02-فبراير-2017

يعمل أطفال العراق في مهن صعبة ويجندون في العنف (دليل سليمان/أ.ف.ب)

بثياب رثّة يسير حازم ابن العشرة أعوام بين السيارات المتوقفة عند الإشارات المرورية في منطقة الكرادة وسط العاصمة العراقيّة بغداد. يتوسل ركابها لشراء المناديل الورقيّة التي يهدّ حملها أكتافه كل يوم. يُمارس حازم مثل الكثير غيره من الأطفال العراقيين بيع هذه المواد في الإشارات المرورية. يقول حازم، في حديث لـ"ألترا صوت" إن "أباه مات في تفجير مما اضطره للعمل كي يساعد أسرته المتكونة من أمه وأربعة أشقاء. وعن دراسته إذا ما كان يداوم عليها، يشير بلهجة ساخرة "لنشبع خبز بالأول وبعدين نفكر بالدراسة". يمكن ملاحظة حازم وأقرانه من العراقيين بسهولة في الشوارع العراقيّة كل يوم. يعمل هؤلاء كباعة متجولين أو حمالين في الأسواق أو عمال في المعامل الحرفية المختلفة. ووفقًا لإحصاءات وزارة التخطيط فإن 11% من العمالة العراقيّة تتكوّن من الأطفال.

يعمل أطفال العراق في مهن قاسية ووفق إحصاءات وزارة التخطيط العراقية 11% من العمالة تتكون من الأطفال

غير أن العمل الأكثر مشقة للأطفال هو في معامل "الآجر" المنتشرة في ضواحي العاصمة بغداد، إذ يتعرض الأطفال هناك إلى مخاطر صحية جسيمة نتيجة الأحمال الثقيلة التي ينقلونها على ظهورهم واستنشاقهم للغازات المنبعثة من أفران شي الآجر. وفي منطقة النهروان، جنوب العاصمة بغداد، تنتشر معامل الطابوق بشكل كبير، حيث يعمل جيش من الأطفال في ظروف إنسانية بائسة. عباس لاهب لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره، ينقل الطابوق بكميات كبيرة على ظهره لمسافات تمتد أكثر من مئة متر جيئة وذهابًا، وقال في حديث لـ"ألترا صوت" إنه مضطر للعمل هنا رغم الظروف القاسية، لأنه المعيل الوحيد لأسرته المتكونة من ستة أفراد بضمنها أب مقعد وأم تعاني من مرض السكري المزمن. ولا ينكر الحاج حسن الحيالي، صاحب معمل الآجر، أن عمالة الأطفال أرخص كثيرًا من عمالة الكبار، بيد أنه يضيف مزهوًا، أنه يمنح هؤلاء فرصة مساعدة عوائلهم في سد احتياجات العيش التي تزداد صعوبة.

اقرأ/ي أيضًا: موازنة العراق لعام 2017.."مكانك راوح"

ولا يهتمّ الحيالي للقانون العراقي الذي يمنع تشغيل الأطفال، وقال "حين توفر الدولة سبل العيش الكريم لمواطنيها يحق لها أن تحاسبنا"، مضيفًا "في ظل الفوضى التي تسود البلد، فان موظفي التفتيش يخشون التعرض لنا خوفًا من المنازعات العشائرية التي قد تشمل عشائر هؤلاء الأطفال أنفسهم".

وفي منطقة المعامل، يمارس الأطفال عملاً خطرًا يكمن في "مقالع" أو مكبات النفايات التي يتواجد فيها الكثير منهم بحثًا عن القطع المستهلكة من أجل إعادة بيعها مثل علب المشروبات الغازية ومواد النحاس والألومنيوم، وهنا يضع هؤلاء الأطفال أقمشة على أنوفهم وأفواههم ليطردوا الرائحة الكريهة التي تعج بالمكان. ولا يملك العراق إحصائية جديدة عن حال عمالة الأطفال، إذ إن جلّ الإحصاءات تعود إلى أعوام 2006 وما قبلها، بيد أن منظمة اليونسيف تؤشر تصاعدًا في عمالة الأطفال بعد اجتياح تنظيم "داعش" لثلث مساحة العراق في حزيران/يونيو عام 2014، وتشير إلى أن نحو 10% من أطفال العراق والذين يبلغ عددهم بحدود المليون ونصف مليون طفل قد اضطروا للنزوح بصحبة عائلاتهم.

وقالت المنظمة الدوليّة إن 3.6 ملايين طفل عراقي يواجهون خطر الموت أو التعرض لإصابات خطيرة او للعنف الجنسي أو للخطف أو التجنيد في فصائل مسلحة. وفي أيلول/سبتمبر الماضي، رصد المرصد العراقي لحقوق الإنسان حالات استغلال للأطفال الذين اضطروا إلى النزوح مع عائلاتهم من المدن التي سيطر عليها تنظيم "داعش".

يواجه حوالى 4 ملايين طفل عراقي خطر الموت والتعرض لإصابات خطيرة والعنف الجنسي والخطف والتجنيد لدى الفصائل المسلحة

وقال المرصد في بيان وزّع على وسائل الإعلام، إن ضنك العيش دفع بهؤلاء الأطفال، علاوة على عدم توفير الجهات الحكومية والدولية للمأوى والطعام لهم، إلى العمل من أجل سدّ حاجات عائلاتهم الأساسية، وهؤلاء الأطفال سرعان ما واجهوا استغلالًا من قبل المُشغّلين بسبب حاجتهم الملحة للعمل. ولا تولي الحكومة العراقيّة أيَّ أهميّة لملف ملف عمالة الأطفال، إذ إنها حتّى لا تعمل على حصر أعداد هؤلاء وما هي ظروفهم، أو وضع خطّة مستقبلية لتحسين حياتهم التي قد تتعرّض للاعتداء الجنسي، أو التجنيد من الميليشيات أو الجماعات الإرهابيّة.

وبالمقابل، فإن بريجيت كندي، مسؤولة قسم حماية الطفولة في اليونسيف، لا يبدو أن منظمتها أيضًا تمتلك حلولًا سحريّة لإنقاذ هؤلاء الأطفال وإعادتهم إلى مقاعدهم الدراسية، وقالت كندي: "لا توجد حلول الآن بشكل مباشر"، وأضافت: "نستطيع العمل مع شركائنا الحكوميين وشركائنا من الشركات الخاصة أو المانحين لوضع خطة لحل مشكلة أسوأ اشكال عمالة الأطفال".

اقرأ/ي أيضًا:

الطلاق في العراق.. أزمة مستجدة فوق الدم

العراق.. فضائيات التناحر السياسي