13-مارس-2017

تغييرات أسعار صرف الدولار مقابل الجنيه تقلق المصريين (خالد دسوقي/أ.ف.ب)

بعد مرور أشهر قليلة على تراجع السوق الموازية لتجارة العملة الأجنبية في مصر بفعل قرار تعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف من جانب والملاحقات الأمنية للمتعاملين في تلك السوق من جانب آخر، عادت بعض ملامح تلك السوق إلى الظهور مجددًا خلال الأيام القليلة الماضية. ظهور ونشاط السوق السوداء جاء هذه المرة بفعل تذبذب سعر صرف الدولار في السوق الرسمية خلال الفترة الأخيرة، حيث شهدت أسعار صرف الدولار تراجعًا في غضون أيام قليلة بعد أن كان شهد ارتفاعًا بمعدلات غير مسبوقة عقب قرار التعويم، وفقد الدولار في هذه الفترة أكثر من 4 جنيهات من قيمته ليصل إلى حاجز الـ 16 جنيهًا، قبل أن يعاود الارتفاع من جديد هذه الأيام محققًا سعرًا وصل إلى 17.8 جنيهًا في البنوك الحكومية في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي.

بعد انخفاض أسعار صرف الدولار مؤخرًا، يعاود الارتفاع من جديد هذه الأيام محققًا سعرًا وصل إلى 17.8 جنيهًا مصريًا

ويؤشر هذه الاضطراب في سعر صرف الدولار أمام الجنيه إلى فقدان الحكومة المصرية سيطرتها على العملة الخضراء وينفي مزاعمها المستمرة حول المزايا المحسوبة والمتوقعة لقرار تعويم الجنيه في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ويؤكد أن ما يطرأ على سعر صرف الدولار من عوارض دائمًا ما يرتبط بإجراءات استثنائية تتخذها الحكومة دون أن تكون صالحة للمدى الطويل.

اقرأ/ي أيضًا: الزواج في مصر بعد تعويم الجنيه.. معجزة!

ويرجع الخبراء أسباب التراجع السابق في سعر الدولار إلى تدفقات نقدية دولارية نجمت عن بيع سندات حكومية وأذون دولارية بفائدة قياسية وصلت إلى 16%، وهو ما أدّى إلى اندفاع المستثمرين الصغار لشرائها نظرًا للارتفاع الكبير في سعر الفائدة المقرر شراؤها.

لكن القطاع المصرفي لم ينجح تمامًا في الاستفادة من تراجع سعر الدولار عن طريق شرائه بشكل كامل من حائزيه من المضاربين الذين اندفعوا لبيعه خشية تعرّضه لمزيد من التراجع في أسعار بيعه وهو ما أدّى إلى إعادة بعث الحياة في شرايين السوق الموازية التي اندفعت لشراء الفائض من العملات تلك التي لم تشترها البنوك، وذلك عن طريق لجوء تجار تلك السوق إلى رفع أسعار الشراء بقيمة طفيفة بما يعطي أفضلية للمضاربين لبيع عملاتهم في السوق السوداء.

لكن الأسوأ هو ما ترتب عن هذا السيناريو، حيث عادت السوق الموازية مرة أخرى كنتيجة منطقية لنشوء سعرين لشراء العملات، أحدهما سعر البنوك والآخر سعر السوق السوداء. تلك السوق التي أوجدتها التدفقات النقدية الدولارية المؤقتة من ناحية، إضافة إلى استمرار تمسُّك السوق المصرفية بسياسة شراء الدولار دون بيعه من ناحية أخرى، الأمر الذي أسهم في تعزيز وجود السوق السوداء التي تقوم بتلبية احتياجات المستوردين الذين لا يستطيعون الحصول على الدولار من السوق الرسمية، خصوصًا مع اقتراب شهر رمضان الذي يشهد طفرة غير عادية في حجم استيراد جميع السلع تقريبًا.

حمَّل بعض المصرفيين مسؤولية عودة السوق السوداء في مصر إلى البنوك لارتفاع الطلب على العملة الصعبة وعدم توافرها بالكميات المطلوبة

وحمَّل عدد من المصرفيين وخبراء الاقتصاد مسؤولية عودة السوق السوداء مجددًا إلى البنوك لارتفاع الطلب على العملة الصعبة وعدم توافرها بالكميات المطلوبة، ما اضطر بعض المستوردين لتدبير احتياجاتهم من السوق السوداء. وكان التراجع في حجم الاستيراد إضافة إلى تراجع أسعار الدولار عالميًا بفعل تراجع حركة التجارة العالمية قد أديا إلى تخفيف الضغط نسبيًا على شراء الدولار محليًا، وكان لارتفاع حجم احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي، وإن كان في معظمه قروضًا وودائع، أثرًا إيجابيًا في خفض أسعار العملات أمام الجنيه المصري قبل أسابيع ماضية.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب التضخم.. المصريون يكتفون بوجبة واحدة يوميًا!

لكن يبقى من المهم حاليًا بحسب الخبراء أن يعمل محافظ البنك المركزي المصري على تنفيذ وعوده فيما يتعلق بتوفير احتياجات المستوردين من العملات الأجنبية اللازمة لعمليات الاستراد، حيث إن لجوء هؤلاء المستوردين أو بعضهم إلى السوق السوداء لتدبير احتياجاتهم من العملات الأجنبية يؤشر إلى استمرار عجز القطاع المصرفي عن تحقيق تلك الوعود، إضافة إلى ما تشكّله عودة السوق السوداء من مخاطر أبسطها فقدان السيطرة على سوق العملات في القطاع الرسمي بفعل وجود سوق منافسة بإمكانها استعادة قوتها والظهور من جديد كطرف فاعل ومؤثر في أسعار العملات.

ويحذِّر الخبراء الحكومة المصرية من التحسُّب لارتفاع حجم الاستيراد المتوقع خلال الفترة القصيرة المقبلة بفعل نمط الاستهلاك المرتفع والمعهود مع حلول شهر رمضان، والذي يخشى معه ارتفاع سعر الدولار إلى معدلاته القياسية السابقة (20 جنيهًا) أو حتى تجاوزها لتحقيق رقم قياسي جديد، بما ينذر بحركة صعود جديدة في أسعار السلع والخدمات، لا سيما إذا ما تزامن ذلك مع حلول مواعيد تطبيق خطوات أخرى ضمن خطوات "الإصلاح الاقتصادي" وفقًا لخطط صندوق النقد الدولي، وكذلك حلول مواعيد سداد أقساط الديون وفوائدها، ما يستلزم إعادة النظر في سياسة طرح الأذون الحكومية ومراجعة سياسة التوسُّع في الاقتراض، بالتزامن مع تعظيم كفاءة القطاع المصرفي وإقرار سياسات نقدية فاعلة، وذلك لتعميق الارتباط بين أسعار صرف العملات وآلية العرض والطلب، ومنع أطراف السوق الموازية من التأثير والتحكم في سوق العملات بما يؤدي إلى استمرار الاضطراب والتذبذب في أسعار الصرف.

اقرأ/ي أيضًا:

حملة "عايزين نعيش".. رد على التفقير في مصر

تعويم الدرهم المغربي.. شروط خارجية ومخاوف داخلية