21-ديسمبر-2016

يشكل الشيخ ميزو حالة استثنائية في الإعلام المصري (إنترنت)

"بيان هام.. أعلن أنني أنا الإمام المهدي المنتظر (محمد بن عبد الله) الذي جاءت به النبوءات وجئت لأملأ الأرض عدلًا وأدعو السنة والشيعة وشعوب الأرض قاطبة لمبايعتي وذلك مصداقًا للحديث القائل روى أبو داود (4282) - واللفظ له، والترمذي (2230) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنِّي -أَوْ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِي- يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا، وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

يدعي "الشيخ ميزو" أنه المهدي المنتظر وهو ما أثار ثورة عارمة من الغضب والسخرية على مواقع التواصل

في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أثار هذا الادعاء "الفيسبوكي"، من قبل محمد عبد الله نصر، الشهير بـ"الشيخ ميزو" ثورة عارمة من الغضب والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن ذلك لم يكن سوى قمة جبل الجدل، الذي ظهر بظهورالشيخ الأزهري المُعمّم على الساحة الإعلامية. فقد طالب البعض بضرورة الكشف العقلي والنفسي بشكل دوري على شيوخ الأزهر، نظرًا لخطورة موقعهم ونفوذهم المتأتي من تأثير خطاباتهم على قطاعات كبيرة من المجتمع المصري، وعلّل البعض الطلب بعدم ظهور أعراض المرض النفسي أو العقلي على المريض لاستقرارها في داخله، الأمر الذي لا يمكن اكتشافه سوى عن طريق متخصص.

وتحدث البعض عن انتشار علماء الأزهر على القنوات الفضائية بشكل يجعلهم جزءًا من الوجبة الإعلامية، التي تقدّمها القنوات من أجل جلب أكبر قدر ممكن من الإعلانات، وعن ضرورة التنبه من عواقب ذلك الانتشار الزائد مثلما حدث مع "الشيخ ميزو" الذي انتابته نوبة جنون على الهواء، بحسب ما يدّعي هؤلاء، جعلته يعتقد بأنه ولا أحد غيره هو المهدي المنتظر. بينما تفرّغ البعض لإثبات حقيقة أن فكرة المهدي نفسها ليست على ذاك القدر من الأهمية في العقيدة الإسلامية.

والطريف أن نصر خرج بعد ذلك ليعلن في تصريحات صحفية أن صفحته الشخصية على "فيسبوك" لم تُسرق أو تُخترق ليؤكد ادعاءه بأنه المهدي المنتظر ويطلب من الناس مبايعته، مشيرًا إلى أن ما ذكره يجد أدلّته الداعمة في كتب الصحاح، التي أعلن الأزهر أنها أصحّ كتب بعد كتاب الله. وذهب نصر إلى أن من لا يصدّق أنه المهدي المنتظر فهو يعاني من الشيزوفرينيا، لأنه بذلك يكون مؤمنًا بأمور معينة عندما تتحقق لا يقبلها كفكرة، بحسب قوله، وأشار إلى أن المسلمين يؤمنون بهذه الأحاديث، التي تقول إن محمدًا بن عبد الله هو المهدي المنتظر، قائلًا: "أقول لمن لا يؤمن بهذه الأحاديث إنني جئت إليهم، فماذا تنتظرون؟".

اقرأ/ي أيضًا: ماسبيرو زمان": الإفلاس الفني بصيغة الحنين"

ولكن في الوقت ذاته، كانت ثمة إشارات في كلام نصر إلى سخريته من فكرة المهدي المنتظر واتخاذه تلك الطريقة المثيرة لبيان فكرته للناس، فقد خرج بعد ذلك وصرّح خلال لقاء ببرنامج "90 دقيقة" قائلًا: "نصبت فخًا لوسائل الإعلام لأثبت للناس أجمعين عدم وجود المهدي المنتظر". وأعترف بأن البيان الذي نشره على حسابه في "فيسبوك" كان الهدف منه "استفزاز من ينتظرون شخصًا يعتقدون أنه مُخلِّص وهو لا يعرف تخليص نفسه من الأساس اسمه المهدي المنتظر".

