19-مارس-2017

أحد الملصقات يظهر رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان في صورة هتلر بإسطنبول (Getty)

شهدت الفترة الأخيرة هجومًا على تركيا والنظام الحاكم بها، بعد إعلانه طرح استفتاء شعبي على تعديلات دستورية محتملة على الدستور التركي، قد تقود تركيا إلى النظام الرئاسي بدلًا عن النظام البرلماني الحالي.

فجأة تبارى الجميع بالهجوم على أردوغان الحاكم المستبد الساعى لتكريس سلطته لسنوات على حسب وصفهم، الجميع بات يعارض التحول المحتمل لنظام الحكم السياسي، وهو أمر فضلًا عن كونه يتم وفق قواعد سياسية ودستورية واستفتاء شعبي في بيئة انتخابية شفافة ونزيهة كما جرت الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة وما قبلها، بل الأهم أنه شأن تركي داخلي يحسمه الشعب التركي وحده دون وصاية أوروبية أو تدخلات خارجية أو نصائح نخب فاشلة، كما هو الحال مع النخبة المصرية.

فجأة تبارى الجميع بالهجوم على أردوغان الحاكم المستبد الساعي لتكريس سلطته لسنوات على حسب وصفهم

خلال الفترة الماضية دأبت النخب المصرية -التي تسمى نفسها زورًا وبهتانًا بالمدنية والديمقراطية- على الهجوم على الرئيس التركي أردوغان شخصيًا وسياسيًا، في أي حدث أو حديث يقوم به الرجل أو حتى بدون مناسبة على سبيل العادة، وهنا لن ندافع عن أردوغان أو الشأن التركي عمومًا فالأتراك أولى بهذه المهمة وهم أهل لها، ولكن الأهم الشأن المصري الذي يظهر من خلال خلفيات هجوم النخب المصرية الفاشلة على أردوغان وسياساته وتحذيرهم ورفضهم من التحول السياسي للنظام التركي المحتمل، وبمقاربة بسيطة نضع الوضع السياسي المصري بجوار الوضع التركي ونفند الهجوم النخبوي على النظام التركي من منظور الوضع المصري.

المقاربة البسيطة يعبر عنها سؤال: "لماذا أيدت النخب المصرية النظام الرئاسي في مصر ورفضت النظام البرلماني، وخصوصًا حينما واتتهم الفرصة بعد ثورتهم المزعومة في 30 حزيران/يونيو 2013، والآن ترفض تلك النخب النظام الرئاسي لتركيا؟

اقرأ/ي أيضًا: بوتين ساعد أردوغان وفتح له طريق جرابلس

وللمفارقة فإن أغلب المشاهير الذين يقودون الهجوم على أردوغان كانوا أعضاءً في لجنة الخمسين التي شكلها السيسي المنقلب، لوضع دستور العسكر الحالي من بعد انقلابه العسكري في 3 تموز/يوليو 2013، والمفترض أن الأمر كان بيد أعضاء اللجنة، وكلهم محسوبون على النخب المدنية والعلمانية، فلماذا لم يختاروا لمصر النظام البرلماني وفضلوا عليه الرئاسي؟

للمفارقة فإن أغلب المشاهير المصريين الذين يقودون الهجوم على أردوغان كانوا أعضاءً في لجنة الخمسين التي شكلها السيسي المنقلب

وهنا نحن أمام أحد احتمالين بشأن أعضاء لجنة الخمسين -المهاجمين لأردوغان- والذين سبق أن اختاروا النظام الرئاسي لمصر في لجنة وضع دستورهم، الاحتمال الأول أنهم كانوا أصحاب قرار اختيار النظام الرئاسي لمصر في دستورهم لعام 2014، وهنا تنتفي تمامًا نبرة تشدقهم بالديمقراطية ومبادئها في هجومهم على أردوغان والتحول التركي المحتمل، لأنهم وببساطة يرفضون الآن ما اختاروه بأنفسهم لبلدهم منذ أقل من ثلاث سنوات على الرغم من أن مبادئ الديمقراطية لم تتغير في الثلاث سنوات الماضية، وهم مطالبون بتفسير ما الفرق بين اختيار النظام الرئاسي لمصر في 2014 واختيار النظام الرئاسي لتركيا في 2017.

أما الاحتمال الثاني هو أن النظام الرئاسي فُرض عليهم في لجنة الخمسين وهم قبلوا بهذا الفرض، وهنا نتساءل كيف لسياسيين وأكاديميين وحقوقيين يصفون أنفسهم بدعاة المدنية أن يقبلوا بفرض من قوة انقلابية عسكرية لاختيار نظام سياسي معين؟ وهنا ينتفي أيضًا وبالكلية حرصهم المزعوم على مبادئ الديمقراطية طالما أنهم قبلوا بالوصاية العسكرية ودستروا لها.

أي أنه في الاحتمالين هم لا يتبعون مبادئ الديمقراطية التي يتشدقون بها، ويطالبون الشعوب الأخرى بالإبقاء على أنظمة سياسية رفضوها هم لبلادهم، فأي منطق سياسي أو أكاديمي -ودعك من المنطق الأخلاقي لأنهم أبعد ما يكونون عنه- يجيز لهم أن يطالبوا شعوبًا أخرى بما لم يختاروه هم لشعوبهم؟

اقرأ/ي أيضًا:
كيف خسر أردوغان الليبراليين؟
أردوغان في روسيا.. رسالة للغرب