04-سبتمبر-2018

الفريدو مارتيرينا/ كوبا

يظل الخطاب السياسي حلبة صراع أساسية، تتشكّل على إثر سياقها مجموعة من الصراعات والتوجهات  الفكرية، تضخ على مصراعيها تناظرات أيديولوجية قابلة للتصديق والإذعان من قبل المتلقي. في ظل هذه الاختلافات غير القابلة للقوننة تصير السياسة بمثابة مجموعة من المناورات التي يستعملها السياسي، إما للوصول إلى السلطة أو الحفاظ عليها. من خلال هذا النسق الذي تحركه السلطة، ولا شيء سواها، يمكن أن نثير إشكالًا يظهر في أوله سطحيًا، لكن يمكن أن يقودنا إلى فهم هذه النوعية من الخطابات المركبة التي تظهر على أنها مباشرة، إلا أن مضمونها يحتاج إلى تشفير وتأويل منطقي لأبعادها الفكرية والأيديولوجية

الخطاب السياسي فعل خطابي قائم على أفكار أيديولوجية، تستند في تفاصيلها على ترسانة من الوعود القابلة للتحقيق

إذًا على ماذا ينطوي الخطاب السياسي؟ لا بدَّ من الإشارة إلى أن الخطاب السياسي هو فعل خطابي قائم على أفكار أيديولوجية، تستند في تفاصيلها على ترسانة من الوعود القابلة للتحقيق أثناء الوصول إلى السلطة، مردها إلى صاحب الخطاب الذي يعتمد في التعبير عن خطته السياسية مجموعة من الأساليب البلاغية، تجعل من الخطاب أكثر تأثيرًا، لا يستطيع الملتقي مقاومة حبكته، سواء على المستوى الداخلي المتجسد في اللغة المقدمة بقالبها السلس والمتماسك، أو من خلال المستوى الخارجي المتخفي في النوايا التي تستهدف أطماع الجمهور والعالقة في اللاوعي فرديًا كان أم جماعيًا، ففي هذه الحلقة الخطابية تلتقي كل المكونات النظرية والإجرائية، فالأولى تفيد كل ما هو أيديولوجي، والثانية تقيس ما هو بلاغي ما دام الخطاب السياسي هو فعل خطابي قوامه القول، فإن توجهه يكون أسلوبيًا بامتياز.

اقرأ/ي أيضًا: العنف والسياسة.. مقاربات نقدية

هنا سيجد المتأمل في أغلب الخطب السياسية، ارتكازها على أسلوب النداء مثل "أيها المواطنون"، فالنداء له قوة إنجازية أثر تلفظ به، فهو يستحضر المتلقي أثناء صياغة فعل القول، ما يجعل الخطاب يأخذ صيغة مباشرة وتلقائية قابلة لتفاعل لا مشروط، وفي هذه المرحلة يتم تمرير الفكر الأيديولوجي الذي ليس هو سوى وهم فكري يقدم لإخفاء رغبات حقيقية تحرّك سياق العام للإحداث، وهو ما نجده قريبًا من رأي فرويد على اعتبار أن ما يحكم الإنسان هو رغباته الحيوانية وليس العقل، فهذا سياق يعري جوهر عقل الإنسان على اعتباره مجرد وسيلة في يد الرغبة، كما يكشف خبايا الخطب السياسية التي تتضارب فيها الأيديولوجيات اليسارية والدينية.

فالنطق بالأحكام الدينية، وبخاصة في الخطابات السياسة العربية، يمكن التعامل معها على أنها إستراتجية بلاغية هدفها الإقناع، توظف الدين على أنه حجة سلطة، على رأي فيليب بروتون، لا يستطيع المتلقي تحاشيها، أو مجابهتها لأنها شاهد قاتل لا يمكن تجاوزه إلا بالتصديق والتبني، فهده الإستراتجية البلاغية، تصير أقوى ما يعزز السياق السياسي باستحضار أساليب أخرى مدعمة لعملية تناور الخطابي كالبكاء أثناء الخطبة، أو التهديد عندما يكون مقام العنف حاضرًا.

فكل هذه الميكانزمات الخطابية لا تمرر عبثًا، إنما تصاغ محبوكة بلاغيًا، وتصبح وظيفة المتلقي في خضمها هي الإذعان لفحوى الخطاب السياسي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ترميم تماثيل الأسد.. استثمار عبثي في رموز السلطة

الدولة العميقة.. "مؤامرة" بلا متآمرين