وفي تصريح آخر أكّد الكلام ذاته بطريقة مشابهة حين قال إنه قصد بذلك التوضيح للمسلمين بأنهم يعيشون على "وهم ابتدعه الشيعة الذين ينتظرون شخصًا مختبئًا داخل سرداب منذ 1300 عام، بينما السنة تنتظر شخصًا سيأتيهم من عالم الغيب اسمه محمد بن عبد الله"، وأن كل ما قصده هو أن "المهدي موجود في داخل كل واحد منا، وكل واحد يستطيع هداية نفسه بنفسه". وفي حوار مصوّر معه يقول: "أحببت أن أفعل ما فعله النبي إبراهيم، وهذه هي إحدى أركان المِلّة الإبراهيمية، ذهبت وحطمت صنمًا من أصنام القوم، فلما جاؤوا وقالوا من فعل هذا بآلهتنا، قلت اسألوا كبيرهم إن كانوا ينطقون".

البدايات لا تقل إثارة

غير أن هذا السيناريو الذي يصلح لفيلم هندي مليء بالتقلبات الدرامية لا يجعلنا نغفل ضرورة البحث عن بدايات ظاهرة محمد عبد الله نصر، أو الشيخ ميزو، التي تعود إلى عام 2011 وبالتحديد ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير، حيث أطلق على نفسه "خطيب التحرير" وكان يتبع ذلك بقوله إنه يحارب التطرف والإرهاب وينشر الحب والسلام في الأرض. وبدأت شهرة نصر عندما رفع حذاءه في وجه منصة الإخوان بميدان التحرير عام 2012، ومنذ ذلك الحين بدأت الفضائيات باستضافته ليهاجم الإخوان، وارتبط اسمه بشكل كبير بمهاجمة التيار الإسلامي بشكل عام.

لكن "انطلاقته" الحقيقية كانت بعد ذلك التاريخ بسنتين، وبالتحديد في آب/أغسطس 2014، حين حلّ الشيخ الأزهري ضيفًا على إحدى حلقات برنامج "90 دقيقة" أيضًا، فأدلى بتصريحات أثارت جدالًا واسعًا، أنكر فيها عذاب القبر ووصف فيها صحيح البخاري بـ"المسخرة"، وأكد أن الرقص الشرقي ليس حرامًا، مشيرًا إلى أن بدلة الرقص أفضل من النقاب. وعلى إثر ذلك، تبرّأت وزارة الأوقاف من الشيخ نصر، وأصدر الأزهر قرارًا منعه فيه من الخطابة، كما سارع الكثيرون من العاملين في المؤسسات الدينية إلى ذمّه والطعن في شخصه وعلمه.

يعتبر الشيخ ميزو أن الرقص حلال ووصف صحيح البخاري بالمسخرة وقال إن بدلة الرقص أفضل من النقاب

وحتى ذلك الحين كان نصر بالنسبة لكثيرين واحدًا من المجدّدين، ولم يكن المرء يعدم أن تظهر مقالة في إحدى الجرائد "التنويرية" تدافع عن ضرورة تجديد الخطاب الديني وأهمية دعم الشيخ نصر في مسعاه، حتى أن إحدى الجرائد المصرية المحترمة أجرت معه حوارًا مطوّلًا وكتبت في تقديمها التالي: "شيخ أزهري مثير للجدل، اختار أن يصدم المجتمع الذي اعتاد على عدم إعمال عقله في ما يخص النصوص الدينية. أراد تحطيم الكهنوت الديني، والجمود الفكري، وفتح الباب أمام اجتهادات لعلماء جدد، ونشر الفكر التنويري بديلًا من التشدد. اشتبك مع الجميع، من الحكومة إلى الأزهر والأوقاف والإخوان والسلفيين، بسبب تصريحاته النارية التي تثير الجدل دائمًا، وكان آخرها هجومه على "صحيح البخاري". أطلقوا عليه اسم الشيخ "ميزو" للسخرية منه وتنفير المواطنين من الاستماع إلى آرائه التي تعتبر غريبة على مسامعهم، واستخدموا معه حملات تشويه كبيرة بدأت من بعد الثورة".

