرنسية، من حملات إلكترونية ممنهجة من قبل روسيا، بهدف التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح الأحزاب اليمينية، وفقًا لما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، إلا أن ألمانيا استعدت جيدًا لذلك بعد الفضيحة الأمريكية، إذ أجرى المكتب الاتحادي لأمن المعلومات اختبارات الاختراق، بحثًا عن نقاط الضعف في أنظمة الكمبيوتر والبرمجيات التابعة للسلطة الانتخابية الاتحادية، مثلما وظفت وسائل الإعلام الإخبارية الرئيسية فرقًا حماية خبيرة لتفادي أي اختراق أو نشر لأخبار مزيفة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من الملام على فوز ترامب؟

حصار قطر يكشف الخطورة الحقيقية للهجمات الإلكترونية.. حرب بديلة أقل تكلفة