20-مارس-2018

ميسي رفقة رونالدينيو (Getty)

في الحادي والعشرين من آذار/مارس 1980، وبينما كانت أمهات العالم يستقبلن الهدايا من أبنائهن، منحت "دونا أسيس دوس سانتوس" العالم هديتها الأثمن، رونالدينيو، اسمه الحقيقي رونالدو دي اسيس موريرا، ولّقب ب"رونالدينيو" وهو تصغير لاسم رونالدو، لأنه كان أصغر لاعب في الفريق في بداية مسيرته، وليس لتمييزه عن رونالدو دا ليما كما يعتقد الكثيرون.

لا يهتم رونالدينيو  بمسألة المجد، أو على الأقل فإنه لا يسعى جاهداً إليه، لا يدخل في لعبة الأرقام والإحصائيات، كرة القدم عنده هي للمتعة والفرجة

تاريخ الولادة ودلالاته الكثيفة انعكس في حياته وفي مسيرته الكروية، فرونالدينيو وليد عيد الأم، هو رمز الحب والعطاء والجمال في كرة القدم، بوجهه الطفولي الأسمر، وأسنانه البارزة التي تفتر دائماً عن ابتسامة، وخصلات شعره المتدلية يلعب كرة القدم بمتعة، وينشر الفرح في كل المكان. لن تلتقي بمتابع كرة قدم لا يحب رونالدينيو، حتى جماهير سانتياغو برنابيو وقفت مصفقة له، عندما قدم أداءاً باهرًا رفقة برشلونة ضد فريقهم ريال مدريد في العام 2005 في المباراة التي انتهت بفوز الضيوف 3-0.

اقرأ/ي أيضًا: مسيرة حافلة لساحر الكرة رونالدينيو.. موهبة برازيلية خالدة

يمثّل رونالدينيو الجانب الجمالي الناعم في كرة القدم: الخفة والرشاقة، اللوحات الراقصة، والأهداف الجميلة الراقية والمستوى الأنيق، بعيداً عن الخشونة واللعب الرجولي المندفع. كرة القدم عنده غواية، يغوي المدافعين فيهرب من رقابتهم ويصل إلى أهدافه. يرقص معهم، يقعون في سحره وغوايته، يجد الثغرة ينسّل منهم ويمضي إلى المرمى. كأنك بحضرة شيطان لا يمكنك إلا أن تقع في حبه.

لا تجد في العادة  نقاداً يعتبرون رونالدينيو أفضل لاعب في التاريخ، فهناك لاعبون يتفوقون عليه بالأرقام وبالنتائج وبالاستمرارية وبالألقاب. لكن معظمهم يتفق أن البرازيلي المعتزل بداية العام الحالي، قدّم كرة قدم جماهيرية ممتعة استثنائية ولا مثيل لها. يسجل رونالدينيو الأهداف بكل الطرق ومن مختلف الزوايا، يهدي زملاءه التمريرات الذهبية ويضعهم في مواجهة المرمى. في العام 2005 مرّر كرة جميلة لميسي، ابن الـ18 سنة يومها، الذي أنهاها في المرمى مسجلاً هدفه الأول مع برشلونة. احتفل اللاعبان بطريقة جميلة، حمل رونالدينيو ميسي على ظهره في إشارة إلى أنه يحمله إلى النجومية ويسلمه زمام الأمور. قبلها بشهرين التقى رونالدينيو مع أسطورة كرة السلة كوبي براينت وقدّم له ميسي الذي لم يكن معروفاً يومها "ميسي هذا سيكون مستقبلاً الأفضل على الإطلاق". لرونالدينيو نظرة ثاقبة وقدرة على تمييز المواهب.

لا يهتم رونالدينيو بمسألة المجد، أو على الأقل فإنه لا يسعى جاهداً إليه، فهو لا يدخل في لعبة الأرقام والإحصائيات، فكرة القدم عنده هي للمتعة والفرجة. رونالدينيو هو ساحر آخر من سلالة سحرة البرازيل وراقص "غينغا" من الطراز الرفيع، يبهر المتفرجين بما يقدمه. فاز رونالدينيو بكأس العالم مرة واحدة، وبدوري أبطال أوروبا مرة واحدة، وبالكرة الذهبية مرة واحدة، لا يشرب من نفس النبع مرتين. المسألة لديه ليست مسألة كميّة، فقد فاز تقريباً بكل البطولات الممكنة، لكنه لم ينغمس كلياً في نظام كرة القدم الجديد المقونن والمنضبط، وترك لنفسه هامشاً كبيراً من السحر. لاعب "فريستايل" بجودة وفعالية في الأداء قلّ نظيرهما.

لم تعمّر مسيرة رونالدينيو طويلاً، وميضٌ مرّ بسرعة في سماء الكرة العالمية، فطبع العقد الأول من الألفية بطابعه الخاص

بدأ رونالدينيو رحلته الأوروبية مع باريس سان جيرمان في سن الـ20، انتقل بعدها إلى برشلونة، ليصل إلى القمة في العام 2005 ويحصد الكرة الذهبية، وعندما أصبح رونالدينيو قبلة عشاق كرة القدم وملهم الأجيال الناشئة الذي حاولوا تقليد مهاراته وفنياته وطرق احتفاله بالأهداف، خفت مستواه وبدا كأنه وصل للإشباع. المحافظة على القمة أصعب من الوصول إليها. رونالدينيو لا تعنيه القمة، يحب أن يلعب وأن يستمتع باللعب وأن يجلب الفرح للمشاهدين، ثم يدير ظهره ويمشي.

اقرأ/ي أيضًا: 5 لحظات لا تُنسى في تاريخ الكلاسيكو

لم تعمّر مسيرة رونالدينيو طويلاً، وميضٌ مرّ بسرعة في سماء الكرة العالمية، فطبع العقد الأول من الألفية بطابعه الخاص. تجربة يكمن سر بهائها بفرادتها وبابتعادها عن المقارنات والثنائيات. يعشق رونالدينيو الفوتسال ( كرة الصالات)، ويقول أنه نقل الكثير من مهاراته بها إلى كرة القدم، خاصة في ما يخص المراوغات والتحكم بالكرة والتصرف في المساحات الضيقة. يقول اللاعب البرتغالي ديكو  "لعبت مع ميسي ورونالدو في برشلونة والبرتغال، لكنني أرى أن رونالدينيو الأكثر موهبة وحنكة في الملعب".

في يوم ميلاد رونالدينيو، نتذكره جميعًا، نحن محبّو ومتابعو الكرة الأوروبية، كعاشق وساحر وراقص وملهم وأستاذ، مرّ كحلم جميل في حياتنا، حلم سنتذكره ونحكي للأجيال اللاحقة عنه. النجم الذي قرر بنفسه متى يصل إلى القمة، ومتى يتخلى عنها ويتابع حياته بمرح، بعد أن يحدد بنفسه للعالم من سيحمل المشعل من بعده.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كرة القدم.. الفن الثامن

نيمار يا بابا.. نيمار