وبحسب المعلومات التي أدلى بها في حواراته الصحفية الأولى في ذلك الحين، فإن محمد عبد الله نصر من مواليد أيلول/سبتمبر 1977، في حي شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية لأسرة ريفية تعود أصولها إلى محافظة المنوفية، وكان والده ضابطًا بالقوات المسلحة برتبة رائد، ووالدته ربة منزل. درس بجامعة الأزهر وتخرّج عام 2003 في كلية أصول الدين قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بتقدير جيد، ولم يعمل إمامًا بوزارة الأوقاف، بعد فشله فى اجتياز اختبار المسابقة، الذي تجريه الوزارة بصفة دورية لتعيين الأئمة الجدد، وبرر نصر ذلك بأن الأجهزة الأمنية هي التي استبعدته.

وعلى المستوى الوظيفي، كان يعمل قبل ثورة 25 يناير، في مجال تحفيظ القرآن عبر استخدام الطريقة النورانية لحفظ وتجويد القرآن الكريم. ويقدّم نصر نفسه بأنه عاطل عن العمل وفي الوقت ذاته يتفرّغ للعمل في مجال البحث العلمي والفكر التنويري. وحول حياته الشخصية وأموره المالية، قال إنه مريض بمرض التهاب الكبد الوبائي "فيروس سي" ويعاني من تليّف في الكبد، ويُعالج على نفقة القوات المسلحة، تعطيه والدته 750 جنيهًا شهريًا كمساعدة، أما بقية مصروفاته فيتكفّل بها أصدقاؤه. ويضيف أنه يسكن في حارة شعبية متواضعة بحي السيدة زينب، في شقة من حجرة وصالة بسقف خشبي، كما أنه لا يحصل على أجر من الظهور على الفضائيات.

لماذا يرعاه إعلام النظام؟

غير أن ما حدث مع نصر استدعى تعاطف البعض معه، بعيدًا عن أزمة المهدي المنتظر، كونه في النهاية واحدًا من ضحايا هوس الشهرة الذي يصيب كثيرين، سواء كان لديهم ما يضيفونه فعلًا أو لا يملكون ما يفيد. ووفقًا لهؤلاء، فإن نصر يقارن نفسه بأمثال إسلام البحيري الذي يقدّم نفسه كـ "حامل لواء التنوير الإسلامي"، أو على الطرف الآخر بدعاة شباب مثل مصطفى حسني أو معز مسعود، ممن يظهرون في برامجهم بملابس غالية ويكلّمون الناس عن الزهد والورع.

ببساطة، نحن هنا أمام نموذج مثالي لما تحتاجه الفضائيات لتملأ برامجها بمادة دسمة تأتيها بالمشاهدات والإعلانات، و"الشيخ ميزو" يعتبر بمثابة دفقة من الوقود اللازم لإدارة ترس الماكينة الإعلامية الهائلة للنظام المصري، التي تعتبر الدفاع عن سياسات النظام أولويتها الكبرى. ومن ضمن آليات منظومة الدفاع الجهنمية التي يتبعها الإعلام الموالي إلهاء المواطنين عن المشكلات الحقيقية، التي تتربّص بهم وتهدّد أمنهم الاجتماعي.

يحظى الشيخ ميزو برعاية من نظام السيسي وإعلامه

"بص العصفورة" هي اللعبة الأشهر التي يُلهي بها الكبار صغارهم، بلفت انتباهم إلى أشياء وهمية غير موجودة تشغلهم وتستنفذ طاقاتهم. وبتطور الزمن، تصبح "بص العصفورة" منهجًا له أتباع ورعاة، كلٌ يلعبها على طريقته وفي سبيل مصالحه الخاصة. والنظام المصري ليس بغريب على استخدام ذلك النهج القديم أمام المطالبات المستمرة بتحسين ظروف المعيشة ومحاربة الفساد وتحقيق العدالة والكرامة الإنسانية للمواطنين، ويرى كثيرون أن رعاية الإعلاميين المحسوبين على نظام السيسي لظاهرة مثل "الشيخ ميزو" هي في أساسها وسيلة لإلهاء المواطنين ودفعهم لتناسي مطالبهم الأساسية وأزماتهم المتوالية في ظل نظام لا يتوانى عن مفاجأتهم كل يوم بقرارات اقتصادية مجحفة وغير مفهومة على الإطلاق، دون تقديم ما يشفع له أو يرجّح كفّته للاستمرار في الحكم. وكذلك تجد مثل تلك "العصافير" أجواء ملائمة في ظل عدم النضج الفكري والثقافي الذي يعيشه المجتمع المصري واستشعاره التهديد لمجرد أقوال يصدرها شخص يظهر في حلقة تلفزيونية من برنامج مسائي.

عن مشروعه بعد إعلانه "المزيف" بأنه المهدي المنتظر، قال نصر إنه يتكون من 6 محاور، أولها الدعوة إلى الوحدة ونبذ الطائفية، وثانيها الدعوة إلى التعايش السلمي بين جميع أصحاب المعتقدات، وثالثها إيقاف كل الحروب في العالم والدعوة للأخوة الإنسانية، ورابعها تطبيق العدالة الاجتماعية بين المجتمع الإنساني بغض النظر عن لونهم وجنسهم ومعتقداتهم الدينية، وخامسها العودة إلى القرآن الكريم، وسادسها تنقية التراث الديني مما لحق به من شبهات وأكاذيب.

وبعيدًا عن مثالية المشروع الذي يقترحه نصر والمستحيل عمليًا، فقد خرج بعض شيوخ الأزهر الرسميين بتصريحات مضادة ذكروا فيها أن كلامه لا يستحق الرد وأن فكرة المهدي المنتظر يدعيها بين الحين والآخر بعض مهاويس الشهرة وقد ادّعاها منذ 20 عامًا بعض الناس الذين احتلوا المسجد الحرام وقتلوا الأبرياء بداخله قبل أن يتم إعدامهم.

والتاريخ القريب يشهدنا على عدد من الأشخاص المصريين الذين ادّعوا، بجدية كاملة هذه المرة، أنهم المهدي المنتظر، وكان مصيرهم بالطبع لا يختلف كثيرًا عما استتبع إعلان نصر بأنه المهدي، فقد لاقوا السخرية والنبذ وحتى الحبس أو الإيداع بمستشفى الأمراض العقلية. في آخر 10 سنوات فقط، ظهر 10 أشخاص ادّعوا بأنهم المهدي المنتظر وطالبوا الناس بمبايعتهم واتباعهم، كان آخرهم مصطفى مشعل، وهو شاب ادّعى الألوهية وفي الوقت نفسه ادّعى أنه المهدي المنتظر، وكان ذلك في شباط/فبراير الماضي.

هل المهدي المنتظر حقيقة؟

القارئ في تاريخ الأديان والمذاهب لا يحتاج إلى جهد كبير ليكتشف بوضوح أن فكرة المهدي المنتظر ليست اختراعًا إسلاميًا وليست فكرة إسلامية خالصة، بل هي سابقة على الإسلام وأقدم منه في الظهور. وهي بحسب البعض تمثّل تجسيدًا لعاطفة فطرية وطموح بشري يساور بني آدم على اختلاف أديانهم ومذاهبهم. فاليهود يعتقدون برجوع "إيليا" والمسيحيون والمسلمون يعتقدون برجوع السيد المسيح، المسيحيون يرون حتمية عودته أو مجيئه الثاني كما يسمّونه في ملكوته وصليبه ليدين العالم ويحاسبهم على أعمالهم، والمسلمون يرون أنه عائد لقتل المسيخ الدجّال وكسر الصليب وليملأ الأرض عدلًا بعد أن سادها الظلم. ببساطة، الكلّ يحلم بيوم موعود يتحقق فيه نصر "طائفته"، ويراه نصرًا إنسانيًا يتحقق من بعده السلام والعدل والطمأنينة بعد صراع طويل من الشقاء ومعاناة الظلم.

بالنسبة للتصور الإسلامي عن المهدي المنتظر، فإنه يذهب إلى أن المهدي ليس هو المسيح، وإنما هو رجل صالح اسمه المهدي، يجمع المسلمين ويوحّدهم ويكون قائدًا لهم، ونزوله هذا يكون مقدمة وتمهيدًا لنزول المسيح المخلّص. وكالعادة اختلف السنّة والشيعة في تحديد شخصية ذلك المهدي، وإن كانت الفرقتان اتفقتا على مبدأ وجود فكرة المهدي المنتظر. ففي حين ذهب السنّة إلى القول بأن المهدي هو رجل من أهل بيت النبي يوافق اسمه اسم النبي واسم أبيه اسم أبي النبي، ذهب الشيعة إلى أن المهدي المنتظر هو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري.

وفي كتابه "المنار الحنيف في الصحيح والضعيف" يورد ابن القيّم أن الناس اختلفت آراؤها في المهدي وظهرت أربعة أقوال في صفاته ونسبه وماهيته، وهو ما يطرح سؤالًا تاليًا حول مدى شرعية فكرة المهدي المنتظر ودلائلها في القرآن والسنّة النبوية. والحقيقة، أنه لا توجد آية قرآنية واحدة تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى المهدي، لكن هناك عدد كبير من الأحاديث النبوية التي تناولت الفكرة، ليس فيها رواية واحدة مما ورد في كتابي البخاري ومسلم.

أما بالنسبة للإجماع على وجود المهدي المنتظر واعتباره عقيدة من العقائد التي ينبغي للمسلمين التسليم بها، فهذا الأمر أيضًا محل أخذ ورد من قديم الزمان. فقد أنكر أبو محمد بن الوليد البغدادي أحاديث المهدي، ولابن تيمية ردّ مطوّل عليه في ذلك، وكذلك رفضها ابن خلدون في مقدّمته واستبعد الفكرة وإن أقرّ بشهرتها بين عموم المسلمين.

ومن المحدثين الذين كان لهم موقف رافض لفكرة المهدي، نطالع رأي الشيخ محمد رشيد رضا الذي سجّله في "تفسير المنار" حيث يؤكد على التعارض والإشكالات في أحاديث المهدي فهو "أقوى وأظهر والجمع بين الروايات أعسر، والمنكرون لها كُثُر، والشبهة فيها أظهر"، ثم يورد ويفنّد الأحاديث التي وردت عن المهدي لينتهي إلى "أننا لا نعتقد بهذا المنتظر، ونقول بضرر الاعتقاد به، ولو ظهر، ونحن له منكرون، لما ضرّه ذلك إذا كان مؤيدًا بالخوارق كما يقولون".

 أما الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، مفتي قطر السابق، ورئيس محاكمها الشرعية، الحنبلي المذهب سلفي العقيدة، فيقول في رسالته التي سمّاها "لا مهدي يُنتظر بعد النبي محمد خير البشر": "فكرة المهدي ليست في أصلها من عقائد أهل السنة القدماء، فلم يقع لها ذكر بين الصحابة في القرن الأول، ولا بين التابعين"، ويذكر آل محمود أن أصل هذه الفكرة يعود إلى الشيعة الذين من عقائدهم الإيمان بالإمام الغائب المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلًا بعد أن امتلئت جورًا، "فسرت هذه الفكرة وهذا الاعتقاد، بطريقة المجالسة والمؤانسة والاختلاط إلى أهل السنة، فدخلت في معتقدهم، وهي ليست من أصل معتقدهم". ثم يرد آل محمود على الأحاديث الكثيرة التي وردت في المهدي ويقول بضعفها مؤكدًا على أن "الكمية لا تغني عن الكيفية شيئًا، وأكثر الناس يقلّد بعضه بعضًا، وقليل منهم المحققون، فإن المحققين من العلماء المتقدمين والمتأخرين، قد أخضعوا هذه الأحاديث للتصحيح والتمحيص فأدركوا فيها من الملاحظات ما يوجب عليهم ردّها وعدم قبولها"، ثم يشرح هذه الملاحظات باستفاضة قبل أن يختم رسالته بقوله: "أنا لا أؤمن بالمهدي حقيقة لأني لا أجد الأحاديث كافية في أن تعطيني قناعة بأن المهدي حقيقة".

اقرأ/ي أيضا:

الراديو في مصر بين الأمس واليوم..خسائر الأثير

"SNL بالعربي".. كوميديا سياسية في مواجهة الرقابة